ألقيت في المركز الثقافي العربي في طرطوس محاضرة قيمة للكاتب والباحث يوسف مصطفى حملت عنوان الثقافة العربية .. جدلية المثقف والتحديث. في مادتنا هذه نسلط الضوء على أهم ما جاء فيها من محاور وافكار ..
بداية اوضح المحاضر الفرق بين مفهومي التحديث والحداثة فالأول بنظره أقرب الى مفهوم التغيير كفعل حركي متدرج ومستمر . بينما الحداثة تحمل دلالة التجاوز والقطيعة وأحياناً التمرد وتجاوز المألوف وقد تصل الى دلالة مصطلح التغريب في بعض الاحيان . وأكد الباحث أن التحديث حال تاريخية إنسانية ونمو تحمل النسبية وتنطلق من أصول وارضية قائمة ولايوجد تحديث في جانب ثقافي او اجتماعي او اقتصادي منقطع عن اصوله ومحيطه والتحديث في تقديره يجب ان يعتمد مسألتين الاولى تغيير النظرة الكلية لمرحلة تاريخية ما والمقصود بذلك فتح مساحات جديدة اكثر عمقاً وشمولاً واتساعاً في اعادة قراءة المرحلة التاريخية. المسألة الثانية هي رفع وتيرة القدرة على الحركة والسيطرة والتحكم بقضايا الحياة والحاجات الاجتماعية والانسانية وقدرة تعديلها بمعنى اوضح : التحديث الحقيقي يصدر عن الذات افراداً وجماعات ويتحقق بالادراك والوعي والارادة الذاتية وأكد المحاضر انه لابد من اعتماد بناء مؤسسات ثقافية على مستوى الوطن العربي تعمل بالعقل المؤسساتي هذه المؤسسات تراعي البعد الاجتماعي للثقافة وتشكل حاضناً للكثير من المثقفين والمبدعين وتوفر لهم مناخ الحرية ومساحة التعبير وهذا بتقديره يرتبط بمسألتين هامتين الالى : هي قدرة المثقف العربي على لعب الدور الرائد في عملية التغيير وقدرة اثبات هذا الدور . اما الثانية فلا بد من توفر الحد الادنى من ارادة سياسية لدى النظام العربي الرسمي لفسح المجال للمبدع وللمفكر ان يقول الحقيقة وأن يمارس العملية النقدية المسؤولة والمشخصة خارج اطار الوهم والتداعيات المثالية لكن بواقعية تحكمها دائرة الانتماء للمصلحة العليا القومية وللوطن ايضاً خارج خطابات التهويل والشعارات وشدد «يوسف» على ان عملية التغيير المطلوبة في بناء وتحديث عربيين ليست قريبة وليست سهلة ولعل الخطوة الاولى وبالمنطق العلاجي هي وقف تضاعف الازمة في واقعنا العربي بمستوياته المختلفة ومنها الثقافية . وركز المحاضر على ضرورة التواصل بين كل الانساق الثقافية والفكرية على قاعدة الحوار واللقاءات والمنتديات وتنظيم ذلك للوصول إلى المشترك والممكن وإيجاد التراكم المطلوب الذي يؤمن التغيير وينقل خطاب التغيير من الممانعة الى الحوار وقبول الاخر ووضع أسس فكرية وفلسفية تكرس ادبيات الحوار التي تقوم على مناهج تشغيل العقل والعلم.
وختم الباحث محاضرته بالقول : إن حركة التاريخ قائمة وحركة التاريخ هي حراك الناس وعقولهم فهم الذين يصنعون التاريخ فعلينا جميعاً كعرب ان نشحذ الهمم والقوى والعقول خاصة الان حيث تغلب احادية القطبية الامريكية ونموذجها المصادر لخيارات الشعوب بالقوة وتضييق فسحة الحركة .. لكن على الجميع ومن موقع انتمائه للاوطان وحاجاتها الاستفادة من الممكن ومن عامل الزمن وقد ضاع الكثير