النصيحة..

بسم الله الرّحمن الرّحيم


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إن الحمد لله نحمده ونستعين به ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له




عباد الله.. المسلم همه في هذه الدنيا أن يكمل دينه ويحفظه من مضعفاته ونواقضه .

ليقينه التام بأن سعادته في الدنيا و نجاته في الآخرة بهذا الدين ، وعلى قدره في قلبه يكون قدره عند ربه .

ومما يؤسف عليه أن أكثر الناس في هذه الأزمنة انشغلوا بتكميل دنياهم والسعي لأن يأخذوا منها بحظ وافر ،

ولكنهم لا يهتمون حينما ينقص شئ من دينهم كما قال الشاعر واعظًا عمر بن عبد العزيز:

مالي أرى الناس والدنيا مولية وكل حبل عليها سوف ينبتر

لايشعرون بما في دينهم نقصوا جهلاً وإن نقصت دنياهم شعروا

ومن الواجبات الشرعية التي تؤثر على دين المرء حينما تفقد في حياته وهي من المعاني الغائبة في واقعنا المعاصر إلا من فئة قليلة .

واجب شرعي من أهميته ومكانته ساقه النبي صلى الله عليه وسلم بأسلوب يفيد الحصر والقصر عند علماء اللغة

إنه واجب النصيحة وما أدراك ما النصيحة .



هذا المعنى النبيل الذي يحفظ على الأمة قوتها وتماسكها ويدفع عنها سخط ربها وخالقها

النصيحة التي هي صمام أمان الأمة وبرهان عبوديتها ، وحامية المجتمعات من انهيار قيمها ومبادئها .

يقول النبي صلى الله عليه وسلم " الدين النصيحة " فحصر الدين كله في النصيحة ،

فحظ المسلم من الدين على قدر حظه من النصيحة .

ومن أهميتها ومكانتها في الإسلام أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل من بنود المبايعة الناصح لكل مسلم

يقول جرير بن عبدالله البجلي : بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة والنصح لكل مسلم "

ومن المستقر في أذهان العقلاء أن من دلائل صدق الانتماء أن تبذل النصيحة وتدافع عن كل كيان تنتمي إليه

وان تساهم في المحافظة عليه وحمايته من كل ما يؤثر عليه .

فانتماؤك لقبيلتك وأسرتك يستوجب عليك أن تحمي شرفها ومكانتها وأن تقاضي من يقلل من شانها أو يقدح فيها .

وانتماؤك لوطنك يستوجب عليك أن تحميه من أسباب الفساد التي يراد بها سقوط كيانه

وأن ترفض كل فكر منحرف من شأنه سلب أمنه وخيراته .

وهذا لا ينكره عاقل .

إلا أنه عباد الله .. بلغت النصيحة للأنساب والأوطان أوجها مع أهميتها وأصبح المتحدث بها مخلصاً في انتمائه وانتسابه

أما النصيحة للدين فأهلها محاربون منتقصون وكأنهم مصدر قلق وإزعاج

ونحن لانقلل من شان حب النسب والوطن لكننا نعيب على أنفسنا تقصيرنا في صدق النصيحة في ديننا

وكأن المسألة عند كثير من الناس مسائل شخصية

أين الناصحون الذين يبذلون النصيحة لأبنائهم وجيرانهم وأقاربهم ويساهمون في حماية مجتمعهم من الذنوب والمعاصي .

عباد الله .. ليس هناك أخطر على الإنسان من الذنوب والمعاصي ويزداد خطرها حينما تكون أمرا ً عادياً في حياته ،

وأخطر من ذلك حينما يعاب على من يحذر منها ومن عواقبها ويكون الناصح مذنباَ ، والمذنب عاقلاً .



ألم يخبر الله سبحانه وتعالى انه اهلك أمما بسبب ذنوبهم . فقال " فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ "

1 – ألم يقل الله تعالى " أَلَمْ
يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِي
الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاء

عَلَيْهِم
مِّدْرَارًا وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ
فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَنشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْنًا
آخَرِينَ " (الأنعام آية:6).

2 - ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم " إياكم ومحقرات الذنوب فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه " رواه أحمد.

هذا شيء من النصوص الشرعية التي تبين خطورة الذنوب والمعاصي حتى نعرف حجم التقصير

في بذل النصح والسعي لإنقاذ من حولنا من العذاب .



عباد الله.. ليس بيننا وبين الله حسب ولانسب ، إنما هو الإيمان والتقوى فاولياء الله الذين لاخوف عليهم

ولا هم يحزنون إنما هم الذين آمنوا وكانوا يتقون أي يتقون الذنوب والمعاصي وما يسخط الله .

فأماننا الوحيد من العذاب هو الإيمان والتقوى وإلا سيحل بنا ما حل بالأمم قبلنا .

ولن يدفع هذا العذاب إلا بتقوى الله في أنفسنا وبالنصيحة لغيرنا .



فتش في من حولك ستجد أن هناك من ألف تضييع الصلوات والسهر على القنوات التي تعرض النساء الكاسيات العاريات .

وهناك من يمارس الفواحش ويشرب الخمور في كل إجازة يتمتع بها .

وبعض الشباب يفتخر بعلاقاته الواسعة مع الفتيات ويظن أنه فارس الفرسان وما علم أنه ضحية من ضحايا الشيطان ؟

وقل مثل ذلك ماهو منتشر في بيوت المسلمين من جلب للقنوات الهابطة التي يستحي الرجل العاقل أن ينظر إليها فكيف بالنساء والصبيان

ومنا من يعرف من يأكل الرشوة أويتعاطى المخدرات أوينشر الصور الخليعة الماجنة

وقل مثل هذا فيمن ضيع الأمانة فقل ناصحوه إما كسباً لجاهه أو طمعاً في ماله .

ونتائج هذا كله انتشار الفساد في المجتمع وصعوبة القضاء عليه لأن الشئ إذا انتشر يصعب القضاء عليه أكثر مما لو كان في بدايته

ومن أدلة ذلك
ما حصل في مهرجان قريب حينما غاب الرقيب اختلط النساء بالرجال وبانت معادن
الرجال ودخن النفوس ومرض القلوب وحصل من المنكرات ما يندى لها الجبين

وانكشف حال كثير من الرجال الذي اظهر الله خبئة في نفوسهم حينما اختلط الحابل بالنابل

كما قال الشاعر : ستعلم حين ينجلي الغبار أفرس تحتك أم حمار

كل هذا بشهادة الإعلام الذي كان يهون من شأن الاختلاط ويرى أن منعه تضييق وتحجير

وهاهي أقلامهم تشهد على الآثار السيئة التي خلفها هذا الاختلاط في مهرجان واحد .





عباد الله.. سنوات يجالس الواحد فينا جاره أو قريبه ويعلم منه تضييعًا للصلوات أو تفريطًا في الوقوع في المحرمات

ولايقدم له نصحاً ولا تذكيرا بل ربما ضاحكه ومازحه بنية المؤانسة وكأن الأمر لا يعنيه

وكأن قيامه بالواجبات دون بذل النصيحة ينجيه ..

اليكم هذا الحدث العظيم الذي أخبرنا به النبي صلى الله عليه وسلم :

روى ابن مسعود عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال :

" إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل أنه كان الرجل يلقى الرجل فيقول : يا هذا اتق الله ودع ما تصنع

فإنه لا يحل لك ، ثم يلقاه من الغد وهو على حاله فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده ،

فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض"

فهذه عقوبة من ينصح ويؤاكل من ينصحه فكيف بمن يؤاكل من لاينصحه .

وهاهي أمارت هذه العقوبة تبدوا علينا ، نسأل الله السلامة والعافية .

نحن لا ندعو إلى قطيعته ومحاربته لأن هذا نهى عنه الإسلام ولا ندعو إلى أن لا تمازحه ولا تؤانسه

وإنما أن تكون علاقتك الحسنة معه وممازحتك إياه وسيلة إلى نصحه

وتأليفاً لقلبه حينها ستكون مأجوراً على كل معاملتك معه ؟

وأن تحمل هم نصحه وتذكيره لأنك تحب له النجاة وتريد له السعادة .

أما أن يسكت الجميع ويتواكل ، ويكتفي بتمتمة دعوات خالية من معاني الصدق فهذا لايسقط واجب النصيحة .

لأن الدعاء الصادق هو الذي يصحبه سلوك يصدقه .

لذلك حينما كانت العلاقات دنيوية محضة ومصالح شخصية ، كانت هشة سرعان ماتنتهي

بخلاف تافه يسير إن لم يكن من أجل مال زهيد

لأن أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله




عباد الله.. أتدرون لماذا لعن الله بني اسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم .

لأنهم كانوا لايتناهون عن منكر فعلوه .. لبئس ماكانوا يفعلون .





عباد الله

وحاجة الأمّة إلى الناصحين أشد من حاجتها إلى غيرهم ، لذلك قرن الله محاربة الناصحين بالكفر به وقتل رسله

فقال عز من قائل:

" إِنَّ
الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ
بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الِّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ
النَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ "

(آل عمران آية : 21)

لأن هولاء يقيمون دين الله الذي من أجله خلق الله الخلق ، فمحاربتهم وإيذاؤهم اطفاء لنور الله .

لأنهم لايدافعون عن مصالح شخصية وإنما يحذرون الناس من معصية الله في أرضه .

أخوة الإيمان .. بعض الناس يصمهم بأنهم يتدخلون فيما لايعنيهم .

ويقولون نحن أحرار في ما نأتي ونذر .. فأقول لهم

أولاً :كما أنك ترى أن لك حرية في ممارسة ما تشاء فهم كذلك أحرار في ممارسة ما يشاءون فنصحهم

الذي آذاك حرية شخصية كما أن جهرك بالمعصية التي آذتهم حرية شخصية . فلست بأحق بالحرية منهم.



ثانياً : القول قول صاحب الدار ، وعند الخلاف فيجب علينا أن نعمل على وفق نظام صاحب الدار ،

فأنتم وإياهم نزلاء غرباء في أرض فلست أحق بالأرض منهم فعليك أن تلتزم بنظام الله في أرضه.

كمن يدخل بلداً غريبا ويرمي نفاياته فيغرم على ذلك ، هل له أن يقول هذه نفاياتي وأنا حر فيها أم نقول

هذه ليست أرضك فيجب عليك أن تلتزم بنظامها . والله نظامه في أرضه

" من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان " رواه مسلم.

وقد قمت بما أوجب الله علي

ثالثا : أن السكوت عنك جناية على الأمة كلها ، لأن السكوت عن مجاهرة العصاة يؤدي بالأمة إلى الهلاك

وهذا أخبرنا به النبي صلى الله عليه وسلم : ‏ ‏حيث قال ‏:

(‏ مثل
القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فأصاب
بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء
مروا على من فوقهم فقالوا لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا
فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا
جميعا ) رواه البخاري.





فهل ترضى أن يعمد أحد أفراد بيتك بالعبث بالغاز والنار في غرفته بحجة أنها حرية شخصية

أم ستأخذ على يده لكي لا يتسبب في هلاك اسرتك كلها ؟

عباد الله.. الحق أبلج ولكن صدق الله:

( فَإِنْ
لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ
وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ
إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ )

(القصص آية:50)

وأكثر من يعارضون الناصحين إنما هوى لهوى في أنفسهم

عباد الله علينا أن نقوم بما أوجب الله علي من نصح وتذكير بالحكمة والموعظة الحسنة

وأن نبتعد عن مصادمة الناس وتنفيرهم ، والمقصد هو هداية الناس وانقاذهم ،

فليس من النصيحة التشهير والتعيير ، وذكر زلات الناس في المجالس والمحافل فإن هذا لا يحقق المقصد الشرعي من النصيحة .

أقول هذا
الكلام لأن بعض الناس قد ينطق بالحق والنصح على وجه التعيير والتنقص لا
على وجه اصلاح الخطأ فهذا وامثاله يقول عنهم الإمام ابن رجب رحه الله في
كتابه الفرق بين النصيحة والتعيير :

يقول : ومن
عرف أنه أراد برده التنقص والذم ، وإظهار العيب ‘ فإنه يستحق أن يقابل
العقوبة ليرتدع هو ونظراؤه عن هذه الرذائل المحرمة وذكر رحمه الله أن هذا
يعرف بقرائن تحيط بفعله وقوله .

وقديما قيل..

تعمدني بنصحك في انفراد وجنبني النصيحة في الجماعة

فإن النصح بين الناس نوع من التوبيخ لا ارضى استماعه

فإن خالفتني وعصيت أمري فلا تجزع إذا لم تلق طاعة




وهذا إذا كان المنصوح معيناً وغير مجاهر جريء وإلا فيعامل كل بحسبه .

ومن مداخل الشيطان التي أقعده بسببها أقواماً عن القيام بواجب النصيحة أن يصور له ان غيره

قد نصحه فيحصل التواكل ويقل الناصحون

ومن مداخله أيضاً : أن يشعرك بأنه سيرفض النصيحة أو أنه سيواجهك بالقسوة ، وهذا كله من مداخل الشيطان

لأنه لو كان لك حق عنده لن يمنعك عن المطالبة به شئ وهذا حق الله تعالى

والتجربة تقول إن لين الكلام مع الابتسامة يؤثران في قبول النصيحة تأثيراً بليغاً إذا صحبها صدق مع الله ورحمة بالمنصوح .



عباد الله .. الواجب على المسلم أن يفرح بمن ينصحه ويذكره لأن يبصره بعيوبه التي قد تضره لو مات وهو متلبس بها .

ولا ينبغي له ان يغضب من ذلك أو يحمل في نفسه عليه

ولقد ذم الله من يغضب من النصيحة والتذكرة بل شبههم بالحمير التي تفر حينما ترى الأسد المفترس فقال تعالى:

(فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ { 49 } كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ { 50 } فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ { 51 }). المدثر

وذكر من صفات المنافقين أن الواحد منهم " إذا قيل له اتق الله أخذته بالعزة بالإثم " ثم توعده فقال فحسبه جهنم ولبئس المهاد .

فلنربأ
بأنفسنا أن نتصف بهذه الصفات ولا نتشبه بمن أخبر الله عنهم على لسان نبيه
حينما قال لهم " وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ "

فلنحيي هذه الشعيرة العظيمة في بيوتاتنا وان نحب الناصحين ونكون منهم ونقبل النصيحة منهم

وإذا كنت تختلف معه فليكن ردك رد بلطف كما تحب أن يكون نصحه بلطف فليس الأولى بأولى من الأخرى

وأحسن الظن في كل من ينصحك وانه يريد الخير لك ولا يريد الإضرار بك .

عباد الله لو أن كل واحد منا قام بنصح من حوله من أهل وولد وجار وقريب وإذا رأى منكراً قام بمعالجته كمعالجة الطبيب

للمرض لحصل خير عظيم وأندفع شر كبير

فليس أنفع للأمّة من إحياء هذه الشعيرة .




كتبه الشيخ فواز بن لافي الرحيمي