صاحب المتجر الاعلامي غير صاحب الرسالة الاعلامية: الاول عينه على الفواتير والتزام معدلات الربح والخسارة، والثاني عينه على المهنة كرسالة والتزام قضية الحقيقة ..تلك هي المشكلة.
الاول قد يربح كثيرا من المال لكنه يخسر سمعته، والثاني قد يخسر الكثير من المال لكنه يربح سمعة ثمينة.
لدى التاجر الاعلامي تسعيرة صارمة للمواقف والتعليقات، ومناسيب مالية للمديح والهجاء، انه يمدح بثمن يقبضه من الممدوح، ويهجو بثمن يقبضه من الخصم، فيما لدى الاخلاقي الاعلامي معايير اخرى للمديح والهجاء قد تعرض حياته الى الخطر، ولديه قياسات مفتوحة لاحتياجات الناس والمرحلة والمستقبل، ولديه معايير ضميرية للمواقف .
التاجر الاعلامي لا يعرف التضحية، حتى لو كانت بجزء من وقته، وليس في قاموسه خدمة من دون عائد، اما الاخلاقي الاعلامي فانه مستعد للتضحية، حتى بحياته، ولا يتخلى عن قواعد المهنة وسلامة المعلومة، حتى لو تهدده الجوع والعوز والحرمان.
التجارة الاعلامية تُخضِع الاعتبارات الفنية ومواقع الصورة والمانشيت وحجم العنوان ومفردات التعريف باللاعبين السياسيين والمسافة اليهم لدواعي السوق والرواج والصفقة التي تلغي الخيط الرفيع بين الصدق والكذب، فيما الاخلاقية الاعلامية تتعامل مع جميع هذه المفردات الفنية باعتبارها عناصر ملحقة لوظيفة الاعلام الاساسية المتمثلة بتقديم الحقيقة والمعلومة غير المغشوشة للقارئ.
صاحب المتجر الاعلامي لا يهتم بعقل المتلقي قدر اهتمامه بجيبه، والمتلقي في نهاية الامر فاصلة مهمشة في لعبة السوق، في حين يهتم صاحب الرسالة الاعلامية بوعي المتلقي كونه وحدة اجتماعية فاعلة وجديرة بالاحترام، وهو هدف ومبرر الخدمة الاعلامية.
قد يكون التاجر الاعلامي اكثر انزعاجا وحساسية إزاء الرقابة، لكن حدود الحرية التي يطالب بها هي الحدود التي تسمح بالتاجرة بالمعلومة ودماء الانسان معا، في حين يرفض الاخلاقي الاعلامي الرقابة، ويحض على اشاعة البيئة المفتوحة التي تحرم الغش والتهريج، فهي البيئة التي يعبر فيها عن جدارته وضميره.
في عراقنا الجديد، وعلى مرماه، يتعايش الان شكلان من الاعلام، وربما سيبقيان في حالة تعايش الى فترة طويلة: الاعلام المتاجر، والاعلام الاخلاقي.. الاعلام المساوم، المعروض على قارعة الطريق، المستعد الى بيع نفسه لأول عابر، والاعلام الذي لايساوم، غير المعروض للبيع والايجار، والمعنيّ بايصال المعلومة والحقيقة غير المسعّرة.
الاعلام الباحث عمن يدفع، والاعلام الباحث عمن يفكر.
الاعلام الذي يخاطب الجيب، والاعلام الذي يخاطب الرأس.
الاعلام الذي يقع عرضة لفايروس التهريج، والاعلام المحصن ضد عوارض التهريج.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
..وكلام مفيد
ــــــــــــــــــــــــــــــ
"وحده الساعي الى قيادة الآخرين بحكمة، وجب ان يكون قادرا على الترفع عن الكثير