لا يمكن الحديث عن محاربة الفساد دون وجود صحافة حرة،حيث إن تمتع وسائل الإعلام بحرية التعبير يمكنها من المشاركة بفاعلية في عملية
المحاسبة
والمساءلة ونشر الشفافية وتمثيل مصالح المواطنين والدفاع عنها،إضافة إلى
فضح حالات الفساد التي تهدد مصير أبناء المجتمع ومستقبل
التنمية في بلدانهم.
وما
زال سؤال ملكية وسائل الإعلام في العالم العربي مفتوحاً دون إجابة
نهائية،ففي اغلب هذه البلدان تفرض الدولة احتكارا كاملا على الوسائل
المسموعة
والمرئية،بينما يبدو الأمر اقل تقييدا بالنسبة للصحافة المكتوبة،ولكن هذه
السلطة إذا لم تكن تملك الصحف أو وسائل الإعلام الأخرى
عمليا فهي تملكها لأشخاص أو جهات مقربة منها،وفي حال ظهور وسيلة إعلامية خاصة تحاول توسيع هامش استقلاليتها فهي تلاقي أنواعا مختلفة
من التضييق الحكومي،علماً أنه تم تسجيل ظهور واختفاء صحف كثيرة من هذا النوع خلال السنوات الأخيرة في عالمنا العربي.
وفي
كثير من البلدان العربية تعمل الدولة على احتكار الإعلام والحد من حرية
الصحافة ودورها في غرس قيم الثقافة المدنية وتطورها للمساهمة في
تكوين
رأي عام مقاوم للفساد.والصحافة تعد من المفردات المهمة في عملية المراقبة
،حيث يمكن لبعض وسائل الإعلام العربية إن تصبح من الآليات
المهمة
للمشاركة الشعبية والنزاهة والمساءلة وتمثيل مصالح الناس،كما يمكنها جمع
المعلومات ورصد الانتهاكات المتعلقة بالفساد في قضايا بعينها.
ولا يمكن تصور الوصول إلى إعلام حر في عالمنا العربي من دون دعم من قوى المجتمع المدني،لذا ينبغي حفز القوى على خوض معركة الإعلام
لما
فيه من خير لصالح الجميع.فالمجتمع المدني القائم على أسس ديمقراطية نزيهة
وفاعلة لتطوير المجتمع هو الحليف الأول للإعلام الحر،وهو الذي
يجب إن يزرع الجرأة عند الصحفيين للمواجهة،وان يقوم بدور الدفاع عن هؤلاء الذين يتعرضون للقمع،وان يتبنى حملات لتغيير القوانين المقيدة
للحريات الصحافية،وهو اقدر،بحكم مصلحته واتساعه،على توظيف وسائل الإعلام في معركة مواجهة الفساد.
وعندما
نتحدث عن الإعلام ودوره في مواجهة الفساد،يستلزم الأمر منا التطرق إلى
الإعلام البديل أو المتعارف عليه "بشبكة الانترنت" حيث انه
بفضل
هذه الوسيلة الإعلامية أصبحت قوى فقيرة مالياً،ولكنها فاعلة اجتماعيا
وناشطة في الشأن العام ،إن تصل إلى مئات الآلاف ،وقد يزيد، من
القراء وطرح مواقفها بسهولة ويسر.
ويمكن
إطلاق لقب "إعلام الفقراء" على هذه الوسيلة التي رغم توظيفها من قبل
الفئات الضعيفة مالياً إلا إن استعمالها لا يزال محدودا على مستوى
الجهات
المعنية بمحاربة الفساد،مع التنويه هنا إلى إن الحكومات العربية تنبهت
لذلك مبكرا وتعاملت مع هذه الأداة الإعلامية للترويج لسياساتها.لذلك
يتوجب
على مؤسسات المجتمع المدني الفاعلة في محاربة الفساد تشجيع الإعلاميين
،واتخاذ "الانترنت" وسيلة أساسية في المواجهة،وحث الجمهور
على التفاعل معها،فهي(أي الانترنت) شبكة يتاح الوصول إليها دون تراخيص مسبقة،وبتكلفة مالية بسيطة.
وفي
هذا الإطار نود ذكر بعض النقاط الهامة (والتي أكدت عليها منظمة الشفافية
العربية)كصيغة مرضية لصحافة عربية تواجه الفساد.هذه النقاط
تتمثل في:
1.القيام
بعملية مراجعة شاملة للقوانين المختلفة المتعلقة بتقييد الحريات،وإلغاء
قوانين المطبوعات المقيدة للحريات،وتبني حملات وطنية لإقرار
قانون حرية الوصول إلى المعلومات.
2.حملات توعية للمجتمع المدني بضرورة حرية الصحافة،وبالتالي خوض معركتها،لكونهما يمثلان حلفاً واحداً.
3. حث القطاع الخاص على اصدرا الصحف لكونها خط دفاع مهماً ضد الفساد الذي يشوه العملية الاقتصادية ويوجهها نحو الاحتكار،والربح غير
المشروع في كثير من الأحيان.
4. فك الارتباط بين الصحافة والحكومات بتضمين القوانين المدنية مواد تمنع الحكومات من التملك في الصحافة.
5.الحث على تأسيس نقابات وتجمعات تدافع عن الصحفيين وتقوم بالتعاون المشترك بين النقابات العربية والأجنبية في هذا الأمر.
6. الترويج للصحافة الاستقصائية بوصفها الأهم في فضح قضايا الفساد في المجتمع.
7.إقرار قوانين تشجع المنافسة وتمنع الاحتكار في السوق الإعلامية.
8.العمل
على إقناع المؤسسات الصحافية بتخصيص صفحات لمتابعة قضايا الفساد،وحث
مؤسسات المجتمع المدني والقطاع الخاص على دعم صحف متخصصة في محاربة الفساد.
9. تخصيص جوائز سنوية لأحسن موضوعات عن محاربة الفساد،أو لأشخاص يحاربون الفساد،ويتفرغون لمواجهة هذا الوباء الذي يفكك المجتمع
ويسبب نتائج مريعة لكافة مجالاته وقطاعاته.
10. تشجيع عقد دورات لتدريب الصحافيين على الصحافة الاستقصائية المتخصصة وسبل كشف قضايا الفساد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*منقول*