الحمد لله ، نحمده و نستعينه ، و نستغفره ، و نعوذ بالله
من شرور انفسنا و من سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له
و من يضلل فلا هادي له ، و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، و أن محمدا
عبده و رسوله صلى الله عليه و على آله و أصحابه و من تبعهم
بإحسان الى يوم الديـــن و سلم تسليما كثيرا ، أما بعد ...
تعريف الحديث المعضل والمنقطع والفرق بينهما
وقال المصنف -رحمه الله تعالى-: الحديث المعضل هو ما سقط من إسناده اثنان فصاعدا
وكذلك المنقطع، وهذا النوع قَلَّ من
احتج به، وأجود ذلك ما قال فيه مالك: بلغني أن رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- قال كذا وكذا، فإن مالكا متثبت، فلعل بلاغته أقوى من مراسيل مثل
حميد وقتادة .
--------------------------------------------------------------------------------
هذا الكلام الأخير كان الأولى
تقديمه، ولهذا شُرح مقدما لارتباطه بالمراسيل، لكن لما كان له وجه -أيضا-
في المعضل على ما يأتي -إن شاء الله- أرجأه إلى المعضل، ويصلح أن يقدم
للمراسيل، ويحال عليه في بعض المعضل.
هذا النوع، أو المؤلف ذكر ها هنا نوعين
من أنواع الحديث وهما: المعضل والمنقطع، وجعلهما اسمين لمسمى واحد،
فحقيقتهما عند المؤلف واحدة، كل حديث سقط من إسناده اثنان فهو معضل أو
منقطع، ويجوز أن تسميه معضلا، ويجوز أن تسميه منقطعا على كلام الحافظ
الذهبي ها هنا.
ولكن هذا الكلام لا يوافقه عليه جل أهل
العلم، لا يوافقونه عليه، وإنما يجعلون المعضل اسما لحقيقة، والمنقطع اسما
لمعنى آخر، وإن كان كلاهما يشملهما الاشتراك في شيء واحد، وهو الانقطاع،
بينهما قاسم مشترك وهو الانقطاع، لكن المؤلف جعل الانقطاع ها هنا بسقوط
اثنين فأكثر هو المعضل وهو المنقطع.
فأولا: المؤلف -رحمه الله- لم يميز بين النوعين، وقد غاير العلماء بينهما.
والثاني: أن ذكر أن المنقطع والمعضل ما
سقط من إسناد أحدهما راويان فأكثر، وهذا يصلح للمعضل، ولكنه لا يصلح
للمنقطع؛ لأن الحديث الذي فيه عدم اتصال يعتبر منقطعا، سواءً كان الراوي
الساقط واحدا أو أكثر، وقد عبر أهل العلم كثيرا بالانقطاع عما سقط من
إسناده راو واحد.
فكون المؤلف يقصر المنقطع على ما سقط من إسناده اثنان فأكثر، هذا -أيضا- لا يوافقه عليه أهل العلم.
وكذلك المؤلف ها هنا لم يحدد موضع
السقوط في كل واحد منهما، وقد حدده الحافظ العراقي، ومن بعده تلميذه ابن
حجر، فذكروا أن المعضل يكون السقط فيه على التوالي، في موضع واحد، معنى
يسقط تابعي، أو تابع التابعي، أو التابعي والصحابي.
فهذا يسمى معضلا، يكون الساقط اثنين متواليين، يكون الساقط اثنين متواليين.
وأما إذا سقط اثنان ولكن من موضعين
مختلفين، أحدهما -مثلا- في مبتدأ الإسناد، والآخر في وسطه، فهذا يسمى
منقطعا، ولا يسمى معضلا؛ لفقده شرط التوالي.
وكذلك لو سقط من إسناده راوٍ واحد من أي جهة من الإسناد، فإن الحافظ ابن حجر والعراقي يسميانه منقطعا.
إذن، يكون كلام المؤلف في المعضل: ما
سقط من إسناده اثنان فأكثر على التوالي، تُقيد بأنها تكون على التوالي،
يعني: يكون السقط متواليا، وهذا هو الذي يوافق أحكام الأئمة، هذا هو الذي
يوافق أحكام الأئمة، هذه الأحاديث بالإعضال، إذا سقط اثنان متواليان حُكم
عليه بأنه مُعضل، كما جاء ذلك عن علي بن المديني، وفي سنن أبي داود شيء من
ذلك، وعند الحاكم -أيضا- في المستدرك، حكموا على أسانيده بأنها معضلة
لسقوط راويين متواليين.
ولكنهم إذا سقط راوٍ واحد بين رجلين،
فإنهما يسميانه مرسلا، فإنهم يسمون هذا مرسلا في الغالب، وقد يسمونه
منقطعا، قد يسمى منقطعا كما مر معنا يوم أمس في أن كثيرا من أهل العلم
الحديث يسمون، أو يطلقون المرسل على المنقطع، ولو في وسط الإسناد، ولو في
وسط الإسناد.
ولكن لما كان ثبت عليهم الحكم على
المعضل، أو الحكم على بعض الأحاديث التي سقط فيها راويان فأكثر، حكموا
عليها بأنها معضلة، كان هذا موافقا لكلام العراقي، وكلام الحافظ ابن حجر
-رحمه الله تعالى.
وأما بالنسبة للمنقطع، فالتعبير به في كلام العلماء، يعني: ليس بكثرة التعبير بالمرسل، ليس بكثرة التعبير بالمرسل.
فالانقطاع هو منافٍ للاتصال، فيصدق على
أي جزء من الإسناد سقط فيه راوٍ، أو سقط راويان في موضعين مختلفين، يصدق
عليه أن يكون منقطعا.
وكذلك لو سقط راويان فأكثر متواليان
يصدق أن يكون منقطعا، ولكن لمَّا كان العلماء اصطلحوا على تسميته بالمعضل
فينبغي الاتباع في هذا.
فصار عندنا -مما يتعلق بانقطاع الإسناد-
ثلاثة أنواع؛ كان عندنا المرسل، وعندنا المعضل، وعندنا المنقطع، فهذه
ثلاثة أنواع ذكرها المؤلف -رحمه الله تعالى-، وسيأتي لها مزيد من الأنواع،
لكن هذه الثلاثة كلها تشترك في منافاتها الاتصال، في أنها منافية للاتصال.
ويشترك المرسل مع المعضل فيما لو سقط من
الإسناد الصحابي والتابعي، هذا يصدق عليه أن يسمى مرسلا ومعضلا، بمعنى:
إذا سقط اثنان بين التابعي والنبي -عليه الصلاة والسلام- يسمى مرسلا
ومعضلا، فقد يروي الحديث راوٍ من الطبقة المتوسطة، أو الطبقة الصغرى من
التابعين، وهذه قد يكون بينها وبين النبي -صلى الله عليه وسلم- اثنان، قد
يكون بينها وبين النبي -صلى الله عليه وسلم- راويان.
فإذا -مثلا- روى لنا حميد الطويل أو
قتادة حديثا عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، هذا يصلح أن يكون مرسلا،
ويصلح أن يكون معضلا، لكن الإعضال ليس جزما، لكن الإعضال ليس جزما، لكن
يحيى بن أبي كثير إذا روى لنا حديثا سبق عنه أنه تابعي من صغار التابعين،
فإذا روى لنا حديثا جزمنا بأنه حديث مرسل معضل، يصلح أن يكون مرسلا معضلا
لجزمنا بأن بينه وبين النبي -صلى الله عليه وسلم- روايين.
لكن يحيى بن أبي كثير إذا روى لنا
حديثًا، سبق أنه تابعي من صغار التابعين، فإذا روى لنا حديثًا جزمنا بأنه
حديث مرسل معضل، يصلح أن يكون مرسلًا معضلًا لجَزَمْنَا بأن بينه وبين
النبي -صلى الله عليه وسلم- راويين، فيشتركان ها هنا، أو في مثل هذه
الحالة.
ولكن إذا كان التوالي من وسط الإسناد، أو من مبتدأ الإسناد، فهذا يسمى معضلًا، ولا يسمى مرسلًا.
وأما بالنسبة للمنقطع فهو يشترك مع
المرسل فيما إذا كان الساقط بين التابعي والنبي -صلى الله عليه وسلم-
واحدًا، إذا كان الساقط واحدًا بين التابعي والنبي -صلى الله عليه وسلم-
فيصلح أن يكون مسمى مرسلًا، ويسمى منقطعًا، ولكن العبارة الحديثية
المستخدمة عند أهل الحديث هو أن يطلق عليه مرسلا، لكن يجوز أن يقال منقطع،
يعني بين التابعي والنبي -صلى الله عليه وسلم-، وهذا يكون خاصة في مراسيل
كبار التابعين.
إذا روى سعيد بن المسيب حديثًا عن النبي
-صلى الله عليه وسلم- يصلح أن تطلق عليه مرسلًا، ويصلح أن تطلق عليه
منقطعًا، وإن كانت العبارة الأولى في الإطلاق أن يسمى مرسلًا، لاصطلاح
عامة أهل الأثر على هذا، وتسميتهم مثل هذا الحديث بالمرسل.
وينفرد المنقطع عن المرسل إذا كان الانقطاع في وسط الإسناد، أو في مبتدأ الإسناد؛ لأن هذا يسمى منقطعًا، ولا يسمى مرسلًا.
وها هنا مسألة -يعني- قد ترد، وهي كيف
نحدد عدد الساقط؟ تارة يكون الساقط واحدا، وتارة يكون الساقط اثنين، وتارة
يكون الساقط ثلاثة، فكيف نحدد هذا، وما ضابط التحديد؟
أولًا: طبعًا التحديد هذا -في كثير من أحواله- ليس جزمًا؛ إنما هو من باب غلبة الظن، وأحيانًا يرد ما يبين عدد الساقط.
فأحيانًا يأتي لنا إسناد، فنتبين من
الرواية الأخرى لهذا الحديث بأن هذا الإسناد فيه إعضال، وهذا كما في سنن
ابن ماجه، من حديث عبد الله بن عبد الرحمن بن ثابت بن الصامت، قال: جاءنا
النبي -صلى الله عليه وسلم-، فهذا فيه انقطاع بين الراوي عبد الله، وبين
النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن جاء في رواية أخرى عند ابن ماجه نفسه ما
يبين عدد الساقط بين هذا الراوي وبين النبي -صلى الله عليه وسلم-، فجاء في
الرواية الأخرى أنه روى هذا الحديث عن أبيه، عن جده، فكان الساقط عندنا
بهذه الرواية تبين لنا أن الساقط اثنان: الأب، والجد.
فيكون هذا الحديث معضلًا، فتبينا الساقط وعدد الساقط من الرواية الأخرى.
وأحيانًا يكون المعهود بين الراوي
والنبي -صلى الله عليه وسلم- راويين، وهذا كما في بعض الأحاديث التي
يرويها عمرو بن شعيب عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مباشرة، دون أن يذكر
اسم أبيه أو جده.
فالمعهود من رواية عمرو بن شعيب إنما هي
عن أبيه، عن جده، فإذا وجدنا حديث عمرو بن شعيب ظهر لنا عمرو بن شعيب، عن
النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة، ظهر لنا أن الساقط اثنان فأكثر، فيكون
هذا الإسناد معضلًا.
وأحيانًا يحتمل الأمرين: يحتمل الأمرين،
فإذا جاءنا راوٍ من كبار التابعين، فإنه قد يكون راويه عن التابعي، ولكن
المُغَلَّب في هذا الجانب أن يكون رواه عن صحابي، المغلب في هذا الجانب أن
يكون الساقط بينه وبين النبي -صلى الله عليه وسلم- راويًا واحدًا فقط.
وإذا جاء من صغار التابعين، فالغالب أن
يكون الساقط بينه وبين النبي -صلى الله عليه وسلم راويين- اثنين، وإذا كان
من الطبقة المتوسطة ففيه تردد.
ولهذا، الحافظ ابن حجر وجماعة من
العلماء في بعض الأحاديث قالوا: هذا مرسل أو معضل. كما في حديث رواه
الزهري، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال ابن حجر: مرسل أو معضل. لأن
الزهري له رواية عن بعض الصحابة -رضي الله تعالى عنهم-، وكذلك له رواية عن
جماعة كثيرة من التابعين، فإن كان هذا الحديث من روايته عن التابعين، فإن
كان يحتمل هذا الحديث أن يكون معضلًا بسقوط التابعي والصحابي، ويحتمل أن
يكون حديثًا مرسلًا لسقوط رجل واحد بينه وبين النبي -صلى الله عليه وسلم-
وهو الصحابي.
فلذلك الحافظ ابن حجر في بعض المواضع من
"الفتح" وكذلك الزيلعي يقول: مرسل أو معضل. لا يجزمون، لاحتمال أن يكون
مرسلًا، واحتمال أن يكون معضلًا، وهذا يفيد حين تقوية الأحاديث.
فالرجل الذي يحتمل أن يكون بينه وبين
النبي -صلى الله عليه وسلم- راويان في الغالب، هذا يكون حديثه، أو يتطلب
شاهدًا ومتابعًا أقوى ممن يكون الغالب على حديثه أن يكون بينه وبين النبي
-صلى الله عليه وسلم- راوٍ واحد وهو الصحابي.
فهنا مسألة تختلف، ويحتاج إليها حين
تقوية الأحاديث، فالشاهد من هذا أن إدراك عدد الساقط -أحيانًا- يكون بجزم،
وأحيانًا يكون بغلبة ظن فقط.
والمعضل -يعني- تعبيراته في كلام أئمة الحديث المتقدمين، تعبيرات بهما يعني قليلة، ليست كثيرة ولا مشتهرة، شهرة التعبير بالمرسل.
ولهم في ذلك -يعني الإعضال أو المعضل-
يطلقونه على أشياء، ولكن الأكثر إطلاقه على ما سقط من إسناد راويين فأكثر،
وقد يطلقونه على الشاذ والمنكر كما صنع ابن عدي في بعض المواضع من
"الكامل" وابن عبد البر في كتابه "التمهيد" وقد يطلقونه على الغلط في
الرواية، وقد يطلقونه على نكارة المتن والإسناد معًا، وهذه استخدمها ابن
عدي في "الكامل".
فالشاهد من هذا كله أنه -يعني- إذا حكم
على حديث بأنه معضل من قبل المتقدمين، فلا يظن أن في إسناده سقطًا لراويين
فأكثر، وإنما يتأمل في الإسناد، فإن كان فيه سقط راويين يُحْمَل على هذا،
وإن لم يكن فيه سقط فينظر جهة الوصف بالمعضل، جهة الوصف بالإعضال.
وكذلك بالنسبة للمنقطع، بالنسبة
للانقطاع، فالإمام البخاري -ومن قبله شيخه علي بن المديني- يطلقونه على ما
في سنده راو مجهول، وإن لم يكن فيه انقطاع، لكن الغالب إطلاق الانقطاع على
ما سقط من إسناده راوٍ، أو راويان في موضعين مختلفين، وهذا هو الذي صار
عمدة عند المتأخرين.
ولكن هذه الأحكام من حيث الإعضال
والانقطاع -يعني- لا ينبغي صرفها على هذا إلا بعد النظر في الإسناد،
والتحقق من وقوع السقط في الإسناد، والمعضل والمنقطع -أيضًا- فيهما ضعف من
جهة اتصال السند، فهما منافيان لصحة الحديث، لكن إذا جاءت لهما شواهد
ومتابعات تقويهما، فإنهما يرتقيان إلى الحسن لغيره، لكن ينبغي أن يقال: إن
المعضل إذا سقط منه اثنان فهو أشد أضعفًا من المنقطع الذي سقط راوٍ واحد.
وأحيانًا يكون المنقطع أشد، فلو سقط
عندنا ثلاثة من الإسناد في مواضع مختلفة سميناه منقطعًا، فهو أشد من
المعضل الذي سقط منه اثنان فقط، فالاختلاف في ترقية هذه الأحاديث وتوصيلها
إلى الحسن يختلف بحسب اختلاف عدد الساقط، فكلما كثر عدد الساقط ضعف الحديث
عن الانجبار.
فالذي يسقط منه اثنان أقوى حالًا من
الذي يسقط منه ثلاثة، والذي يسقط منه واحد أقوى حالًا من الذي يسقط منه
اثنان، وإذا سقط التابعي -لو استدركوا فيه ساقط تابعي- هذا أقوى من الذي
يسقط فيه رجل قبل التابعي؛ لأن الطبقات -أيضًا- معتبرة ها هنا.
والشاهد أن المنقطع والمعضل في الجملة يترقيان إلى الحسن لغيره إذا وجد لهما من المتابعات ما يرقيهما. نعم.