فضل التمسك بالسنة واهميته في زمن الفتن والشدائد
عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " نضر الله امرءًا سمع مقالتي فوعاها وحفظها وبلغها فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه "
رواه الترمذي
قال تعالى :
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ
الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ
فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ
وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً } النساء59
قال تعالى : {
وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا
وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)(3)، (فَلاَ
وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ
ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ
وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً } سورة النساء، الآية 65.
تعريف السنة في الشرع :
السنة في الاصطلاح يعرفها أهل الحديث بأنها : كل ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو صفة .
وعند الفقهاء يعنون بها :
ما يقابل الواجب أو الفرض، بمعنى المستحب والمندوب، فهي كل ما فعله الرسول
صلى الله عليه وسلم أو رغّب في فعله لا على سبيل الإلزام ، بل على سبيل
الاستحباب والندب .
منزلتها إذا صحت من حيث السند - أي إذا تيقنا بأن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم - تكون بمنزلة القرآن من حيث الحكم .
السنة النبوية هي : كل ما أثر عن الرسول صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خُلقية أو خَلقية ،
والصدق
فيها يتمثل بالإقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم واتباع سنته واقتفاء
أفعاله وأقواله وجوباً وندباً وانتهاء عن نواهيه حرمة وكراهة والتأدب
بآدابه في جميع ما جاء به من مكارم الأخلاق ومحاسن الخصال في العسر واليسر
والمنشط والمكره والمحنة والنعمة وحال البلاء والرخاء وحال الغضب والرضا .
وهي المصدر الثاني من مصادر التشريع الإسلامي ، وهي الترجمان والشارح للفرائض والأحكام العامة الواردة في كتاب الله تعالى
ومن أجل ذلك لا يمكن الاستغناء عن هذا المصدر لأنه يشكل الشطر الآخر لهذا الدين .
وقد جاء الأمر باتباع الكتاب والسنة والسلف الصالح في حديث العرباض ابن سارية - رضي الله تعالى عنه - قال :
"
وعظنا رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - موعظةً وجلت منها القلوب
، وذرفت منها العيون ، فقلنا : يا رسول الله أوصنا ، قال : أوصيكم بتقوى
الله ، والسمع والطاعة ، وإن ولي عليكم عبدٌ حبشي ، وإنه من يعش منكم فسيرى
اختلافًا كثيرًا ، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي
،عضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدثةٍ بدعة ، وكل
بدعة ضلالة "
رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح.
قال تعالى :"
لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً
مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ
وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ
لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ " (آل عمران:164) .
قال الحسن بن علي رضي الله عنه : " الكتاب القرآن والحكمة والسنة " .
ولذلك فإن كلَّ عمل يُتقرَّبه العبد إلى الله لا يكون مقبولاً عند الله إلاَّ إذا توفَّر فيه شرطان :
أحدهما : تجريد الإخلاص لله وحده، وهو مقتضى شهادة أن لا إله إلاَّ الله.
والثاني : تجريد المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم، وهو مقتضى شهادة أنَّ محمداً رسول الله
قال الفضيل بن عياض : كما في مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية في قوله تعالى : { لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً } أخلصُه وأصوَبُه ،
قال
: فإنَّ العملَ إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يُقبل ، وإذا كان صواباً
ولم يكن خالصاً لم يُقبل ، حتى يكون خالصاً صواباً ، والخالص أن يكون لله ،
والصواب أن يكون على السنَّة .
أقوال الصحابة والسلف الصالح عن أهمية السنة :
- قال ابن عباس رضي الله عنه عند قوله تعالى :{ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ } (آل عمران: من الآية106) .
فأما الذين ابيضت وجوههم فأهل السنة والجماعة وألو العلم وأما الذين اسودت وجوههم فأهل البدع والضلالة .
- وعن ميمون بن مهران عند قوله تعالى :{ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ } (النساء: من الآية59) . قال : ما دام حياً فإذا قبض فإلى سنته .
- وعن حسان بن عطية قال : " كان جبريل عليه الصلاة والسلام ينزل على نبينا صلى الله عليه وسلم بالسنة كما ينزل القرآن عليه يعلمه إياها كما يعلمه القرآن " .
يصدق هذا قوله صلى الله عليه وسلم :" ألا أوتيت الكتاب ومثله معه ".
- قال الحسن البصري رحمه الله : "
ابن آدم لا تغتر بقول من يقول المرء مع من أحب إنه من أحب قوماً اتبع
آثارهم ولن تلحق بالأبرار حتى تتبع آثارهم وتأخذ بهديهم وتقتدي بسنتهم
وتصبح وتمشي وأنت على منهاجهم ..." رحمه الله .
يقول الأوزعي رحمه الله : " ندور مع السنة حيث دارت " .
- قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : " إنا نقتدي ولا نبتدي ونتبع ولا نبتدع ، ولن نضل ما تمسكنا بالأثر " .
- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : " السنة مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق ".
- قال الشاعر :
دين النبـي محمـد أخبـار *** نعم المطيـة للفتـى آثـار
لا تعدلن عن الحديث وأهله *** فالرأي ليل والحديث نهار
ولربما غلط الفتى أثر الهدى *** والشمس بازغة لها أنـوار
وخير أمور الدين ما كان سنة *** وشر الأمور المحدثات البدائع
أهمية التمسك بالسنة النبوية :
1-
أن السنة مصدر من مصادر التشريع لأنها وحي من الله تعالى، وقد قال النبي
صلى الله عليه وسلم: ألا وإني أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا وإني أوتيت
القرآن ومثله معه.. رواه أحمدولذا كان جاحدها ومنكرها كافرا كفرا مخرجا من
الملة.
2- السنة شارحة للقرآن ومبينة له، قال شيخ الإسلام في الواسطية: فالسنة تفسر القرآن وتبينه وتدل عليه وتعبر عنه.
وقال في مجموع الفتاوى: فعليك بالسنة فإنها شارحة للقرآن وموضحة له؛
بل قد قال الإمام أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي :
كل ما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مما فهمه من القرآن. قال الله تعالى:" إِنَّا
أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الكِتَابَ بِالحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ
بِمَا أَرَاكَ اللهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا".وقال تعالى:" وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ".وقال تعالى:"
وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي
اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ."
3- أن النبي صلى الله عليه وسلم حث على التمسك بالسنة ورغب فيها لاسيما وقت الفتن والاختلاف، فقال: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ.. رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه.
4-
أن التمسك بالسنة والحرص عليها -وليس مجرد الادعاء والكلام والعاطفة- هو
الدليل الحقيقي على كمال محبة النبي صلى الله عليه وسلم، فكم من إنسان يدعي
كمال محبة النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخالف سنته صباحا مساء ويرتكب ما
يبغضه النبي صلى الله عليه وسلم ويبغض فاعله، فتجد مثلا بعض الناس يعلق على
سيارته عبارة جميلة كدليل على محبة النبي صلى الله عليه وسلم: كلنا فداك
يا رسول الله.ومع ذلك هو آكل للربا أو عاق لوالديه أو مضيع للصلوات،
ولأمثال هؤلاء يقال :
تعصي النبي وأنت تزعم حبه ****هذا لعمرك في القياس شنيع.
لو كان حبك صادقا لأطعته ****إن المحب لمن يحب مطيع.
5- أن التمسك بالسنة سبب للنجاة وعصمة من الوقوع في الضلال؛ كما قال مالك رحمه الله: السنة كسفينة نوح من ركبها فقد نجا، ومن تخلف عنها غرق.
وقال الإمام الزهري: كان من مضى من علمائنا يقولون: الاعتصام بالسنة نجاة،
وكتب عمر بن عبد العزيز وصية لرجل فقال فيها : فعليك بلزوم السنة فإنها لك بإذن الله عصمة.
6- أن العمل بالسنة سبيل لمحبة الله تعالى للعبد ومغفرته لذنوبه، قال تعالى: "
قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ
وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ " {آل عمران:31}.
عقوبة تارك السنة :
عقوبة من لم يعظم السنة أو استهزاء بشيء منها ، فتعلمون قصة الذي قال له النبي صلى الله عليه وسلم : " كل بيمينك " قال : لا أستطيع .
قال له المصطفى عليه الصلاة والسلام : " لا استطعت ، ما منعه إلاّ الكبر " قال : فما رفعها إلى فيه ".
رواه الطبراني في المعجم الكبير -عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " والذي نفسي بيده لتدخلن الجنة كلكم إلا من أبى وشرد على الله كشراد البعير . قالوا : يا رسول الله ومن يأبى أن يدخل الجنة ؟ قال : من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى ".
واجبنا نحو السنة النبوية :
1 – العمل على نشر السنة النبوية من خلال – الكتب ومجال الانترنت والقنوات الفضائية والمساجد والمجالس الاجتماعية .
2- دراسة السيرة النبوية من جميع جوانبها .
- دراسة شمائلة وأخلاقه عليه الصلاة والسلام .
-
دراسة تعامله مع خالقه وأهل بيته وأسرته .- دراسة تعامله مع الرجال
والنساء ، والكبار والصغار، والضعفاء والأقوياء .- دراسة تعامله مع غير
المسلمين في حالتي السلم والحرب .
3 – العمل بالسنة قولاً وعملاً و التمسك بها والتزامها، علماً واعتقاداً، وعملا وسلوكاً والتحلي بأخلاق أهلها .
فالسنة
النبوية مفسرة ومفصلة لكثير من الفرائض والأحكام الواردة في القرآن بصورة
عامة، كالصلاة والصيام والزكاة والحج وغيرها مما جاءت السنة مفصلة ومبينة
لها .
4 – حفظها وحمايتها من التبديل والتغيير و الاجتهاد في تنقيتها من الكذب وتمييز صحيحها من ضعيفها .
5 – أن تتلقى السنة من مصادرها الأصلية وبتوجيه أهل العلم المختصين بها والموثوقين بهم، لقوله تعالى :
{ فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} (الأنبياء 7) وذلك من أجل أخذ الصحيح منها وترك الضعيف.
نصيحة إلى كل مبتدع تارك للسنة غير متبع :
لنحكم سنة النبي صلى الله عليه وسلم في حياتنا ..
ولا
نتعصب لمذهب مذموم.. أو بدعة محدثة.. أو قول كائن من كان... فالرجال
يُعرفون بالحق وليس الحق يعرف بالرجال؛ فمن الذي تؤمن عليه الفتنة .
يقول
ابن مسعود رضي الله عنه : " ألا لا يقلدن أحدكم دينه رجلاً إن آمن آمن وإن
كفر كفر فإنه لا أسوة في الشر ، ولا يكن قول أحدنا إذا سمع سنة ثبتت عن
المصطفى صلى الله عليه وسلم ما سمعنا بهذا .. وما عرفناه من آبائنا ولا
ذكره أجدادنا ".
قال تعالى :
{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ
نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ
لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ } (البقرة:170) .
إن الدين قد تمّ وكمل { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } (المائدة: من الآية3) .
فمن يأتي ليضيف إليه شيء فكأنما يحدث بلسان حاله فيقول : إن الله أبقى في الدين نقصاً وأريد أن أتممه .
إن
شرعة الله ومنهاجه ليس شركة أو مساهمة يدلي كل فيها بدلوه . ويخرص فيها
بهرائه وافترائه وكذبه . إنها ملة قويمة .. وأصول ثابتة .. وأحكام عادلة .
" ومن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ".
قال الشافعي : " اجمع المسلمون على أن من استبان له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحل له أن يدعها لقول أحد ".انتهى
ولا
يكون حب الرسول صلى اله عليه وسلم مجرد كلمات تقال أو شعارات ترفع فنجد من
يعلق في بيته أو يضع شعارا في جواله عبارة فداك أبي وأمي يا رسول الله ,
ونجده بعيدا تماما عن حسن الاتباع والاقتداء والالتزام بما أمر به الرسول
أو اجتناب ما نهى عنه
إن الدفاع عن السنة والتمسك بها يكون بحسن الاتباع والاقتداء بأثره وهديه صلى الله عليه وسلم
والبعد كل البعد عما نهى عنه وعن الابتداع في دين الله عز وجل أو نسب طرق جديدة من العبادات له دون علم..
وفي الختام أسال الله لي ولكم حسن الاتباع والقبول وأن يتقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال
وأن يحشرنا مع خير الأنام صلى الله عليه وسلم