أجاز
جمهور العلماء منهم المالكية صيام النِّصف من شعبان وما بعده، لحديث عمران
بن حصين رضي الله عنه أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: ''يا فلان
أمَا صُمْتَ سَرَرَ هذا الشهر؟ قال الرجل: لا يا رسول الله، قال: فإذا
أفطرتَ فَصُمْ يومين من سَرَرَ شعبان''، وهذا على قول مَن فسّر السَرَرَ
بالوسط.
وذهب الحنابلة إلى كراهية صيام النصف من شعبان لحديث أبي هريرة
أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: ''إذا انتصَفَ شعبان، فلا
تصوموا''، وحرَّمه الشافعية لحديث النّهي عن صيام النصف، قال شهاب الدِّين
الرملي: إنّ المعتمد جواز الصوم إذا انتصف شعبان إن وَصَلَهُ بما قبل نصفه
وإلاّ فَيُحْرَم.
قال العلامة الشوكاني: قال جمهور العلماء: يجوز الصوم
تطوُّعًا بعد النصف من شعبان، وضعّفُوا الحديث الوارد في النّهي عنه. وقد
قال أحمد وابن معين: إنّه منكر.
أمّا حديث أم سلمة ''أنّ النّبيّ صلّى
الله عليه وسلّم لم يكن يصوم من السنة شهرًا تامًا إلاّ شعبان يصِل به
رمضان'' رواه الخمسة (أحمد وأصحاب السنن)، ولفظ ابن ماجه ''كان يصوم شهري
شعبان ورمضان''.
وظاهر الحديث يُبيّن فضيلة الصوم في شعبان على غيره،
بينما كرّه قوم صوم النصف الثاني من شعبان، استدلالاً بحديث أبي هريرة رضي
الله عنه أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: ''إذا دخل النصف من شعبان
فلا تصوموا''، وفي رواية: ''فلا يصومنّ أحد''، وفي رواية: ''إذا دخل النصف
من شعبان فأمسكوا عن الصيام''، وقد ذكر بعض أهل العلم: أنّ معنى هذا
النّهي للمبالغة في الاحتياط لئلاَّ يحتاط لرمضان ما ليس لغيره ويكون هذا
بمعنى نهيه عن أن يتقدّم أحد رمضان بيوم أو يومين''.
وروَت السيّدة
عائشة رضي الله عنها: ''ما رأيتُ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم استكمَل
صيام شهر قط إلاّ شهر رمضان، وما رأيتُه في شهر أكثر منه صيامًا في
شعبان'' رواه البخاري ومسلم. وعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما: قال: قلت:
يا رسول الله، لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان؟ قال: ذلك
شهر يغفل النّاس عنه، بين رجب ورمضان، وهو شهر تُرفع فيه الأعمال إلى ربّ
العالمين، فأحبّ أن يُرفَع عملي وأنا صائم'' رواه أبو داود والنسائي
وصحّحه ابن خزيمة.
وظاهر حديث عائشة رضي الله عنها، فضيلة الصوم في
شعبان على غيره، لذلك كان صلّى الله عليه وسلّم يصوم في شعبان أكثر ممّا
يصوم في غيرها.
[/center]