[center]
[center]
تعريف الحياء
الحياء
انقباض يجده الإنسان في نفسه يحمله على عدم ملابسة ما يعاب به ويستقبح
منه, ونقيضه التصلف في الأمور وعدم المبالاة بما يستقبح ويعاب, وكلاهما
جبلي ومكتسب, لكن الناس ينقسمون في القدر الحاصل منهما على أقسام؛ فمنهم
من جبل على الكثير من الحياء, ومنهم من جبل على القليل, ومنهم من جبل على
الكثير من التصلف, ومنهم من جبل على القليل, ثم إن أهل الكثير من النوعين
على مراتب وأهل القليل كذلك فقد يكثر أهل النوعين حتى يصير نقيضه
كالمعدوم, ثم هذا الجبلي سبب في تحصيل المكتسب, فمن أخذ نفسه بالحياء
واستعمله فاز بالحظ الأوفر, ومن تركه فعل ما شاء وحرم خيري الدنيا
والآخرة(1).
وقال ابن رجب: الحياء نوعان:
أحدهما: ما كان خلقًا وجبلةً غير مكتسب، وهو من أجل الأخلاق التي يمنحها الله العبد ويجبله عليها، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم:" الحياء لا يأتي إلا بخير"(2) فإنه يكف عن ارتكاب القبائح ودناءة الأخلاق، ويحثّ على مكارم الأخلاق ومعاليها، فهو من خصال الإيمان بهذا الاعتبار.
والثاني:ما
كان مكتسبًا من معرفة الله، ومعرفة عظمته وقربه من عباده، واطلاعه عليهم،
وعلمه بخائنة الأعين وما تخفي الصدور، فهذا من أعلى خصال الإيمان، بل هو
من أعلى درجات الإحسان. وقد يتولد الحياء من الله من مطالعة نعمه ورؤية
التقصير في شكرها، فإذا سلب العبد الحياء المكتسب والغريزي، لم يبق له ما يمنعه من ارتكاب القبيح والأخلاق الدنيئة، فصار كأنه لا إيمان له(3).
ولذلك فقد جاء في الحديث أن الحياء من الإيمان، فعن ابن عمر رضي الله عنهما
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى
رَجُلٍ مِن الْأَنْصَارِ وَهُوَ يَعِظُ أَخَاهُ فِي الْحَيَاءِ, فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((دَعْهُ فَإِنَّ الْحَيَاءَ مِن الْإِيمَانِ))(4).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً, وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِن الْإِيمَانِ))(5).
فوائد الحديث:
1- أن
الحياء خصلة حميدة، اتفقت على استحسانه، والترغيب فيه سائر الشرائع، كما
دلت العقول والفطر على فضله، وحسن عاقبته، فعلى المسلم أن يتصف به،
ويلازمه في سائر أمره، فالحياء خير كله.
2- أن من لا يستحي يرتكب الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا يحجزه عن ذلك
شيء، لأَنَّ الْحَيَاء هُوَ الدَّافِع عَن ارْتِكَاب السُّوء, فَالْحَيَاء
مِن اللَّه يَمْنَع مِن الْقَبَائِح الدِّينِيَّة, وَمِن النَّاس يَمْنَع
مِن الْقَبَائِح الْعَادِيَّة, فَإِذَا فُقِدَ الْحَيَاء لَا يُبَالِي
الْمَرْء بِمَا يَفْعَل.
3-
على المسلم أن ينمي في نفسه هذا الخلق الكريم، بالأخذ بأسبابه، ومنها؛
التعرف على أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم والاقتداء به، وملازمة مجالس
العلم وحلق الذكر، ومصاحبة الأخيار.
الهوامش:
(1) فيض القدير للمناوي، 1/ 43- 44.
(2) أخرجه البخاري في صحيحه، برقم: (6117).
(3) جامع العلوم والحكم، لابن رجب، ص: 379.
(4) صحيح البخاري، برقم:(24)، وصحيح مسلم، برقم:(36).
(5) صحيح البخاري، برقم:(9)، وصحيح مسلم، برقم:(35).
اللهم اغفر لكاتبها وناقلها,وقارئها واهلهم وذريتهم واحشرهم معا سيد المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم
[/center]
[/center]