السلام عليكمالصحافة العربية بين جاذبية التبعية و ضمير الحقيقة
لن يتهمني أحد بالقسوة في الحكم ان جزمت بعدم وجود
صحافة حرة أو مستقلة في الوطن العربي ، و لن يطالبني أحد بالدليل لان هذا
الامر أصبح بديهيا و المسلمات لا تحتاج الى اثبات ، و لا تخطأ بتصنيف
الصحف العربية في خانة المؤسسات الاعلامية لأن اصحاب المال قد يضحكون
لكلامك ، ان لم يصنفوك في خانة المغفلين .
وريد الاموال و شريان المعلومة
المعلومة أو الخبر أو المقال الذي تقرأه كل صباح في
احدى الصحف يمر بعدة مراحل معقدة قبل أن يصل الى اليك في شكله الاخير ، و
كل مرحلة تتطلب بذلا معنويا و عضليا و ماليا ، من التغطية الصحفية الى
تكاليف المهمة ، الى مصاريف المطبعة الى التوزيع و غيرها من الامور
التقنية ، لذلك فان الصحيفة مطالبة دائما بايجاد موارد مالية حتى تستطيع
العيش في ظل المنافسة الغير شريفة و الحرب الخفية الموجودة بين أصحاب هذه
المؤسسات ، أو بصيغة اخرى في شكل مثال : الصحيفة مثل القلب تحتاج لوريد
الاموال ، كي تنتعش شرايين المعلومة .
الصحف العربية مؤسسات مالية و ليست اعلامية
اذا سلمنا أن الاموال هي وريد الصحيفة ، و ستموت
بانقطاعه ، فاننا نستنتج بسهولة أن الصحف العربية هي مؤسسات مالية و ليست
اعلامية ، لانها قد تضطر لاخفاء الحقيقة أحيانا ، طاعة لسلطان المال ، و
عندما نتحدث عن المال فاننا طبعا نعني الاشخاص المسيطرين على هذه الاموال
بنفوذهم أو بتسلطهم ، و لتقريب الفهم نفترض أن فضيحة مالية حدثت في نادي
عربي معين ، و امتلكت احدى الصحف أدلة دامغة عن الحادث ، و تهيأت لنشرها
في صفحة كاملة بالبينات، و فجأة يرن هاتف مدير الصحيفة ليخبره شخص مجهول
أن كل اتفاقيات الاشهار و الاعلانات ستلغى آليا اذا نشرت الفضيحة ، و
ستتضاعف ان تراجعت الصحيفة عن النشر ، جواب مدير الصحيفة مهما كان
شريفا معروف ..
المال لا يؤثر على الخط الاعلامي و "الحقيقة المصلحية" ليست للبيع
قد يأخذ كل من قرأ المقال لحد الان نظرة سوداء على
الصحافة العربية ، و لكن ربما نعثر بعد حين على نقطة بيضاء وسط هذا
السواد .. كما هو معروف فان كل صحيفة أو مؤسسة اعلامية لها ما يسمى بالخط
الاعلامي ، و هو الاتجاه العام الذي لا يقبل البيع و لا الشراء ، و لا
يخضع للمال أو يستسلم لبطش الرجال ، لان التخلي عن هذا الخط هو انتحار
اعلامي ، فلا توجد أي مؤسسة اعلامية في الوطن العربي مهما بلغت درجة
وقاحتها مستعدة لبيع مبادئها الاعلامية ، فلا يمكن لصحيفة تمجد فريقا
معينا منذ نشأتها ان تنقلب عليه بين عشية و ضحاها ، و لا يمكن لصحيفة تعمل
ضد مصالح فريق معين أن تتراجع عن نشر فضائحه لان الحقيقة هنا مصلحية
بالدرجة الاولى .
الصدق شعار للمناسبات و الضمير الصحفي يعمل بالساعات
كخلاصة أريد ان اقول أن الصحافة في
الوطن العربي ليست بين سندان جاذبية التبعية و مطرقة ضمير الحقيقة ، بل هي
صحافة تابعة لجاذبية المال الذي مازال ينقصه فقط اختراق الخط الاعلامي حتى
يدوس بعض الحقائق التي مازالت تصل المتلقي ، و بصراحة أصبح الصدق
شعارا ترفعه هذه المؤسسات الاعلامية كواجهة تغطي على الاكاذيب و الاخبار
الموجهة ، أما الضمير الصحفي في الوطن العربي فصار موظفا كسولا في عقول
الاعلاميين يعمل ساعات و ينام ساعات و ساعات .