ازدواجية المعاييركيف تعامل الإعلام العربي مع الحركات الشعبية الراهنة؟ هل أصاب أم أخطأ؟ وأين؟
من الطبيعي
أن ينحاز الإعلام القُطري الرسمي إلى سياسة السلطة القائمة، حيث يشكل في
الأساس جزءاً من منظومة السلطة، وذراعاً ثقافية مهمة في سبيل حماية هذه
السلطة والحفاظ على استقرارها واستمراريتها، ومن المفترض أن ينحاز الإعلام
العربي المستقل، إلى الحقيقة، أن يبحث عنها ويتحقق من موضوعيتها على الأرض.
لكن المتابع
يلحظ انتقال الإعلام المستقل إلى صفوف الإعلام الرسمي، بصرف النظر عن
موقعه، أي أنه انحاز منذ الهتاف الأول مع هذا الطرف أو ذاك، بل أصبحت بعض
الوسائل الإعلامية العربية ناطقة باسم تلك الجهة أو سواها، وبذلك تبنت
ثقافياً وسياسياً موقفاً محدداً واضحاً، بل عملت على تسويقه ونشره بوصفه
الحقيقة والصواب.
لقد تبين
لنا على مدار ثلاثة أشهر تقريباً، أننا لا نمتلك إعلاماً مستقلاً بالمعنى
الذي نعرفه أو نتوقعه، والإعلام المستقل هو إعلام موضوعي، هدفه نشر
المعلومات الصحيحة بعد التثبت منها، وهدفه تقييم ما يحدث، من خلال مجموعة
من المفكرين المختلفين سياسياً وثقافياً، لكي يتاح للمتابع العربي قراءةً
أو مشاهدةً، أن يقف على وجهتي نظر متباينتين، وربما يكون في كليهما بعض
الصواب، وبعض الخطأ أيضاً في الآن عينه.
نتذكر الآن
كيف منعت القوات الأميركية الغازية والمعتدية، أي تغطية إعلامية لعملياتها
في العراق، إلا من خلالها هي، بحيث لا يحصل المواطن الأميركي أولاً على
خبر ما، إلا بعد أن تدقق فيه المؤسسة العسكرية والسياسية نفسها.
وفي هذه
الحركات الشعبية العربية، لم يعد لنا من وسيلة للتحقق من صدق ما يحدث على
الأرض، إلا من خلال وسائل إعلام منحازة كلياً، بحيث تتحول المكالمة
الهاتفية في فضائيات عدة، إلى خبر عاجل.
ثمة ما يعرف
في الإعلام الغربي بفريق التحقق، وهو معني بالتحقيق والبحث في الخبر الذي
يتم الحصول عليه من مصادر عدة، وهذا الفريق يضطر أحياناً إلى السفر إلى
موقع الحدث أو الخبر، للتثبت من صحته، وأحياناً أخرى يقوم هذا الفريق
بالاتصال بمصادر أخرى متباينة، ولا يوافق على نشر الخبر إلا بعد إقراره من
هذه المصادر كلها. أما أن يتحول شاهد العيان «الوهمي» إلى مصدر رئيس
للخبر، فهذا هو مقتل الإعلام الأول، وحين نصف الشاهد بالوهمي، فلأننا لا
نعرفه ولا نعرف مدى صحة ما يقول به، بل إننا غالباً ما توقفنا عند
التناقضات أو المبالغات التي يتشدق بها.
ومن حيث
المبدأ، فإننا نقدر لهذه الوسائل الإعلامية انحيازها للتغيير الثقافي
والاجتماعي في الوطن العربي، ولكننا كنا نتمنى لو أن هذا الموقف ينسحب على
التحركات العربية كلها، وألا يقفز عن حركة هنا أو هناك، ليساند حركة أخرى.
وبمعنى آخر، فإن الإعلام العربي لم يكن موضوعياً أبداً، وهو في أدائه يعكس
الموقف السياسي للسلطة التي ينتمي إليها، ولن نبالغ في اتهامه بازدواجية
المعايير، فلا يجوز التفريق بين حراك وآخر، إلا إذا كنا واثقين من أن
حراكاً ما، ما هو إلا تعبير عن رؤية معادية، الأمر الذي يجعلنا نتشكك
حينها في التحركات كلها. وباختصار، فإن الإعلام العربي، كشف عن فقر في
الرؤية، لأنها رؤية غير موضوعية، ورؤية تنتمي إلى ثقافة رسمية قائمة في
مكان ما.