♣ *الحرية في الإعلام لا تكفيني ♣

الحرية في الإعلام لا تكفيني لكنني أستغل الهامش والمتن أحيانا و'صوت العرب' تغيرت لكنها ما زالت تملك بصمتها الخاصة
المذيع الأديب هشام علوان:



'الخيال' مفتاح السر الذي تسعى الإذاعة من
خلاله للتفوق ووسط هذا الهدير الإعلامي يبدو المذيع المتمسك بالإذاعة لا
يشرك بها، شيئا نادرا وغريبا، من هؤلاء المذيعين المخلصين للإذاعة نجد
'هشام علوان' الذي يعرفه الوسط الأدبي مبدعا مميزا.
أصدر رواية 'واحة
الخصيان' التي فازت بجائزة 'سعاد الصباح' وله رواية 'تحول الكائنات التي
صدرت عن مكتبة الأسرة، ورواية 'المواوية' كما أصدر للاطفال 'خيال ظل
المهرج' و'حكاية طائر النوم'، لكنه كإذاعي بإذاعة عريقة مثل 'صوت العرب'
استطاع أن يبني لنفسه مكانة ومكانا، من خلال برامجه المميزة كمعد ومقدم
لبرامج مثل 'للحقيقة أكثر من وجه'، 'اللقاء المفتوح' 'صباح الخير يا عرب'
'مساحة للشباب' 'في قلب الذاكرة' وغيره من السهرات المميزة، حول الإذاعة
وسنينها كان معه هذا اللقاء:
* بعد ما يزيد عن خمسة وسبعين عاما من
البث الإذاعي، وبعد انتصارات إذاعية خالدة، خاصة 'صوت العرب' التي قادت
ذات يوم التوجه الفكري والسياسي للمواطن العربي، ما الدور المنتظر من
إذاعة كصوت العرب حاليا؟
* أعتقد أن دور 'صوت العرب' اختلف كثيراً عن ذي قبل،
وأصبح أكثر صعوبة وأهمية، نظراً للتحديات التي تواجهنا الآن، لم يعد الأمر
قاصراً على المد القومي أو توجيه حركات التحرر الوطني في العالم العربي
وأفريقيا فحسب وهو ما أسميّه بالدور الكلاسيكي، بل صار لزاماً عليها تقريب
وجهات النظر أثناء الخلافات العربية العربية كما حدث بعد حرب الخليج
الثانية والأخيرة وبعد سقوط بغداد، أو أي صراع عربي أفريقي كما يحدث
أحياناً بين تشاد والسودان أو تشاد وليبيا أو أزمة دارفور وحقيقة ما يجري
هناك أو النزاعات بين الفرقاء والفصائل داخل الوطن الواحد مثل الذي يحدث
بين فتح وحماس، من خلال نقل وعرض الأحداث من مصادرها صوتياً على الهواء أو
بإرسال المراسلين لكافة بلدان الوطن العربي، وإجراء اللقاءات والحوارات مع
المسؤولين من جميع الأطياف السياسية.
الكــــــادر
* أول ما يشغل بال الإذاعيين الآن قدر الاختلاف بين المرئي والمسموع في الأجر والإمكانات. كيف ترى هذه المشكلة ؟
-
مشكلة عويصة، وتعكس تفاوتاً عجيباً في التفريق بين زملاء مهنة واحدة، لهم
نفس الظروف، وعليهم ذات الواجبات، وقد تفاءلنا خيراً بعد تصريح أنس الفقي،
وزير الإعلام في أحد البرامج بأن العام المقبل هو عام الإذاعة، وأتعشم أن
يكون التطوير ليس في الاستوديوهات فحسب، بل أتمنى أن يشمل تغيّراً في
الكادر المالي لصالح الإذاعيين، وهي خطوة أعتقد أن وزير الإعلام سيفي بها
كما وعد، خاصة أن الإذاعيين يعملون في ظروف سيئة للغاية.
* قدمت برنامج ' السر الكبير ' في فترة إذاعية متصلة وتعتبر طويلة نصف ساعة ما المميز في البرنامج وسط هذا الهدير الإعلامي الزاعق؟
*
فكرة البرنامج تعتمد على مجموعة الأسرار التي يحتفظ بها الإنسان خلال
مراحل عمره المختلفة، ويود البوح بها، قد تكون هذه الأسرار كبيرة يخجل
منها الضيف، لكنه حين يفضفض بها للمستمعين، يريح ضميره، ويستشعر بالراحة.
و
لأن البرنامج فكرتي وإعدادي، فإن الأمر استلزم إعداداً خاصاً، لاختيار
نوعية الضيوف والتفتيش في دفاترهم القديمة للخروج بمغزى ما من خلال
استرجاع السر، وتفسيره حالياً،
ولماذا احتفظ به حتى الآن، مع إيماني
الشديد بأن هناك أسراراً لا يمكن لأي شخص البوح بها مهما تقادمت، لأن
بعضها (تضيع فيها رقاب)، واحترمت إنسانية الضيف، ولم أستغل معلومات لدي عن
بعض الضيوف، لتحقيق سبق إعلامي كبعض البرامج الصفراء، بل وثقت في ضيفي،
وتركته على سجيته، يحكي عن آثامه النبيلة وأسراره التي يريد فقط البوح بها
للمستمعين، والحمد لله البرنامج لاقى قبولاً بعد إذاعته، وطالب كثيرون
باستمراره في دورات برامجية أخرى.
الأديب والإذاعي
* أنت أديب أصدرت أعمالا مؤثرة وجميلة، وقد رصدت تجربتك كمذيع في روايتك 'تحول الكائنات': هل أفاد الأديب من الإذاعي والعكس؟
*
الإذاعي استفاد كثيراً من الروائي على المستوى الأدائي، لأنني كأديب مطالب
بالقراءة باستمرار في شتى مناحي الثقافة مما انعكس على أسلوبي وتناولي
للقضايا في برامجي المختلفة، بالإضافة لتعدد روافدي وعلاقاتي الطيبة
والوطيدة مع مصادري، حيث يغلفها الاحترام المتبادل والمحبة والكثير جداً
الصداقة، ومعظم المبدعين، كُتّاباً وفنانين، يلبون دعوتي بالحضور للتسجيل
في الإذاعة دون مقابل.
وأفخر بأني حظيت برفقة الطيب صالح بعد فوزه
بجائزة الرواية العربية، لمدة ساعتين على الهواء، وكان الراحل الكبير
مقلاً في أحاديثه، ورفض أمامي العديد من البرامج وتداخل معنا بهاء طاهر
ومحمد جبريل وجابر عصفور هاتفياً.
أما كوني روائياً فقد تعطلت كثيراً بسبب عملي الإذاعي، وتحضرني نصيحة الراحل الكبير علي الراعي للشاعر فاروق شوشة، قال الراعي لشوشة:
(إياك ومهنة الشواغل اللذيذة)، وهو يقصد الإذاعة، حتى لا تؤثر على إبداعه.
الخيال الإذاعي
* هل تمتلك الإذاعة حاليا قدرات
خبيئة للمنافسة؟ يتعجب المتابع لجودة الأعمال المقدمة في الإذاعة والنجوم
الذين جذبتهم الإذاعة رغم ضعف الأجور والمتابعة.. ما الأسلحة التي تملكها
الإذاعة في الوقت الحالي؟
* تمتلك الإذاعة الخيال، وهو سحر يحفظ لها بقاءها،
وتميمة تقيها شر التنافس غير المتكافئ مقابل خواء معظم الفضائيات،
والمستمع الواعي، الذي نراهـن عليه، يأتي إليـنا ويتواصل معنا، وكذلك
الضيف يجيء للإذاعة فيجد انضباطاً في المواعيد، واحتراماً من الجميع،
ويفاجأ غالباً بالإعداد الجيد البعيد عن التفاهة والإسفاف، والمادة
الإعلامية عالية الجودة، التي تقدمه بشكل لائق للمستمع، وبمضمون يرضى عنه،
فتجعله منحازاً لها، لأنها الأصل والجذور الحقيقية للإعلام المصري، ناهيك
عن رسائل المستمعين، واتصالاتهم التي تثبت أن جمهور الإذاعة في ازدياد،
مما يحفّز النجم أو الضيف على التواصل مع البرامـج ، والدراما الإذاعية ما
زالت تجتذب كبار الفنانين، لما تحققه من جماهيرية، ونسبة استماع عالية،
رغم ضعف الأجور، وضراوة المنافسة.
* قدمت برامج عديدة، وفزت عدة مرات بجوائز : هل قدمت ما تطمح به كإذاعي؟ وما العوائق التي تقف ضد إطلاق طاقاتك كاملة على الهواء؟
*
قدمت برامج خاصة كثيرة عن صوت سيد النقشبندي، البطل عندي هو صوته فقط، وعن
قصيدة 'لا تصالح'، لأمل دنقل، وأغنية 'الأطلال' لأم كلثوم، و'رجال في
الشمس لغسان كنـفاني، وغـيرها من البرامـج الخاصة، وحـاورت الـعديد من
الفنـانين والمثقفين والسياسيين، ولم أقدم بعد كل ما أطمح إليه، وأحلم
ببرامج تقدم راديو واقعي، من خلال معايشة كاملة مع الحدث أو الضيف أو
الموضوع محـل طـرح البرنامج، وأتمنى تقديم كل ما يفيد المتلقي أو يضيف
إليه، وكلمة استحسان من مستمع عادي هي عندي بكل جوائز الدنيا.
أما
العوائق فلدينا حصانة في التعامل معها، والحقيقة أن أي برنامج من ون عوائق
يخرج من دون طعم، ولا يصبح جيداً، إلا حين (تتلعبك) الأمور، وتصبح (ضلمة)،
يخرج البرنامج، كغبشة الصبح، ليعطيك أملاً ما، فالإذاعيون قوم لا يعملون
جيداُ إلا في ظل العوائق، ويجيدون الغزل دائماً برجل الحصان.
* هل
تكفيك الحرية المتاحة لك كمذيع؟ نرى في الشرق الأوسط مذيعين يمثلون
ويغنون، هل يمكن لصوت العرب أن تتخلى عن طابعها الوقور إلى شكل أكثر
عصرية؟
* لا تكفيني أبداً، لأنني أبغي دائماً المزيد، لكنني أستغل كل
هامش الحرية المتاح لي أحسن استــغلال، وأحيـاناً أتـعدى الهـامش والمتن
أيضاً، لكن الأهم هو كيفية الطرح، والحرفية في التناول، دون أن تدع أحداً
يمسك عليك شائبة.
أما بخصوص 'صوت العرب'، فقد تغيّرت في الشكل
والمضمون بما يتوافق مع معطيات العصر دون إخلال بفلسفتها العامة ومضمونها
العروبي، لكنها حافظت على ما يمكن أن نسميه الـ: Basic Tone، أي البصمة
الخاصة بها، فالإذاعات العريقة تستطيع أن تعرفها، حتى دون أن يشير المذيع
لشعار المحطة من خلال بصمتها الخاصة، و'صوت العرب' مميزة، وتستطيع تمييزها
بسهولة وسط مئات المحطات، وهذا يحسب لها.
ألمصدر القدس العربي