روى الحافظ ابن الكثير رحمه الله:
(أن
النبي صلى الله عليه وسلم جهز بعثاً لأسامة ابن زيد وأمرهم بالمسير إلى
تخوم البلقاء من أرض الشام حيث قُتِل قادة النبي صلى الله عليه وسلم في
معركة مؤتة، زيد ابن حارثة وجعفر ابن أبي طالب وعبد الله ابن رواحة رضي
الله عنهم وأرضاهم، فخرج بعث أسامة، حتى خيموا خارج المدينة ينتظرون تمام
عددهم وعدتهم،
فمات المصطفى صلى الله عليه وسلم، وخرج المنافقون،
وارتدت بعض قبائل العرب عن الإسلام، ومنع آخرون الزكاة، فاشتد الحال
بالصحابة رضي الله عنهم حتى أشاروا على أبي بكر الصديق أن لا ينفذ جيش
أسامة، وأن يوجهه لقتال المرتدين، والدفاع عن المدينة مأرز الإسلام
والإيمان، فامتنع الصديق رضي الله عنه وأبى إلا أن ينفذ جيش أسامة حيث أمر
رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وقال قولته المشهورة: (والله لا
أحل عقدة عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو أن الطير والسباع
تخطفنا من حول المدينة، ولو أن الكلاب جرت بأرجل أمهات المؤمنين)،
فأمرهم
بالخروج حيث أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فساروا في سبيل الله لا
يمرون على حي من أحياء العرب إلا أرعبوا منهم، وقالوا: ما خرج هؤلاء من
قوم إلا وبهم منعة من شديدة، فقاموا أربعين يوما أو سبعين ثم رجعوا إلى
المدينة سالمين، قد أرهبوا الأعداء وقذفوا في نفوسهم الرعب والخوف من
المسلمين، ...
فكان من بركة تعظيم الصديق رضي الله عنه وأرضاه لأمر
رسول الله وتنفيذه أن تم له ما أراد، وأرهب قبائل العرب المرتدة، فعاد
كثير منهم إلى الإسلام، وأيقنوا أن المصطفى قد ترك وراءه رجالا شجعانا لا
يهابون الموت، ولا يخالفون أمر الله وأمر رسوله، ولا يرضون بالذل والهوان
والرجوع إلى الكفر وعبادة الأوثان).
ويقول ابن القيم رحمه الله:
(كان عمر ابن الخطاب يهم بالأمر ويعزم عليه، فإذا قيل له: لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى عنه وتركه).
وحدث الحميدي أحد أصحاب الإمام الشافعي رحمه الله قال:
كنا عند الشافعي فأتاه رجل فسأله في مسألة فقال: قضى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا،
فقال رجل للشافعي: ما تقول أنت يا أبا عبد الله
فقال:
(سبحان الله تراني في كنيسة تراني في بيعة ترى على وسطي زنارا أقول لك:
قضى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا وتقول: ما تقول أنت).
وجاء رجل إلى الإمام مالك رحمه الله فقال له: من أين أحرم بالحج قال: (من الميقات الذي وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحرم منه)
قال: فإن أحرمت من أبعد منه قال: (أخشى عليك الفتنة)
قال: وأي فتنة في ازدياد الخير
فقال
الإمام مالك: (إن الله تعالى يقول: -( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ
يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ
عَذَابٌ أَلِيمٌ)- [النور/63]
وأي فتنة أعظم من أنك خصصت نفسك بفضل لم يختص به رسول الله صلى الله عليه وسلم).
قال
الإمام أحمد ابن حنبل: أتدري ما الفتنة، الفتنة الشرك لعله إذا رد بعض
قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك), والله أعلم وصلى الله وسلم على
نبينا محمد .
المصدر
المشكاة