تعامل الإعلام العربي مع العقل ..

العقل هو أحد جوانب الشخصية الإنسانية باتفاق جميع التعريفات القديمة والحديثة،
ولقد
كرم الله العقل البشري وذكره في كثير من الآيات، قال تعالى { إ ِنَّ فِي
خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ
لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ }

وقد كرمه فلاسفة الإغريق ابتداء
من مدارس ما قبل ( سقراط ) وحتى عصور الفلسفة المزدهرة ووصولا إلى
الفيلسوف ( ديكارت )، ودعوني أن أذكر جملة ( ديكارت ) لما فيها
من دلالة على توحيد الله، قال ديكارت: ( أنا أفكر، إذا أنا موجود، ولا بد لمن أوجدني أن
يكون واجب الوجود، ولا يحتاج لمن يوجده )
{ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوّاً كَبِيراً }
والشاهد في الموضوع قوله: أنا أفكر، والتفكير من أعظم أنشطة العقل وعملياته،
ولكن هذا العقل الكبير وأخص منه العقل العربي يواجه مأزقا رهيبا في تعامله مع وسائل الإعلام
العربية،
فبدلا من تنمية الفكر وإشاعة المعرفة في المجتمع، والظهور بشفافية صادقة،
نجد وسائل الإعلام العربية هي الوحيدة في العالم تمتهن العقل العربي
وتحقره وذلك بتصوير الواقع بشكل مختلف عن حقيقته، تمدح شيئا لا يستحق
المدح فتجعله جميلا، وتذم شيئا جميلا لا يستحق الذم فتجعله قبيحا، تريك
القريب بعيدا وهو قريب، وتريك البعيد قريبا وهو بعيد، وتريك الأشياء
بألوان غير ألوانها، واليكم صور كنماذج تبين مدى احتقار الإعلام للعقل
العربي

الصورة الأولى:
الإعلام العربي كرس نفسه لخدمة شرائح
معينة من المجتمع لها أغراضها الخاصة، بينما بقية المجتمع سخره للركض خلف
لقمة العيش ليل نهار، فنتج من ذلك فئتان من المجتمع،
فئة الأغنياء الذين أودعوا أموالهم خارج أوطانهم، وفئة الفقراء الذين لا يعرفون من الإعلام
إلا تنقلات الأغنياء في البلدان، ومجتمع كهذا، العقل فيه معطل عن التفكير، وها نحن نستهلك
ما يصنعه الآخرون ولن تجد عقولنا مجلا للإبداع

الصورة الثانية
بين
وقت وآخر نرى في وسائل الإعلام العربي أخبارا عن إحالة وزير أو مسئول إلى
التقاعد بناءا على طلبه، وعبارة ( بناءا على طلبه ) من الناحية العقلية
ليس لها أي دليل من الواقع،

الصورة الثالثة:
تشاهد في وسائل الإعلام أن مسئولا ما قد اعتزل الحياة العامة وغادر للإقامة بالخارج بناءا
على رغبته، وبعد ذلك بزمان تكتشف أن خلف هذا الاعتزال قصصا

الصورة الرابعة:
إذا
قرأت مقالا لأحد الكتاب ووجدت أنه يتعاطف مع التوجه الإعلامي ولا يهتم
بمشاكل الناس، تجد وسائل الإعلام تستضيفه في لقاءات على الهواء وتضفي عليه
الكثير من الصفات الحميدة
وإذا وحدت الكاتب يتطرق إلى معاناة الناس،
تجد وسائل الإعلام تتهمه بتغذية العنف والتحريض على الفساد بل وتتهمه بأنه
مسئول عن أحداث الحادي عشر من كل شهر

الصورة الخامسة:
تنتقي وسائل الإعلام مشاكل معينة فتقوم بتغطيتها بشكل تعبوي موجه وفي نفس الوقت
تظلل العقل العربي عن رؤية كثير من المشاكل، والمسألة كلها هي شحن إعلامي يخدم مصالح
معينة
ويؤجج عاطفة الناس حول هذه المشاكل المنتقاة بينما هناك مشاكل لا تقل
أهمية وكان وسائل الإعلام لا تعلم عنها بل ولا تسمح لأي شخص الخوض فيها

الصورة السادسة:
يطالب
المجتمع بتحسين بعض الخدمات المدفوعة الثمن فتتصدى لهم وسائل الإعلام
ونجدها تقول للناس: بدلا من أن تنتقدوا الخدمات أعطونا البديل، يقول
الإعلامي هذا الكلام وهو يعرف
أن من يأتي بالبديل ينتهي به الأمر إلى ما لا تحمد عقباه، إذا على من كان يضحك الإعلامي ؟
بالتأكيد
كان يضحك على العقل العربي وفى نفس الوقت يبكينا على حالنا وعلى ما وصلت
اليه وسائل الاعلام العربيه والحكوميه منها خاصه التى اصبحت لا تبالى
باحترام القارئ او المشاهد او المستمع العربى وكل همها هو تحقيق مصالحها
الشخصيه ومصالح من يدعموها