علي أسامة (لشهب أسامة) المدير العام
الجنـسية : البلد : الجزائر الجنـــس : المتصفح : الهواية : عدد المساهمات : 26932 التقييم : 0 تاريخ التسجيل : 24/10/2008 العمر : 31 الموقع : https://readwithus.yoo7.com/ المزاج : nice توقيع المنتدى + دعاء :
| موضوع: ثقافة الإعلامي.. بين الثلاثاء 25 سبتمبر - 13:41 | |
| منذ أن درجت ثقافة الإعلام نحو المتلقي ظلت تتنازعها تيارات عدة.. أعلاها هموم العقل وحضور الهوية، وتكريس الوجدان في الانتماء إلى حقب أكثر إشراقاً وبهاء، وأدناها بحثه عن ألق ضوء يستشعر من خلاله وجوده بين مجتمعات قد ترى في اللامع ضالتها، وقد تنفر من مخبر لا يوحي إلا بمزيد من العلاقة المتباينة في المشاعر وصيغ التقبل للطرح المعرفي من خلال أدوات الإعلام وقنواته. فبين هموم العقل وألق الضوء تأتي ثقافة الإعلامي، لتجسد مهابة هذه التجربة وايغالها في الابهام، وصعوبة الفرز لمثل هذه التداخلات والتشابك في صنع هذه المفاهيم التي يقف على حجارتها الإعلامي بجميع تخصصاته، وتوجهاته وفهمه للواقع الثقافي الذي يبني من خلاله شخصيته ويستمد دوره ورسالته وفق هذا المعطى. في استطلاعنا عبر (المجلة الثقافية) اقتصرنا الأمر على ثقافة الإعلامي تحت الأضواء وخلف الميكروفون وأمام الكاميرا في وقت تظل فيه تفريعات هذا الهم متقاطعة في دلالاتها وآلياتها مع طموح الإعلامي في بناء ثقافة مميزة يخدم بها المجتمع، وتثري دوره في هذا المجال الحيوي المهم. هموم العقل وألق الأضواء قد يكون المثال الحي، والشاهد الواضح على التقاء موهبة الإعلامي مع الثقافة والمعرفة هو تجربة الإعلامي الأديب ماجد الشبل الذي عرف عنه توجهه الثقافي وطرحه المعرفي الذي أسهم فيه بالعديد من البرامج والمشاركات الإذاعية الناجحة والمتميزة. فقد عرف عن (الشبل) تعلقه بالأدب والإبداع لا سيما الشعر حينما أعد وقدم العديد من اللقاءات مع عمالقة الفكر والأدب في العالم العربي، فكان أهم اللقاءات مع عميد الأدب العربي طه حسين ومع نخبة أخرى من هؤلاء المفكرين. أمر آخر يسجل للأديب الشبل هو تمكنه من الأداء الشعري الذي عرف وتميز به عن غيره في حسن الإلقاء وسلامة اللفظ. الإعلامي ماجد الشبل ظل وفيا للغة، محافظا عليها من الحيف والضعف والتكلف، فقد برع بشكل مذهل من خلال الاعتناء باللغة العربية الصحيحة حتى أصبح متميزا في هذا المجال، كما انه ومن خلال هذه التجارب المعرفية أصبح أستاذا لامعا تخرج على يديه العديد من الإعلاميين المميزين، فكان هو المثال الحقيقي للإعلامي الأديب. وتأسيساً على هذا السياق المعرفي للإعلامي، ورغبة في بناء جسر جديد من الثقافة التي تعد هي الرابط المعرفي بين الإعلامي والمتلقي ها نحن في هذا الاستطلاع نستضيف إضمامة عابقة بالثقافة والأدب والإعلام ليتحدثوا عن ظاهرة الإعلامي المثقف، حيث جاءت مداخلاتهم منصبة على رؤية الإعلامي لذاته من خلال ما يقدمه، فكانت أولى المداخلات للإعلامي الأديب الأستاذ بدر كريم حينما سألناه عن ثقافة الإعلامي: هل هي تأسيس مبكر أم مكتسبات تتراكم من واقع الممارسة؟ حيث أجاب: هي مزيج من هذا وذاك، تأسيس مبكر تبدو أولوياته في اللحظة التي يدلف فيها الإعلامي أو الإعلامية عتبة المؤسسة الإعلامية (إذاعة، رائي، صحيفة، مجلة) فإذا لم يكن مزودا في تلك اللحظات بالأساسيات، فإنه قل أن يكون فاعلاً ومؤثراً فيمن حوله (السامعين، المشاهدين، القراء) والأساسيات - من وجهة نظري وخبرتي - مهارات متعددة منها: المهارة اللغوية للغة التي تصدر بها وعنها المؤسسة الإعلامية، زائد لغة عالمية (إنجليزية على سبيل المثال)، ثم مهارة الثقافة العامة، فمهارة القراءة، فمهارة المحادثة، فمهارة الفهم، فمهارة الاستيعاب، فمهارة الالقاء، فمهارة الإعداد، فمهارة الشكل (المنظر)، فمهارة الأخلاق، فمهارة التواضع، فمهارة احترام الآخرين.. وكل هذه المهارات أسوقها على سبيل المثال لا الحصر. بالمناسبة شرعتُ منذ مدة في إعداد كتاب عنوانه (المهارات الإعلامية) لم أنته بعد من إكمال فصوله، أرجو أن يرى النور قريباً. يصعب القول إن إعلامياً أو إعلامية يضع قدمه على سُلم المؤسسة الإعلامية وهو خالي الوفاض من ثقافة إعلامية ومعرفة إعلامية مبكرتين، ومن المؤسف ان هذا النمط من الإعلاميين والإعلاميات هو السائد الآن. أعني بعضهم وليس كلهم، تراهم خُشباً مسندة على أعمدة الصحف، وخلف لاقط الصوت (المايكروفون) ووراء الشاشة الفضية التي لم تعد كذلك من سوء ثقافة من يطل (بعضهم وبعضهن) من خلفها، بلا خلفيات ثقافية حتى من أبسط قضايا مجتمعاتهم، بل ان بعضهم وبعضهن يجهل حتى اسم الشارع الذي يقطن فيه. ليس هذا تجنيا على بعضهم أو بعضهن، ومن شاء التأكد فليسمع ما يقولونه، وليشاهد ما يقدمونه، وليقرأ ما يكتبونه.. لقد غابت المتابعة فاتسع الثقب على الراتق. على أنه لا يمكن تجاهل أو إغفال التراكم الثقافي المكتسب، فهو عملية تتميز بالاستمرارية، والديناميكية، وكلما ارتقى الإعلامي أو الإعلامية في السُّلم الإعلامي (لا من حيث الوظيفة) بل من حيث القدرة على مواجهة الثالوثي المهم (المستمع، والقارئ، والمشاهد) أصبح مطالباً بأقصى قدر من الثقافة، التي أحسب أن مفهومها لا يقف عند حد معين، أو كتاب معين، أو علم معين، فالإعلامي والإعلامية - في تعريف البعض - مصلح اجتماعي، ومن تقلد هذه المسؤولية فليكن أهلاً لها، وإلا فليتخل عنها لمن هو أقدر وأكفأ وأعلم. ويضيف مدير البرامج الحوارية والثقافية في التلفزيون السعودي الدكتور محمد العوين إلى حديث الأستاذ بدر كريم حديثا آخر في هذا السياق حيث يقول: بل هو تأسيس مبكر، ومتح من مناهل العلم والمعرفة في سنوات الطلب الاولى، وشغف بالأدب والثقافة والفكر وقضايا السياسة والتاريخ والأعلام والدول والتحولات والتيارات الفلسفية والفكرية، وكل ما يتصل بالحياة والأحياء من هموم وقضايا واعتقادات وأفكار. من لم يكن يسكنه هذا الهم لماذا يكون إعلاميا من حيث المبدأ؟ أليس الإعلام وسيلة تعبيرية عن قضية؟! إذا لم تكن ثمة قضية فلماذا التعبير إذًا؟! كيف لإنسان يتسنم مسؤولية كلمة تكتب أو تُنطق وهو خاو لا يملك شيئاً؟! ماذا يقول؟ وعم يتحدث؟ وبأي لغة يتحدث؟ وما هي رسالته؟ وما هي قضاياه واهتماماته؟!.. المشكلة الرئيسية في الإعلام: الموظفون!! الإعلاميون الموظفون الذين حين لم يجدوا مكانا وظيفيا في وزارة ما أو مؤسسة ما وجدوها في الإعلام كتابة أو إعدادا أو تقديما، ومارسوها كأية وظيفة أخرى دون توافر شروطها الفكرية والفنية، ودون وجود القاعدة الرئيسية التي لا بد لكل إعلامي من أن ينطلق منها وهي: البنية الفكرية العميقة، والذائقة الأدبية العالية. أما ان الإعلامي النابه يكتب مزيداً من المعارف والثقافات والمهارات من خلال عمله حين يتقادم به الزمن وتطول به التجربة فهذا حق، بيد ان هذا الإعلامي لو كان خلواً من المنطلقات الأساسية لم يفده كثيرا ما اكتسبه لأنه سيُعمى عليه فلا يستطيع الفرز الجيد، والاختيار الحسن، والتوجه المناسب، ومعرفة الصواب من الخطأ. إن العمل الإعلامي رسالة فكرية سامية وقضية وطنية رفيعة، وانتماء نخبوي عالٍ، وان ما يقر في الأذهان ويخلد في الذاكرة، ويثير ويُمتع ويشوق ويبقى هو ما كان متسما بشيء من ذلك كله، فمن لم يؤمن بأن له رسالة شريفة في الحياة، ولا قضية وطنية رفيعة، ولا انتماء نخبوياً عالياً إلى ألوان سامية من المعارف والاهتمامات الفكرية والأدبية فلماذا يتصدى لعمل لم يُخلق له ويهيأ لأدائه؟!. ولكن..؟! هل يحتفي المكان الإعلامي نفسه بمن يتوافر فيه شروط الإعلامي المثقف؟! هل يمنحه ما يستحقه من اهتمام وترغيب وتحفيز؟! هذا أيضاً سؤال آخر لا بد من التوقف ملياً عند إجابته. فالذي يتبيّن من واقع التجربة أن الإعلامي المثقف غير محظوظ بما أحب وعشق، بل قد ينقلب عشقه وحبه عليه معاناة وعذابا وتهميشا ومحاصرة ومواجهة مستديمة مع من يفتقر لأبجديات الشروط الآنفة الذكر. وخير ما يكشف سوءة هذا الواقع المخزي نظرة فاحصة متأملة للأماكن الإعلامية التي يعمل فيها مثقفون.. أين موقعهم فيها؟ وماذا يعطون؟ وماذا يأخذون؟ وما نصيب فكرهم وثقافتهم في إثراء مواقعهم؟ ومع من يتعاملون؟ وكيف هو حظهم في (الوظيفة) التي يتسمون بها وهم قد يكونون أكبر بكثير من حجم مسمياتها الهلامية الخادعة؟. لو تبصرنا لوجدنا ان الحقيقة تؤلم أحيانا كمبضع الجراح، ولكن قولها ضرورة، وهي ان المثقف صاحب القضية السامية يقع في غالب الأحيان في دائرة إدارية ضيقة، ويحاصر فيها لئلا يشعر به من حوله! (والباقي عليكم)!. *** الإذاعي المثقف والشاعر البارع عبدالله بن عبدالرحمن الزيد كان له رأي آخر حول ثقافة الإعلامي , حيث قال : ينبغي أولا أن نتفق معا على حقيقة أزلية لايفاصل حولها أحد , ولا يختلف إزائها اثنان ,, وهي أنه من المستحيل ومن غير الممكن ومن غير الوارد أن نتصور إعلاميا دون ثقافة وبخاصة في هذا العصر الذي لم يعد يكتفي ولم يعد يقتنع بوجود ( الموهبة ) الخلقية فقط .. فلا بد أن تكون الموهبة مجللة ومكللة ومترعة من الداخل بثقافة حية ,, ثم هناك شرط جوهري حيوي لايقل أهمية عن جوهرية الموهبة وهو ان تتحول المعلومة الثقافية لدى الاعلامي إلى موهبة متأصلة في ذاته حيث تقل أو تختفي عمليات الاستحضار والمذاكرة الذاتية أثناء ممارسة العمل الإعلامي ووجدانه وعقله وتكوينه كما يتدفق الماء من الينابيع وكما ينبثق الضوء من القناديل.. ولا بد هنا من الاعتراف بأن المسألة ليست سهلة وتتطلب عبقرية من نوع خاص. مع الإيمان التام بما سبق والموافقة المطلقة على تأسيسية الثقافة لدى الإعلامي لا بد من إيمان مرادف لا يتخلف عن المشهد.. إيمان باستمرار الثقافة، والتثقيف، والمثاقفة على شكل مكتسبات متوالية؛ لأن من الصعب أن نتصور توقف الثقافة عند حدود معينة ودون تحولات جوهرية. كل ذلك ونحن لم نتحدث بعد عن (ماهية الثقافة) و(حقيقة المثقف). الإذاعي الأديب عبدالعزيز العيد يرى معطيات ثقافة الإعلامي وآفاقه المعرفية على هذا النحو: أعتقد جازماً أن الهم الثقافي والمعرفي للإعلامي ناشئ عن تأسيس ثقافي مبكر ربما يكتسبه من سنوات دراسته وتتلمذه على أيدي أهل الخبرة في المجال الإعلامي الذين ظلوا يرتبطون ارتباطا وثيقا بالمعرفة إلى جانب كونهم إذاعيين في بدايات عهد الإعلام. فيما يخص تجربتي مررت بمثل هذا الأمر، حيث اكتسبت معارفي من رغبة ملحة لدي بالاطلاع، والتثقف؛ لأنني استشعر ان الثقافة مهمة للإعلامي الذي يسعى الى أن يكون مثالاً متميزا للإعلامي الواعي. فرغم انشغالي وزملائي في هم التقديم أو الإعداد للكثير من البرامج المنوعة إلا انني لم انقطع عن ممارسة الاطلاع بشكل قوي على المشهد الثقافي، والأدبي، حيث أتابع العديد من الاعمال الإبداعية روائية كانت أو شعرية.. وأطلع وأتابع بشكل دائم. الصفحات الأدبية والملاحق الثقافية.. إضافة إلى ما يرد عبر الإنترنت، هذه القناة المعرفية المهمة في حياتنا.. إذ أصبح هو الساحة الثقافية اليوم.. فلو لم يكن هناك الانترنت لما رأيت رواية رجاء الصانع تثير هذا الحضور الكبير. شيء آخر يمكن أن أذكره في هذا السياق هو أن ثقافة الإعلامي بنية ثقافية خاصة، حيث يتماس دائماً مع الثقافة ويتردد فيها حتى وان لم يكن له عطاء مكتوب أو مطبوع.. كما أنني أزعم أن الذين يلتحقون بالعمل الإعلامي وهم مثقفون سيكونون أكثر حضوراً وأقوى تأثيراً في المستمع أو المشاهد على نحو ما نرى لدى الدكتور محمد العوين الذي تخصص في فن القصة بالمملكة العربية السعودية، فهو أكثر الزملاء تماساً مع المشهد الثقافي، فعليه نجد أن الإعلامي المثقف يجني ثمار الثقافة والشهرة معاً. تعلمنا من جيل الرواد في العمل الإعلامي من أمثال بدر كريم، وعبدالرحمن الشبيلي وماجد الشبل.. تعلمنا منهم الكثير كونهم أهل ثقافة عالية اكتسبوها جراء تعاملهم مع المشهد الثقافي والأدبي في مراحله الأولى.. تلك التي تعد قوية قياساً بما نلمسه اليوم، فهم تشربوا الثقافة والمعرفة بشكل جيد.. فمن ارهاصات هذا التباين أننا أصبحنا الآن لا نستطيع ان نضع أي مذيع مع أي مثقف. المذيعة والإعلامية ومديرة الإدارة النسائية نوال بخش عُرض عليها هذا السؤال: هل الثقافة والمعرفة تأسيس مبكر لدى الإعلامي؟ أم ترينها مكتسبات تتراكم من واقع الممارسة؟ حيث تجيب بالآتي: أرى أن ما يثري ثقافة الإعلامي هو حب المعرفة والشغف بالاطلاع والاستماع وممارسة القراءة المنظمة نوعا من الهواية والميل لشغل أوقات الفراغ.. وقد كان ذلك سمة جيل الرواد حيث لم يكن هناك الفضائيات أو الإنترنت حتى قبل ظهور التلفزيون بالأسود والأبيض. دعنا نقول إن ثقافة الإنسان عموماً هي (بناء) إن كان أساسه قوياً صلباً متماسكاً استخدمت له أفضل أنواع المواد.. استطعت أن تبني عليه مزيداً من الأدوار والطبقات دون خوف من الانهيار، بل هذه الإضافة ستجعله بناء شامخاً عالياً متميزا عما سواه.. هكذا هي ثقافة الإنسان عموماً، والإعلامي خصوصاً، عملية تراكمية.. أصلية في طفولته وشبابه ومكتسبة في بقية مراحل عمره وهو يمارس هوايته أو عمله الإعلامي ويقدم للمتلقي خلاصة الفكر والتجارب الإنسانية. في زمن الرواد كان معيار الجودة النوعية للثقافة المقدمة للمتلقي عاليا جداً لا يختار منها إلا (الزبدة) أو لنقل الثقافة الأنقى والمستوى الأرقى. وبهذا تميز الرواد من الإعلاميين بثقافة واسعة وغزيرة ومعرفة شاملة للحياة الإنسانية مستندة إلى موهبة حقيقية، وكان معظم الأوائل هواة عشقوا الإعلام ولم يدرسوه في الجامعات أكاديمياً، وأسسوا لثقافتهم بجهود شخصية فجاء عطاؤهم قوياً بالموهبة مصقولاً بالعلم والمعرفة.. لم يكن الإعلام في زمن مضى وجهاً جميلاً أو صوتاً منغماً.. اليوم أرى الموهبة الأصلية نادرة وظهرت الشهادات لتخصيصه في الإعلام وللأسف أصبح بعض الإعلاميين إما مجرد موظف أو شخصية جوفاء هاوية للشهرة يسندها الشكل والمظهر (رجلاً كان أم امرأة) تساعده الفضائيات للظهور السريع بصرف النظر عن ثقافته وغالباً ما تكون سطحية ضحلة، وهي نتاج ثقافة اليوم (كالوجبات السريعة) وهذا ما يقدم اليوم للمتلقين من واقع ممارستهم. الشاعر والإعلامي محمد عابس يرى ثقافة الإعلامي وحضوره على هذا النحو: الثقافة عملية إنسانية بالغة التعقيد تتشكل مع الإنسان بدوافع ورغبات ذاتية غير مرتبطة في الغالب بالمؤثرات الخارجية، وان كان لها تأثير معين عليها كالبيئة والمحيطين العام والخاص. ولا يمكن القول إن لعمل أو وظيفة معينة تأثيراً قد يصنع من هذا أو ذاك مثقفاً، وان كانت الثقافة ينبغي ان تكون صناعة وعملاً مؤسسياً كنشاطات وبرامج ونحو ذلك. ولعلي أصدقك القول بأنني كنت أكثر نشاطاً إبداعياً قبل عملي في وزارة الثقافة والإعلام، حيث كان التحاقي بها بعد عملي عدة سنوات في الصحافة والتعليم وأصدرت ديواني الأول وشاركت في العديد من المهرجانات والنشاطات داخل وخارج المملكة، ما يعني أنني التحقت بالوزارة جاهز التكوين إن صح التعبير. وإذا ما عدنا إلى علاقة الوظيفة بكوني شاعراً أو مثقفاً فالوظيفة تظل مصدر رزق أياً كانت، ولا شك أن تأثيراتها السلبية تطغى على أي إيجابية مزعومة، والحق أقول إن العمل في أي جهة إعلامية أو ثقافية بقدر ما يستهلك المبدع فهو يحمله أيضاً مسؤوليات مضاعفة؛ لأنه في الصورة والمطلوب منه ربما يكون أكبر من الإمكانات المتاحة فيعيش في مجموعة من الصراعات التي يكون الإبداع هو الضحية الأولى فيها. وإذا كان التشاؤم ملحوظاً في ثنايا إجاباتي، فإنا بطبيعتي الشخصية متفائل دائماً وأتمنى ألا أكون مخطئاً في ذلك. ونقطة مهمة لا بد من الوقوف أمامها، وهي أن عمل المبدعين والمثقفين في القطاعات الثقافية والإعلامية أجدى كثيراً من قيام مجرد موظفين لا يعنيهم الأمر كثيراً سوى مهام الوظيفة التي يتقاضون مرتباتها. الثقافة عمل جماعي ومؤسسي لا يمكن أن يقوم به بنجاح وفاعلية إلا من يكون محترقاً بنارها وتهمه أولاً وأخيراً، ولكن لا بد من تهيئة الظروف والمناخ المناسب ليقوموا بمهامهم بعيداً عن البيروقراطية الإدارية التي تكبل العمل عندنا كثيراً. أما عن تجربتي في الوزارة فلعلي أزعم أنها كانت متميزة بشهادة المتابعين ولا أزكي نفسي ولكنني قدمت خلال فترة قصيرة ما لم يقدمه الكثيرون خلال عشرات السنوات إعداداً وتقديماً وكتابة في عدد من المجلات الإذاعية والتلفزيونية إلى جانب اهتماماتي الشعرية وكتابة الأغنية والسيناريو والحوار. وأتمنى مستقبلاً أن أجد مؤسسة ثقافية وإعلامية لديها القدرة على تبني أفكاري المختلفة ثقافياً وفنياً وإعلامياً سواء من الناحية المادية أو المعنوية، فالقطاع الخاص هو المؤهل في الفترة الحالية لهذه المهام بشكل ناجح. مع شكري لكم لإتاحة الفرصة للحديث حول هذه النقاط. الأديبة والإعلامية مريم الغامدي ترى الأمر هكذا: دعنا في البداية نقول إن الإعلامي يولد موهوباً بالفطرة، ولديه استعداد فطري لممارسة العمل الإعلامي منذ طفولته، وتراه منذ سنواته الأولى في المدرسة يتصدر زملاءه الطلبة في الإذاعة المدرسية وفي صحيفة الحائط ويختار لذلك المواضيع المتميزة التي لا يتطرق إليها معظم زملائه في الفصل، ونجده متفوقاً في المواضيع التي تتطلب الحوار والمناقشة وغالباً ما تأتي أسئلة مفاجئة ومستفزة، هذه البذرة إن وجدت من يرعاها ويتعهدها بالتوجيه والإرشاد والتثقيف من الأسرة وهيئة التدريس ستشق طريقها مسلحة بالثقافة الإعلامية الشاملة. بالتأكيد المكتسبات التراكمية من واقع الممارسة لها تأثير كبير لمن قدر له أن يصبح إعلامياً شرط أن يكون موهوباً بالفطرة، فهذه المكتسبات تعمق معارفه وثقافاته وتلبي احتياجاته الإعلامية. بعض الإعلاميين في زمن الفضائيات يبدع في مجال واحد وهو مجال تخصصه العلمي، والحقل الذي حصل فيه على شهاداته الجامعية، أي أن ثقافته متخصصة إن جاز لنا التعبير، وليس لديه القدرة لإدارة الحوار سوى مع من هم في مجال تخصصه، وهو يعلم علم اليقين أنه سينكشف أمره لو فكر في توسيع مجال الحوارات غير المتخصصة لو تطرق إليها، أما الإعلامي الموهوب بالفطرة يبدع في أي موضوع يطلب وبتلقائية وعفوية لأنه يتمتع بالثقافة الشاملة التي يصقل بها موهبته الإعلامية، ويمكنك أن تلحظ مقدرته وتمكنه وقوته الإعلامية من خلال المحاور التي يناقشها، وأحياناً يتفوق فيها على من يحاور من الضيوف في مجال تخصصهم | |
|