هوية الإعلام في المجتمعات العربية: جدلية الوحدة والتنوع
الكاتب: د. الصادق الحمامي
تقتضي
المسائلة المعرفية لظاهرة الإعلام مجابهة الخطابات (الكارثية) السائدة
التي تنظر إلى الإعلام من زاوية إيديولوجية محضة تفضي في كثير من الأحيان
إلى تهويل دور الإعلام (كآلية للتلاعب بوعي الأفراد) وإلى تبخيس المتلقي
(كفريسة تتلاعب به قوى التضليل). وبالمقابل فإن المساءلة المعرفية ترفض
معالجة الظواهر ككليات وتبجل المقاربة التفكيكية والتشريحية المنتبهة إلى
مستويات التنوع والاختلاف التي تحكم الإعلام كظاهرة ثقافية.
كما
تقتضي المساءلة المعرفية تجنيد المفاهيم وتعدد الزوايا. وفي هذا الاتجاه
اتسمت المقاربة التاريخية للإعلام في العالم العربي بمحدوديتها وقصورها
المعرفي (بسبب طابعها السردي) . وتسمح المقاربة التاريخية (إذا تجاوزت
رواية الأحداث) بفهم حراك الإعلام وتغير النماذج التي تحكمه.
ويستند
بحثنا إلى منهجية التحقيب وعلى فرضية رئيسة تقول بأن الإعلام في المجتمعات
العربية خضع في سيرروته التاريخية (منذ ظهور الصحافة المكتوبة إلى اليوم)
إلى نماذج ثلاث : نموذج صحافة الرأي (الحقبة الأولى من دخول المطبعة إلى
فترة الإستقلالات) ونموذج الإعلام الوطني (الحقبة الثانية من الاستقلال
حتى منتصف التسعينيات) ونموذج المجال الإعلامي العربي (الحقبة الراهنة).
وتتشكل من هذه النماذج وفق محددات عديدة كالوساطة التقنية والثقافية
وطبيعة الجمهور....
و يمثل الإعلام الفضائي أحد مستويات المجال الإعلامي العربي الذي تحكمه
جدلية الوحدة والتنوع : وحدة فضاءه الرمزي (العالم العربي) وتنوع وسائطه
وفاعليه وإستراتجياتهم وأنظمته التشريعية والمضامين المتداولة داخله.
ويخلص هذا البحث إلى نتائج ثلاث
أولا
الإعلام في علاقته بمسألة المجال العام : تمثل مسألة التنوع والتعددية
مدخلا لفهم حراك الإعلام في المجتمعات العربية كفضاء يتجسد من خلاله
المجال العام (public sphere). فالإعلام يمثل مجالا يحتضن النقاش العام
والتعبير السياسي والثقافي و إشهار الأفكار والآراء وهو بالتالي مجالا
يتشكل داخله الرأي العام.
ثانيا الإعلام والثقافة احتكر المنهج الكمي
الجهد البحثي برمته في العالم العربي. ولم يفضي التراكم المتواصل للمعطيات
الإمبيريقية لإضافات معرفية حاسمة. وتقتضي تجديد البحوث العربية تجنيد
مقاربة مختلفة وخاصة المقاربة التاريخية (تبحث في علاقة الحراك المزدوج
للإعلام والثقافة) وسوسيو-أنثروبولوجية تبجل استقراء ممارسات التلقي كنشاط
تأويلي.
ثالثا آليات التحكم المجتمعي في الإعلام تتشكل علاقة المجتمع
بالإعلام بطبيعة آليات إدارته و تنظيمه. ويقترح بحثنا التفكير في آليات
مختلفة تسمح للمجتمع بالتحكم في المجال الإعلامي ومنها التنظيم (من خلال
استحداث هياكل تشرف على تنظيم القطاع تحترم مقتضيات الاستقلالية والتعددية
والتمثيلية) ودعم التلفزيون العمومي (كمرفق عام يتحمل وظائف عديدة منها
إدارة النقاش العام وحماية الثقافة الوطنية وتنوعها وضمان إعلام وطني
متعدد) والتربية على وسائط الإعلام كآلية تكتسب من خلالها الناشئة آليات
التعامل النقدي مع وسائط الإعلام في سياق فقدت فيه الدولة وظيفتها كوسيط
يحدد للجمهور ما يجب أن يشاهده ويقرأه و يسمعه.
تحميل الدراسة