المثقف العربي.. ومسؤولية الفعـل الثقـافي
خليل الفزيع 2012/07/28
من
مقتضيات التنمية في البلاد العربية على امتداد رقعتها الجغرافية الاستعانة
بالكفاءات البشرية التي تساعد على دفع عجلة التنمية، والتسريع في تنفيذ
مشاريعها المختلفة، ومن هذه الكفاءات: المثقفون والأدباء الذين يعملون في
المؤسسات الثقافية والتعليمية من معاهد وكليات وجامعات، وكذلك المؤسسات
الإعلامية من إذاعات وتليفزيونات وصحف، وغيرها من مجالات العمل الثقافي
الأخرى، ومن هؤلاء شعراء ونقاد وسرديون وكتاب في الفكر الديني والسياسي
والاقتصادي، وهم وإن لم يكونوا ملزمين بالكتابة في مواقعهم الجديدة لكنهم
في النهاية لا يمكنهم التخلي عن كونهم مبدعين في مجال أو أكثر من مجالات
الإبداع، وهم بعطاءاتهم الإبداعية إنما يسهمون في إنعاش الحركة الإبداعية
في البلاد التي يعملون بها، وربما قدّموا لتلك البلاد ما لم يقدّمه أبناؤها
من إسهاماتٍ أدبية وفكرية وثقافية متنوّعة، مما يعني أن الأدب العربي
بخاصة، والثقافة العربية بعامة، كل لا يتجزأ ومتصل ببعضه اتصالًا لا يقبل
التشكيك أو الجدل، فكل جهدٍ أدبي أو ثقافي عربي، هو ملك العرب بصفةٍ عامة،
حتى وإن احتفظ بملامحه الإقليمية، ومؤثراته المحلية، فالفضاء العربي يمكن
أن يستوعب كل المنجزات الإبداعية العربية، ومنها يستمد تألقه وازدهاره.
ومهما
قيل عن ضعف بعض المنجز الثقافي لأيِّ كاتب عربي في غير بلاده، بحُجة
المجاملة، أو غير ذلك من الأسباب، فإنها أسباب لا يمكن الاعتماد عليها عند
الرجوع إلى النتائج، فذلك ضعف مقترن بالقدرات الفنية لدى الكاتب في طرحه
للشأن العام، أو لدى الناقد في تناوله للأعمال الإبداعية، بمعنى أن هذا
المستوى من الإنتاج لا علاقة له ببيئة العمل الجديدة، أو المحيط الاجتماعي
الذي انتقل إليه الكاتب، بل هو صفة ملازمة للكاتب سواء كتب في بلاده أو في
غير بلاده، وما أكثر الكتاب المجاملين والمنافقين على امتداد رقعة الوطن
العربي الكبير، فهل يؤخذ المحسن بذنب المسيء؟
الكُتَّاب
أو النقاد من ذوي الإنتاج المتواضع موجودون في كل مكان، والكاتب قد يكتب
ويجامل دون أن يتواجد بين ظهراني البلاد التي يكتب عن أوضاعها، أو عن إنتاج
مبدعيها، ومن غير المناسب أن ننكر الجهود التي قدّمتها الكفاءات العربية
العاملة في بلدان عربية غير بلدانها.الكُتَّاب أو النقاد من ذوي الإنتاج
المتواضع موجودون في كل مكان، والكاتب قد يكتب ويجامل دون أن يتواجد بين
ظهراني البلاد التي يكتب عن أوضاعها، أو عن إنتاج مبدعيها، ومن غير المناسب
أن ننكر الجهود التي قدّمتها الكفاءات العربية العاملة في بلدان عربية غير
بلدانها، كما أنه من غير اللائق التشكيك في تلك الجهود، مهما اقترن الضعف
ببعضها، حتى لا نخلط الحابل بالنابل، لنمسي كحاطب ليل.
في مجال التعليم
والثقافة والأدب والإعلام ـ صحافة ـ إذاعة ـ تليفزيون ـ ترك المثقفون
والأدباء العرب بصمات مميّزة في البلاد التي عملوا بها، وأسهموا في التأسيس
لمستقبل أفضل للتنمية الثقافية والحركة الإبداعية في ربوعها، كما هو الشان
في الحراك التنموي الشامل، دون أن تؤثر على جهودهم عثرات أصحاب الكفاءات
المتواضعة، والذين لا يمثلون سوى أنفسهم، وهي حالات ـ مع قلتها ـ طبيعية
تعبّر عن وضع الإنسان بصفته العامة، ولا يمكن النظر إليها بغير هذا
المنظار.
إن أي منجز ثقافي في أي بلد عربي، هو من العرب وإلى العرب، ولا
يهم بعد ذلك أن يكون المثقف العربي مقيمًا في بلاده أو في أي بلد عربي
آخر، وإذا كنا ننظر إلى الأدباء العرب في أوروبا وأمريكا وآسيا، أنهم مبعث
افتخار لنا، فإننا بهذا المقياس ملزمون بأن نفتخر أكثر بمثقفينا العرب
الذين اختاروا العمل في البلاد العربية بدل الهجرة إلى خارج الوطن العربي،
رغم ما قد يتعرضون له في بعض البلدان العربية من معوّقات وإحباطات، ليس
أكبرها تهمة المجاملة والنفاق وضعف مستوى الإنتاج، وغير ذلك من الأحكام
العامة البعيدة عن معاني الأخوة العربية، ما يقال عن وجوب التواصل بين
المثقفين العرب في جميع الأقطار العربية.