منتديات اقرأ معنـا
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


قال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم :{إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاثة: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعوا له}
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخولتسجيل دخول الاعضاء
بسم الله الرحمن الرحيم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته , المنتدى تابع لشركة احلى منتدى والخدمة والصيانة مدى الحياة , وأعضاؤنا قدموا 33879 مساهمة في هذا المنتدى وهذا المنتدى يتوفر على 8838 عُضو , للإستفسار يرجى التواصل معي عن طريق إرسال رسالة شخصية .. ولكم فائق تحياتي وتقديري , المدير العام : علي أسامة (لشهب أسامة)
Cool Yellow
Outer Glow Pointer

 

  في قضايا هوية المثقف العربي راهنا

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
علي أسامة (لشهب أسامة)
المدير العام
المدير العام
علي أسامة (لشهب أسامة)


الأوسمة وسام العضو المميز
 في قضايا هوية المثقف العربي راهنا 41627710
الجنـسية : gzaery
البلد : الجزائر
الجنـــس : ذكر
المتصفح : fmfire
الهواية : sports
عدد المساهمات : 26932
التقييم : 0
تاريخ التسجيل : 24/10/2008
العمر : 31
الموقع : https://readwithus.yoo7.com/
المزاج : nice
توقيع المنتدى + دعاء : توقيع المنتدى + دعاء

 في قضايا هوية المثقف العربي راهنا Empty
مُساهمةموضوع: في قضايا هوية المثقف العربي راهنا    في قضايا هوية المثقف العربي راهنا I_icon_minitimeالإثنين 1 أبريل - 0:05




إن التحولات التي تعيشها المجتمعات العربية قد
ابتدأت منذ مطلع عصر النهضة ولم تزل إلى يومنا هذا، فينطبق عليها قول
بوحديبة "مجتمعات غير منتهية"(1)، لأنّ للتحوّل وجهات متناقضة ومتباينة،
فقد تكون تقدّما وقد تكون تراجعا، كما أنّ أنساقه تعرف تباينا، قد يتّسم
بالسرعة والفجائية فيحدث قطيعة ما سبق، وقد يكون بطيئا فيعيد تشكيل السابق
ليجعله أكثر توافقا مع مقتضيات الراهن(2)، وعلى هذا الأساس تبدو لنا العودة
إلى السياق الثقافيّ العامّ، وما يشهده من تحوّلات عملت على تجذير أشكال
جديدة من الوعي، من جهة، وتغيير التصوّرات والمفاهيم من جهة أخرى، أمرا
ضروريا، ما دام المثقف عنصرا فاعلا في عديد التحولات التي عرفها الواقع
والحال أنه في ظل هذه التحولات الكبرى، طفا اليوم سؤال الهوية الثقافية،
وسؤال المصير الوجوديّ، وسؤال القضية العربية.. إلخ. ولكن يبقى السؤال
الأعنف هو سؤال الثقافة والمثقف داخل المعادلات الكبرى التي كان يشكل،
فيها، دائما موقعا هاما بل ومركزيا. فما هي هوية المثقف العربيّ في هذا
السياق الحضاري الأكثر تعقيدا وتشعبا؟ ثم هل من هوية للمثقف العربيّ في ظلّ
الانشطارات الحضارية، وفي ظلّ العولمة التي لا تتوقّف عن التهام الهويات
لإحلال هوية مغايرة ومناقضة لكلّ الهويات المحلية والثقافية؟

سؤال الهوية

تعني الهوية مجموع المكوّنات الثقافية التي تساهم
في إعطاء مشاعر الانتماء والأمن والاندماج داخل الجماعة، كما تمنحها
المعايير التي تمكّن من التواصل والتفاعل والتشبّع بالقيم والطموحات
المشتركة، ممّا يساهم في بناء شعور الثقة، ومن ثمّ فإنّ مكوّنات الهوية
تشير إلى الرأسمال الرمزيّ الاجتماعيّ(3). بناء على هذا التحديد فإنّ لكلّ
جماعة بشرية خصائصها الثقافية، من حيث هي عادات وتقاليد وأعراف وطرائق في
العيش وأنماط في تحديد السلوكات، إنها نظرة الجماعة إلى العالم.

ولعلّ أهمّ ما يترتّب على سؤال الهوية، هو مسألة
الخاصية الثقافية للجماعة. لذلك فإنّ الهوية العربية التي ظلت محطّ نقاش
طويل منذ زمن بعيد، من أهمّ الإشكاليات التي لا يتوقّف المثقّف العربيّ عن
مناقشتها، كما أنّه بمجرّد الانخراط في مناقشة هذه الإشكالية سرعان ما تطفو
إشكالية المثقف كقضية، بل كإحدى أكبر القضايا على الإطلاق. ومن هنا كانت
الحلقة، أو بالأحرى الدائرة المغلقة التي تعيد إنتاج كل القضايا، علاقة
المثقف بالجماعة، ودور النخب ووظيفتها، وهل النخب هي المحرّك الحقيقيّ لكلّ
التحوّلات أو التغييرات الممكنة؟ وما هو دور المثقف والنخب ومساهمتهما في
تخطّي معوقات وأعطاب المراحل التي مرّ منها الزمن العربيّ ومايزال؟

هوية المثقف وأنماطه

لقد علّمنا التاريخ، كما تؤكد الخبرة "أنه لم يكن
بالإمكان حدوث أيّ تغيير إصلاحا كان أم ثورة دون التفاف الناس حول عقيدة
أصبحت ممارسة بفعل أفراد وفئات متضامنة؛ فمن أين أتتهم اللحمة التي جعلت
منهم كتلة أو طبقة أو أمة؟ أفلا يدخل في صلب عمل المثقفين خلق اللحمة بين
من لهم مصلحة التغيير"(4)، لأنهم، هم، الذين يساهمون في بناء النظام الرمزي
"والرموز هي في النهاية أدوات تساهم في "التضامن الاجتماعي" من حيث هي
أدوات معرفة وتواصل، وهي التي تخلق ذلك الإجماع الذي ساهم أساسا في إعادة
إنتاج النظام الاجتماعي، فالتضامن "المنطقي" شرط للتضامن "الأخلاقي"(5).

إنّ هذا الدور الكيميائيّ الذي لايمكن أن يكون
المثقف بمعزل عنه في عملية انصهاره داخل بوتقة الهوية والتطوير، يدفع إلى
البحث في طبيعة المثقف العربيّ وهويته في الراهن، لأنّ صدمة المجتمع
العربيّ بالآخر/الغرب كانت وراء نشوء المثقف العربي الحديث. والحال أنه إذا
لم يحافظ المجتمع العربي على عصبيته التي تمّ اختراقها من قبل الغرب، فإنه
يمكننا القول بأنّ المجتمع العربيّ لم "يتفردن"، وحتى تلك الشرائح التي
حققت بعض التفردن، فإنها لم تنجح في إنتاج تكتلات بديلة للعصبيات التقليدية
(القديمة)، الأمر الذي جعلها تتعايش معها وتتكيف مع منطقها، ومن ثم لم يعد
ممكنا حصر دراسة المجتمع العربيّ بجهاز الدولة الذي يتسم باغترابه
وبرانيته بالنسبة للعلاقات الفعلية السائدة التي يتأسس عليها المجتمع
الأهليّ، كما لايمكن حصر علاقة المثقف والسلطة بسلطة الدولة فقط (6). لقد
انتهى الدور التقليديّ للمثقف مع انتهاء الإيديولوجيات، بل إن الجغرافيا
الثقافية وصراع الهويات الذي يأتي تحت جبّة صراع الحضارات يدفعنا إلى
استنتاج أصناف من المثقف، لأنه بالبحث في هوية هذا الأخير يتبدا لنا بوضوح
أن الأمر يتعلق بأنماط متعددة نحصرها في أربعة:

1- العالم الذي يوجد في المركز الصناعيّ، والتجاريّ العسكري. وهو الممثل للبنية المحدّدة لفضاء السلطة بمعانيها الواسعة.

2- الخبير، الذي يختلف عن العالم في كونه أكثر
اقترابا من دائرة الحكم، وأكثر التصاقا بالرهانات الاجتماعية والإنسانية.
فهو مستشار يُسنِدُ ويسانِدُ الحاكم. كما أنه هو الذي يرسم الرؤية
الاستراتيجية للمؤسسة ويساهم في تجسيدها وتطبيقها عمليا.

3- الصحافي/الإعلامي، وهو
الأكثر مشاركة في النشاط الثقافي. ويمثل الجسر الذي يتوسط الحلقتين: أي
الحلقة الرابطة بين المجتمع والسلطة الحاكمة، بين ذوي القرار والشعب، وهو في الآن نفسه الرقيب على السلطة❊.

4- ثمّ أخيرا المثقف الباحث الذي يشتغل بحياد
وبأمانة علمية وقيم أخلاقية، وهو لا يراهن على أي مكاسب مادية أو
ديماغوجية. إنه الباحث عن الحقيقة، والمعرفة في أصفى تجلياتها. وهو نموذج
المفكر الموروث من عصور الأنوار والأنساق الإيديولوجية المندثرة، ويتميز
بسمة العقلانية النقدية وانتهاج خط يتكرس في منظمات المجتمع المدني من حيث
هي المعبر الحقيقي عن فاعلية الحركة والدينامية الاجتماعية.

إنّ هذه الأنماط من المثقفين، الذين يوجدون في
المجتمعات، يشتغلون في إطار عمل مؤسساتي، ووفق تصورات ومخططات بل ومشروع
حضاري واضح، له أسسه، وله فلسفته، أي له مرجعيته المعرفية والإيديولوجية
التي تحكمه وتجعل كل تلك الأنماط تنتظم وفقه.

والحال أن طبيعة الإعاقة التي شابت الحداثة
العربية، والتي امتدت لتشمل كل البنيات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية،
قد عمقت الهوة بين الطبقات، كما ساهمت في توسيع الفجوة بين مجموع تلك
الأنماط. أي إن كل نمط يشتغل بمعزل عن الآخر، بل وفي تنافر خطير يجعلنا
أمام هويات متعددة، وأمام برامج ومخططات لا تقاطع بينها. وهذا هو جوهر
القضية التي يتخبط فيها المثقف العربي، لأن غياب المشاريع الحضارية الكبرى،
وغياب التواصل المعرفي في كل أبعاده لم يفعل سوى أنه جعل تلك الأنماط
عبارة عن جزر متباعدة لا جسور تصل فيما بينها.

فالمثقف الإطار خريج المعاهد العليا والجامعات
ليس في النهاية سوى صورة لما سبق أن تحدث عنه ابن خلدون -كما رأينا- وهؤلاء
هم الذين تقوم عليهم شرعية النظام السياسي. وسواء تعلق الأمر بالعصبية
الغالبة (كما يرى ابن خلدون) أو الطبقة الحديثة (بتعبير غرامشي) فإن المثقف
في علاقته بالسلطة يظل خاضعا لحسابات ومنطق خاصين معدّين سلفا، ووفق قواعد
اجتماعية تنافسية مدروسة تتداخل فيها الأرصدة الثقافية والرمزية التي تحمل
داخلها مصالح متناقضة، وهو ما تعبّر عنه الدولة بصورة أو أخرى من خلال
الحلف الاجتماعي والثقـافي الذي يتمـظهر من خلال فئات اجتماعية مختلفة(7).
وقد تمكنت الأجهزة الحاكمة من استقطاب المثقفين مستخدمة كل الوسائل. ويشير
الواقع العربي إلى أن معايير الانتداب وتوظيف الخبرات والنخب يخضع لعلاقات
محكومة بالزبونية والعصبية القبلية في صورها الأكثر تخلفا، فالدولة لا
تعترف بالمثقف من حيث هو الابن الشرعي للمجتمع أو خريج الجامعة الوطنية
وإنما المعيار القائم هو الموقف والموقع السياسي والعقائدي والجهوي والطبقي
الطائفي، ويظل العامل الحاسم في هذه المعادلة هو مبدأ الولاء للسلطة، عوضا
عن الكفاءة، وهذا ما يكشف غياب (تغييب) العقل النقدي لدى الجيل الحديث من
المثقفين العرب.

إنّ المثقف العربي، اليوم، هو مثقف بصيغة المفرد،
لا الجمع، وإن مشكلتنا أننا نشتغل أفرادا لا جماعات، عكس الآخر/الغرب،
الذي يقوي ويزيد من حصانة الجماعة والبحث عن كل أنواع التقاطعات الممكنة
لبناء المؤسسات الثقافية والسياسية والاقتصادية، في محاولة منه إلى تجاوز
كل ما يمكن أن يهدد البناء الاستراتيجي الحضاري الكبير، هذا ما يجرنا إلى
مسألة ضعف وثيرة تطور المجتمع العربي وجنينية المجتمع المدني، الذي بدت
نشأته مشوبة بعدة إعاقات، خلافا للمجتمعات الأوربية التي عاشت صراعا طبقيا
حقيقيا أدى إلى ظهور مجتمع مدني حقيقي يقوم على التمدن والمسؤولية
والتعاقد. لذلك تمكن مثقفوه (الغرب) منذ عصر النهضة من بلورة تصوراتهم
الخاصة وعملوا على تحصين المجتمع المدني والحفاظ عليه وعلى استقلاليته
بإقامة مسافة فاصلة بينه وبين السلطة. فاتجه العمل على تكوين مقومات النجاح
الخاصة به، مما ساهم في تشكله كسلطة خصوصية قائمة بذاتها هي سلطة الثقافة
والمعرفة. وهو الوضع الذي نفتقده، ويظل مغيبا في الوطن العربي بين جميع
فئاته المثقفة، مما كرَّس استمرار بنيات وروابط تقليدية حاملة لملامح
البداوة والتقليدية المشبعة بقيم الطائفية والعشائرية، وفوت فرصة تشكيل
ظاهرة "الفردنة" الضرورية التي تؤسس لأنماط حضارية بديلة يكون الانتساب
إليها اختيارا وحرا، وهي الأساس لقيام مجتمع متطور يكون تربة خصبة للممارسة
الثقافية المستقلة (8).

المثقف والسلطة

إذا كان المثقف هو المحرّك الأساسيّ للدينامية
الثقافية داخل المجتمع، فإنّ السياسي هو محور الآحداث وصانعها داخل
الصيرورة التاريخية والاجتماعية داخل الدولة.، وهنا يتبادر إلى أذهاننا
السؤال حول علاقة المثقف بالسياسي، ثم هل السياسي هو نقيض المثقف، أو
بالأحرى ألا يكون السياسيّ مثقفا؟

إنّ السياسة، كما هو معلوم، ترتبط بتسيير الشأن
العام وممارسة صناعة القرارات الكبرى المتحكمة في تسيير الجماعة وفق نظام
حكم له مميزاته، والأنظمة، اليوم، جلها تتسم بالطابع الديمقراطي، على الأقل
(صوريا) من حيث ما تنص عليه قوانينها الدستورية، ونعني بذلك مبدأ فصل
السلطات، حيث نجد الحكومات المسيرة، والجهاز التشريعي، ثم السلط القضائية،
وكل ذلك يتم وفق قاعدة الانتخابات. Justify Full

ففي الوطن العربي، يبدو دور المثقف واضحا، بفعل
انخراطه المبكر، مع حركات التحرر الوطنيّ، وبفعل ما قام به من توعية،
وممارسات للفعل السياسي، السرّيّ والتربويّ. مما قاده إلى أن يكون فاعلا
أساسيا في المشهد السياسي وفي إنتاج أحداث تاريخية شهدها واقع ما بعد
الاستقلال. هكذا عرف المشهد السياسي في مرحلة الستينيت والسبعينات
والثمانينات حضور المثقف العربي، بشكل واضح، وظل يحتل موقع الصدارة بما
حمله من مواقف معارضة لكل التوجهات التي كانت تسير عليها أنظمة الحكم
والسياسات والبرامج التي كان يتم اعتمادها، إنه في ذلك كان يحاول أن يتمثل
مفهوم المثقف العضوي.

كل ذلك أدى إلى المساهمة، بطريقة أو بأخرى، في
إنتاج المشهد السياسي والتحولات الكبرى التي مثلت منعطفات في التاريخ
العربي السياسي والثقافي على السواء. فمرحلة السبعينيات وما تحبل به من
حراك سياسي، تميزت بتجليات العنف الإيديولوجي والإقصاء المتبادل، من الجهة
الحاكمة والأخرى الرافضة للتوجه الرسمي. ولعل أهم معالم هذا الإقصاء، هو
الصراع العنيف الذي عرفه المثقف في مواجهة السلط، والعكس أيضا. إذ كان
المثقف الحالم بمبادئ فكرية مستوردة، ذات الطابع الحماسي المتشبع بالقومية
الطوباوية والعدالة المثالية والحلم الاشتراكي، والاندفاع الثوري، ومحاولة
تثوير Justify Fullكل العالم من أجل تطبيق نمط فكري واقتصادي وسياسي، كلها
جعلت منه فاعلا يناضل من أجل شعارات وهمية متعالية عن الواقع. وهكذا صار
الالتزام سمة كل الحقول الفكرية، بدءا بالأدب والفنون والنقد، وانتهاء
بالانتماءالسياسي الذي بدوره انقسم إلى قسمين، أحدهما يشتغل في الخفاء وهو
ما عرف بالعمل السري والثوري، وآخر منظم وقانوني تجلى في الأحزاب السياسية
التي لم تتوقف السلطة الحاكمة على صدها وصدمها بكل أنواع القمع والاضطهاد.

لذا كان طبيعيا أن يشهد المجال السياسي تحولات
ومسارات مغايرة، وكان المثقف هو الفيصل في طبيعة ما يتخذ من قرارات من قبل
السلطة الحاكمة.

إذا، في ظل هذا الصراع بين الجهتين (السلطة
والمثقف المعارض) كان من اللازم أن يراجع المثقف أدوات تفكيره، وأساليبه،
وطرائق اشتغاله وتعامله مع الواقع. حيث ساهم إلى جانب ذلك في التطورات
الكبرى التي عرفها المشهد العالمي، والمناخ الدولي العام، وتراجع المنظومة
الاشتراكية، وبداية تقهقرها، بل وتصدعها مع مرحلة ما بعد تحطيم جدار برلين.
مما أثر بشكل واضح على دور المثقف، الذي اختار في الغالب الارتكان إلى
زاوية البحث المعرفي والأكاديمي، مع الابتعاد عن كل ما هو سياسي. وهكذا
هاجر البعض إلى المجتمع المدني، الذي اتخذ في الغالب أشكال العمل الحقوقي،
والنضال من داخل ثقافة الحقوق (الإنسانية بما تتضمنه من حقوق اقتصادية
واجتماعية وثقافية)، متخليا عن كل ما له صلة بالعمل السياسي، بعد أن تيقن
من لاجدوى الإيديولوجيات المنهارة، وظهور الإشكاليات الكبرى التي تضع قضايا
العقل والحداثة العربيتين موضع سؤال الهوية والاختلاف، والعلاقة بالتراث.
هذا إلى جانب الاختيارات الأخرى التي لها صلة بالمجال الحقوقي

كما أدى ذلك إلى تراجع دور المثقف في المعارك
الاجتماعية والسياسية، وبروز فضاء من الفراغات المهولة التي كانت من وراء
إنتاج دوائر الفراغ التي سيطرت على كل المجالات. وهكذا صار المتحكم في كل
أنواع العلاقات، وفي كل المجالات، هو المستوى المادي والزبونية والمحسوبية،
التي هي وجه من وجوه العصبية القبلية، الضامنة لاستمرار وجوه تجتهد في
صناعة الرمز. والنتيجة دائما هي البرود، وغياب الأدوارالطلائعية التي من
شأنها أن تقوض وتخلق دينامية حقيقية في المشهد السياسي والاجتماعي.

إذا كان ما قلناه ينسحب على فئة من المثقفين،
الأكاديمين، والتنويريين، وأولئك الذين جربوا العمل السياسي الثوري، فإن
هناك فئة أخرى، من أشباه المثقفين نجدها قد اغتمنت فرصة غياب هؤلاء، وحاولت
أن تتصيد الفرص بأقصى طاقاتها، وإمكانياتها الزمنية والسياسية.

واليوم يتحمل المثقف قسطا وافرا من المسؤولية في
كل ما آلت إليه الأوضاع من تردي، وهو بذلك صار أخطر من الأنظمة الحاكمة، في
كل الوطن العربي. لأن المثقف العربي أثبت أنه لم ينضج بعد، وأن ما رفعه من
مبادئ لم يكن سوى شعارات ومن ثم أعلن عن كبرى هزائمه حين انخرط في اللعبة
السياسية الحالية. فتراجع المثقف فيه، في مقابل زحف السياسي، بمعناه
السلبي، المهيمن على هذا الخطاب، كما ذكرنا.

فكثير من المثقفين والأكاديميين، والباحثين،
تقلدوا مناصب حكومية هامة، واعتبرت في حينها مكسبا للمثقف والثقافة، على
اعتبار أن مركز القرار باب يدخله المثقف الذي سيعمل من أجل الدفاع عن قضايا
ثقافية، وعن مقولات، وقيم، وتصورات. والحال أن الواقع كان يجري على عكس كل
ما كان يرغب فيه المثقف، سواء الذي يوجد داخل السلطة، أو ذلك الذي يتتبع
المسألة عن بعد. والسبب في ذلك يعود، إلى أن المثقف يذوب في الجهاز، بفعل
وجود آليات مُخضعة، وهي آليات منظمة ومضبوطة ومحكومة بمساطر قانونية
وإكراهات الأجهزة الحاكمة.

ويمكن القول، إنه لا وجود للمؤسسات في الأنظمة
السياسية العربية، وإن كل المؤسسات التي توجد على أرض الواقع، هي عبارة عن
مؤسسات فارغة، ولا قيمة لها، في ظل غياب تصور، وفي ظل غياب العمل
المؤسساتي. ولكن هناك مؤسسة واحدة ووحيدة، هي التي تخطط، وتبرمج، وتشتغل،
وتحمي مصالحها عن طريق الإحتواء والإقصاء الممنهج، إنها مؤسسات النظام
الحاكم وما يشتمل عليه من أجهزة وسلطة (ليست قمعية فقط، بل ومعرفية). وقد
كانت النتيجة، أن صار المثقف، في الكثير من الوقائع والمواقف، أداة تستعمل
لتمرير نمط من الخطاب، بعد أن اخترق، وصار بالتالي أداة لإعادة إنتاج
السلطة التي تتمظهر في كل ما هو سلوكي، ومعرفي وفكري، ومن تصريفها بالشكل
الذي تخدم النظام الحاكم.

ومن هنا، صارت كبرى قضايا الوضع العربي الراهن،
وما يعانيه من اختلالات، وفي الإعاقات التي تعاني منها الديمقراطية، تلك
التي لها صلة بمكونات المجتمع المدني، والفاعلين السياسيين، كأحزاب وهيآت،
وصارت الأنظمة الحاكمة أكثر صلابة، وتقوت وهي تشتغل وفق ما تراه يخدم
مصالحها، في تغييب تام لكل ما يخدم المصالح الاجتماعية، وفي إقصاء صارخ
للعديد من الفئات المتنورة.

وهنا نذكر، أن الخطأ الذي سقطت فيه كل "حركات
اليسار" في الوطن العربي، كونها كانت تراهن على الثورات الشعبية، وتغيير
الأنظمة. في حين نسيت، بسبب قصور في النظر، أن الثورة الحقيقية التي يحتاج
إليها العالم العربي، هي الثورة الثقافية والمعرفية التي تزحزح عددا من
الثوابت التي راكمتها أزمنة العطب الحضاري الذي عانت منه هذه المجتمعات.
ومن ثم نلاحظ كيف تحولت العديد من الأنظمة الجمهورية إلى أنظمة أكثر
استبدادا وتسلطا من كل الأنظمة الديكتاتورية..ضاربة عرض الحائط كل تطلعات
المجتمع وكل المبادرات الحقيقية التي تنوي الرفع من مستوى البلدان.. فما هي
مبررات المثقف العربي الذي رفع الشعارات أمس من أجل إسقاط "الأنظمة
الملكية" (في مصر والعراق وليبيا..وغيرها)، واليوم يرفع الشعار من أجل
استمرار "رئيس وحيد" على رأس الجمهورية.. ما الذي تغير حين أسقطت الملكية
وتم تعويضها بالأنظمةالجمهورية التي تورث؟! هل هي خاصية عربية أم ظاهرة
عربية، أم مظهر من مظاهر انهيار العقل السياسي العربي، وعودة -بل استمرار-
العصبية القبلية وعقلية التسلط.

بات المثقف العربي في مأزق يوازي كافة المآزق
التي تتخبط فيها كل البنى والخطابات العربية. ويبقى من أولويات مشروع
المثقف العربي أن يعيد مراجعة إوالياته ومفاهيمه في ظل المستجدات الكونية،
بدءا من العقلانية إلى آخر التكنولوجيات المستعملة. لأن القضية اليوم لم
تعد قضية دور المثقف بقدر ما هي قضية ماهية المثقف وطبيعته، وطبيعة المعرفة
التي ينتجها هذا المثقف. إذ بقدر ما هناك مسافة وتنافرا بين أنماط
المثقفين، بقدر ماتزداد هذه المسافة بينه (المثقف) وبين المجتمع. بل إن ما
يطرح اليوم كإشكالية هو الدور الذي بات يلعبه المثقف في المحافظة على
البنيات التقليدية، وكيف أنه صار من أكبر المدافعين عنها ، عن وعي أو عن
غير وعي، بثمن مدفوع أو بامتيازات.

فالمثقف صار حليفا لمن كان يقف في وجهه أمس، كما
أنه صار من المناصرين ومن المخططين لأساليب الهيمنة وإعادة توزيع السلط بكل
أشكالها. وإذا كان هذا حال الأنماط الثلاثة الأولى، فإن النمط الرابع،
يعيش في عزلة شبه تامة، بحيث تجعل كل ما ينتجه وما يفكر فيه عبارة عن
ميتافيزيقا لا تعني المجتمع ولا الأنظمة، وهذا ما يجعل هوية المثقف العربي،
راهنا، تعيش تمزقا يهدد الوعي والعقل العربيين إلى حد كبير.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://readwithus.yoo7.com
 
في قضايا هوية المثقف العربي راهنا
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  المثقف العربي.. ومسؤولية الفعـل الثقـافي
»  رصاصة المثقف
»  هذا هو المثقف الحقّ في اعتقادي..

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات اقرأ معنـا :: ˆ~¤®§][©][ عــلوم وثقافـة ][©][§®¤~ˆ :: الصحافة والإعلام-
انتقل الى: