الحوار المقطوع..
يوسف الكويليت
من كثرة تعدد كلمة «حوار» أصبحت شعاراً ناقص التفعيل، أو كلمة لا
ترقى إلى معناها الصحيح، فقد تحاربت دول كبيرة، ومع تعادل القوة، وعدم فرض
شروط المنتصر على المهزوم، كان الحوار هو النتيجة الطبيعية التي حلت
الإشكالات، وفي عصر الحرب الباردة بين الأطلسي والاتحاد السوفيتي، وخشية
الانزلاق إلى حرب نووية نتيجة أي تقديرات خاطئة أُنشأ الخط الساخن حتى لا
تفاجئ أي دولة الأخرى بضربة استباقية، والتشاور على أي أزمة حادة في محيط
الحلفين رغم الخلافات الحادة بينهما، لتلافي أي أزمة خطيرة..
عربياً
لم نقبل هذا الفكر الناضج، فالدولة الكبرى، ترى فيما دونها فرضية الخضوع
لآرائها وأفكارها، والصغرى تأخذ بأي حوار أنه مريب خلفه أطماع من شقيقتها
الكبرى، وإذا كان هذا السلوك يجري بين الدول فالمنظمات والجمعيات التي
تلتقي بعناصر متخصصة وواعية تجد الأوامر التي تحملها في أي حوار، نفس فكر
الدولة وتعليماتها مما أسقط الكثير من الأفكار البناءة لو وجدت التفاهم
الصحيح على المصالح بصرف النظر عن عقدة السياسة والتي أفسدت كل طريق
للالتقاء على الروابط المشتركة..
وإذا كانت أمة كبرى تختلف دولها،
وتشعلها حرباً إعلامية على مسابقات رياضية وتذهب إلى سحب السفراء
والمقاطعة، وإبراز السلبيات عند كل دولة، فإننا أصبحنا ننظر إلى أي قمة،
أو مجلس وزاري، أن اللقاءات تجري بروح المجاملة، لا بناء عقد تفاهم على
سنّ استراتيجيات اقتصادية وأمنية وسياسية، حتى أن حسم الأمور لا يأتي
بالتراضي والتنازلات، وإنما باستخدام أسلوب الضغط، أو استخدام القوة، كما
جرى في الحروب الأهلية، وغزو بلد لآخر كما حدث للكويت مع صدام حسين وشبه
احتلال لبنان من قبل سوريا..
هل نحن أمة انفعالية تضيق بمنطق
العقل والتوازن النفسي، وهل ما يجري نزعة اقليمية، أو فوقية بحيث ساد
الخلاف حتى على أبسط المعاملات التي لا تحتاج إلى خلق تصورات مسبقة تذهب
إلى الشك والريبة بدواعي أن هذا الطرف يتكلم بلسان الغرب ورسول له ولا
يحمل بذاته نزعته المستقلة، وكذلك الآخر الذي يجد أن المقابل يريد إلغاء
دوره بنزعه دوره المزعوم..
في كل الدول العربية، هناك انقسامات
داخلية هددت وحدتها الوطنية وعلى قاعدة من لا يكون معي، فهو ضدي، كشفت عمق
الخلافات بين أصحاب الديانة الواحدة عندما أصبحت المنظمات المستحدثة أو
القديمة، هي من تفتي بعداء ذلك التيار والمذهب، ولا تنسى الأقليات الدينية
الأخرى، واليسار واليمين، رغم غيابهما بالتأثير على الساحة العربية، فهي
تجدد تباعدهما عن بعضهما في أي مناسبة..
على مستوى الدول، ليس
الرابط بينها وحدة المصير، فباستثناء الحروب مع إسرائيل، فإن احتلال لبنان
والكويت والعراق، بدلاً من توحد الصف كشفت عري المواقف العربية، وحتى
القمم رسخت مفاهيم التحالفات، والتضاد، فحدثت المحاور والتي غالباً ما
تتقاطع لأي سبب، وحالياً هناك ثلاث قوى إقليمية تحاصر هذه الأمة إيران
وتركيا وإسرائيل فهل رأينا الجامعة العربية تدعو لقمة تأخذ بالمخاطر
والنتائج على مستقبل هذه الأمة أم أنها لا ترى جدوى حشد دول هي على خلاف
دائم ويستحيل أن تحل قضاياها بالحوار؟!