التسول.. البعد الأمني والحضاري

التسول.. البعد الأمني والحضاري


د.هيا عبد العزيز المنيع


لم تعد مشكلة التسول قاصرة على شهر رمضان المبارك؛ وان كانت تتزايد
فيه بشكل يفوق المعتاد.. التسول مشكلة تشوة الوجه الحضاري للبلاد خاصة
واننا دولة غنية وبالتالي يفترض عدم وجود فقراء الى حد اهانة النفس عبر
التسول، هذا من جانب، ومن جانب آخر نحن مجتمع مسلم ونسبة الاثرياء فيه
عالية وفق مقاييس عالمية مما يعني معه ايضا ان زكوات هؤلاء الاثرياء تغطي
فجوات النقص في حال قصور الاداء الحكومي تجاه هؤلاء المحتاجين.. وفي
الاطار العام لثقافتنا الاسلامية نجد ديننا يؤكد على قيمة التعفف وقيمة
الكرامة واليد العليا خير من اليد السفلى..

وفي قراءة سريعة لنوعية هؤلاء المتسولين نجد انهم نساء يحملن أطفالا
صغارا مما يعني انها على ذمة رجل يفترض به تحمل مسؤولية نفقتها وابنائها..
او أطفال في سن المدرسة وايضا هم مسؤولية آبائهم وشباب في عز طاقة العمل
والانتاج مما يفترض معه ان يكونوا مصدر عطاء لا اخذ خاصة وانهم في كامل
عافيتهم..

وفي اطار تنقلاتهم بين طرقات الرياض واشارات المرور والاسواق التجارية
ومثله في المدن الكبرى نجد ان الكثير منا يعطيهم وخاصة الصغار والنساء
وتزداد حالة العطف عليهم في شهر رمضان الكريم..

المؤكد انني مع حالة التكاتف الاجتماعي ومع كل اشكال العطف الانساني
ولكن لست مع اتساع حالة التسول تلك، بل ان مخاطرها تتزايد ولابد من
مواجهتها بقوة؛ بتكامل بين المؤسسة الرسمية ممثلة في مكاتب مكافحة التسول
والمواطن بالاضافة للجهات الامنية المختصة خاصة وان اغلبهم كما تؤكد
الاحصائيات غير سعوديين واقامتهم غير نظامية حيث تم تهريبهم عبر الحدود او
تخلفوا بعد ادائهم الحج او العمرة.. مما يعني انهم مخالفون لقوانين
الاقامة ويقعون تحت طائلة القانون..

مخاطر هؤلاء لا تقف عند تشويه وجهنا الحضاري بل الشواهد تؤكد انهم جزء
من بعض الجرائم، فيتم استخدامهم لترويج المخدرات ويمكن ان يكونوا وسطاء
لتنظيم بعض الجرائم، غير ان الصغار منهم يسهل استغلالهم لجرائم سلوكية
واخلاقية خاصة وانهم في حالة انكسار وبؤس واضحين فعمق الحاجة والضغط تخلق
منهم مشروع مجرم في الغالب..

أتوقع ان مسؤولية الجهات الرسمية لا تقف عند حدود حملات مؤقته او
متقطعة بين فترة واخرى بل اكثر من ذلك لابد من حملات تطهير مستمرة وتوعية
المواطن والمقيم بمخاطر هؤلاء والتأكيد على عدم استحقاقهم وان مخاطرهم
متنوعة وقد تصيب اي واحد منا، واعتقد ان اي مواطن لن يمد لهم يده كرما لو
رأى صورتهم وهم يروجون لمخدر فأنا على ثقة انه لن يمد يده لهم رحمة
وعطفا.. لو ادرك المواطن خطرهم الامني والاخلاقي على وطنه ومجتمعه واسرته
فأنا على ثقة انه سيشارك في بتر تلك المشكلة من جذورها ولكن الاكتفاء
بملاحقة متقطعة او مبادرات مؤقته لن يحل المشكلة وستصبح أخطر مع تزايد
اعدادهم خاصة وان اغلبهم أطفال وشباب بالاضافة للنساء.. هذا بالنسبة لغير
السعوديين، اما المواطنون ففي ثبوت حاجتهم فإن وزارة الشؤون الاجتماعية
ملزمة بمعالجة اوضاعهم بما يليق بهم كمواطنين في دولة غنية وان كان تسولهم
ضعفا وعدم حاجة فعلية فلابد من معاقبتهم لانهم يهدرون كرامتهم وكرامة
ابنائهم وهم ابناء الوطن ولهم حق الاكرام.. بتحقيق كفايتهم ورفض تسولهم..