و السلام على اشرف المرسلين
اما بعد :
أسعد الله أوقاتكم اخواني ..
أهلا وسهلا بكـل أعضاء وزوار ومشرفي منتدانا الغـالي
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله نبينا و حبيبنا محمد أما بعد:
السؤال: هل يجوز الصيام بعد نصف شعبان ؟ لأنني سمعت أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصيام بعد نصف شعبان ؟
الإجابة: الحمد لله
روى أبو داود (3237) والترمذي (738) وابن ماجه (1651) عن أبي هريرة رضي
الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « إذا انتصف شعبان فلا
تصوموا » . صححه الألباني في صحيح الترمذي (590) .
فهذا الحديث يدل على النهي عن الصيام بعد نصف شعبان ، أي ابتداء من اليوم السادس عشر.
غير أنه قد ورد ما يدل على جواز الصيام . فمن ذلك :
ما رواه البخاري (1914) ومسلم (1082) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين
إلا رجل كان يصوم صوما فليصمه »
فهذا يدل على أن الصيام بعد نصف
شعبان جائز لمن كانت له عادة بالصيام ، كرجل اعتاد صوم يوم الاثنين
والخميس ، أو كان يصوم يوما ويفطر يوما . . ونحو ذلك .
وروى البخاري (1970) مسلم (1156) عن عائشة رضي الله عنها قالت : « كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم شعبان كله ، يصوم شعبان إلا قليلا » .
واللفظ لمسلم .
قال النووي :
قولها : « كان يصوم شعبان كله ، كان يصومه إلا قليلا » الثاني تفسير للأول ، وبيان أن قولها "كله" أي غالبه اهـ .
فهذا الحديث يدل على جواز الصيام بعد نصف شعبان ، ولكن لمن وصله بما قبل النصف .
وقد عمل الشافعية بهذه الأحاديث كلها ، فقالوا :
لا يجوز أن يصوم بعد النصف من شعبان إلا لمن كان له عادة ، أو وصله
بما قبل النصف .
هذا هو الأصح عند أكثرهم أن النهي في الحديث للتحريم .
وذهب بعضهم ءكالرويانيء إلى أن النهي للكراهة لا التحريم .
انظر : المجموع (6/399ء400) . وفتح الباري (4/129) .
قال النووي رحمه الله في رياض الصالحين (ص : 412) :
( باب النهي عن تقدم رمضان بصوم بعد نصف شعبان إلا لمن وصله بما قبله أو وافق عادة له بأن كان عادته صوم الاثنين والخميس ) اهـ .
وذهب جمهور العلماء إلى تضعيف حديث النهي عن الصيام بعد نصف شعبان ، وبناء عليه قالوا : لا يكره الصيام بعد نصف شعبان .
قال الحافظ : وقال جمهور العلماء : يجوز الصوم تطوعا بعد النصف من
شعبان وضعفوا الحديث الوارد فيه، وقال أحمد وابن معين إنه منكر اهـ من فتح
الباري . وممن ضعفه كذلك البيهقي والطحاوي .
وذكر ابن قدامة في المغني أن الإمام أحمد قال عن هذا الحديث :
( ليس هو بمحفوظ . وسألنا عنه عبد الرحمن بن مهدي ، فلم يصححه ، ولم
يحدثني به ، وكان يتوقاه . قال أحمد : والعلاء ثقة لا ينكر من حديثه إلا
هذا) اهـ
والعلاء هو العلاء بن عبد الرحمن يروي هذا الحديث عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه .
وقد أجاب ابن القيم رحمه الله في "تهذيب السنن" على من ضعف الحديث ، فقال ما محصله :
إن هذا الحديث صحيح على شرط مسلم ، وإن تفرد العلاء بهذا الحديث لا يعد
قادحا في الحديث لأن العلاء ثقة ، وقد أخرج له مسلم في صحيحه عدة أحاديث
عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه . وكثير من السنن تفرد بها ثقات عن
النبي صلى الله عليه وسلم ، وقبلتها الأمة وعملت بها . . ثم قال :
وأما ظن معارضته بالأحاديث الدالة على صيام شعبان ، فلا معارضة بينهما
، وإن تلك الأحاديث تدل على صوم نصفه مع ما قبله ، وعلى الصوم المعتاد في
النصف الثاني ، وحديث العلاء يدل على المنع من تعمد الصوم بعد النصف ، لا
لعادة ، ولا مضافا إلى ما قبله اهـ
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله عن حديث النهي عن الصيام بعد نصف شعبان فقال :
هو حديث صحيح كما قال الأخ العلامة الشيخ ناصر الدين الألباني ،
والمراد به النهي عن ابتداء الصوم بعد النصف ، أما من صام أكثر الشهر أو
الشهر كله فقد أصاب السنة اهـ مجموع فتاوى الشيخ ابن باز (15/385) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرح رياض الصالحين (3/394) :
وحتى لو صح الحديث فالنهي فيه ليس للتحريم وإنما هو للكراهة فقط ، كما
أخذ بذلك بعض أهل العلم رحمهم الله ، إلا من له عادة بصوم ، فإنه يصوم ولو
بعد نصف شعبان اهـ
وخلاصة الجواب :
أنه ينهى عن الصيام في النصف الثاني من شعبان إما على سبيل الكراهة أو
التحريم ، إلا لمن له عادة بالصيام ، أو وصل الصيام بما قبل النصف . والله
تعالى أعلم .
والحكمة من هذا النهي أن تتابع الصيام قد يضعف عن صيام رمضان .
فإن قيل : وإذا صام من أول الشهر فهو أشد ضعفا !
فالجواب : أن من صام من أول شعبان يكون قد اعتاد على الصيام ، فتقل عليه مشقة الصيام .
قال القاري : والنهي للتنزيه ، رحمة على الأمة أن يضعفوا عن حق القيام
بصيام رمضان على وجه النشاط . وأما من صام شعبان كله فيتعود بالصوم ويزول
عنه الكلفة اهـ
والله أعلم .