منتديات اقرأ معنـا
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


قال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم :{إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاثة: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعوا له}
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخولتسجيل دخول الاعضاء
بسم الله الرحمن الرحيم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته , المنتدى تابع لشركة احلى منتدى والخدمة والصيانة مدى الحياة , وأعضاؤنا قدموا 33879 مساهمة في هذا المنتدى وهذا المنتدى يتوفر على 8838 عُضو , للإستفسار يرجى التواصل معي عن طريق إرسال رسالة شخصية .. ولكم فائق تحياتي وتقديري , المدير العام : علي أسامة (لشهب أسامة)
Cool Yellow
Outer Glow Pointer

 

  ✿ من قوله تعالى : (وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا .....) ✿اضاءة بلاغية✿

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
علي أسامة (لشهب أسامة)
المدير العام
المدير العام
علي أسامة (لشهب أسامة)


الأوسمة وسام العضو المميز
 ✿ من قوله تعالى : (وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا .....) ✿اضاءة بلاغية✿ 41627710
الجنـسية : gzaery
البلد : الجزائر
الجنـــس : ذكر
المتصفح : fmfire
الهواية : sports
عدد المساهمات : 26932
التقييم : 0
تاريخ التسجيل : 24/10/2008
العمر : 31
الموقع : https://readwithus.yoo7.com/
المزاج : nice
توقيع المنتدى + دعاء : توقيع المنتدى + دعاء

 ✿ من قوله تعالى : (وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا .....) ✿اضاءة بلاغية✿ Empty
مُساهمةموضوع: ✿ من قوله تعالى : (وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا .....) ✿اضاءة بلاغية✿    ✿ من قوله تعالى : (وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا .....) ✿اضاءة بلاغية✿ I_icon_minitimeالأربعاء 15 فبراير - 10:13

ومن قوله تعالى :
وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ :
فثم
حذف لعامل تقدم دل عليه العامل المؤخر على حد الاشتغال فذلك آكد في بيان
المعنى وتقريره فيجري مجرى الإطناب بالتكرار ، ولو مقدرا ، فرفع ، جل وعلا
، السماء بلا عمد ، فـ : (اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ
عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ
وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ
يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ) ، فثم
جملة من آيات الربوبية الآفاقية ، فرفع للسماء بغير عمد ترونها ، وتسخير
للشمس والقمر ، فذلك من الإجمال الذي أبان عنه التنزيل في آي يس ، فــ :
(الشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ
الْعَلِيمِ (38) وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ
كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (39) لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ
تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي
فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) ، وبينهما : خبر إلهي عن استواء الرب العلي على العرش
فحسن إيراده عقيب التنويه برفع السماوات ، فكلاهما وصف فعل للرب ، جل وعلا
، فالرفع فعل يتعدى بنفسه ، فرفع الشيء يرفعه رفعا فهو رافع ، والمفعول :
مرفوع بلا قيد بظرف أو جار ومجرور ، وهو ، من وجه آخر ، مما تتعدد موارده
في الخارج ، فثم رفع معقول كما في قول الرب المعبود جل وعلا :
(وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ) ، وثم رفع محسوس كرفع السماوات ، والاستواء
فعل يلزم إن ورد بمعنى اكتمال الخلقة فيقال استوت خلقة فلان إذا اكتملت
كما في قوله تعالى : (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى) ، أي : بلغ
النهاية في الشباب والفتوة كما ذكر البغوي رحمه الله ، واستوت الثمرة إذا
نضجت ، ويتعدى بالجار والمجرور ، فلا يتعدى بنفسه إن ورد بمعنى العلو ،
فاستوى على الشيء يستوي استواء فهو مستوٍ والمفعول : مُسْتَوًى عليه بقيد
الجار والمجرور : "عليه" ، والعرش سماء الكون المخلوق ، فالسماء مئنة من
العلو المطلق فكل ما علاك فهو سماء ، فيعلو العرشُ على السماوات السبع ،
فاستواء الرب ، جل وعلا ، عليه علو خاص على الوجه اللائق بجلاله فيلائم
خبرُه : خبرَ السماوات المرفوعة ، فكلاهما مئنة من العلو ، وإن كان علو
الخالق ، جل وعلا ، مما لا تدرك حقيقته في الخارج فهو من الغيب الإلهي
الذي ثبت بالخبر الرسالي فلا يثبت بالعقل ابتداء ، وإن دل عليه مجملا ،
فالعلو الذاتي المطلق يدركه العقل بداهة فهو يدرك أن الرب ، جل وعلا ، عال
بذاته ووصفه فيتوجه ببصره وقلبه حال التضرع إلى جهة السماء ، والعلو
الفعلي المقيد بالعرش ، في المقابل ، فيه قدر زائد لا يثبت إلا بالخبر فلا
يثبته السمع ابتداء ولا ينفيه فمرد الأمر فيه إلى الخبر الصحيح فلا يعارض
بداهة قياس العقل الصريح فهو قد أثبت العلو الذاتي وتوقف في العلو الفعلي
حتى جاء الدليل الخبري بإثباته فأثبته فذلك مما يجري على سنن القياس
الصريح الذي يقضي بداهة بقبول الخبر الصحيح فيما لا يدركه العقل فيتوقف في
أمر الغيب النسبي أو المطلق حتى يرد الدليل المثبت فيثبت ، أو النافي
فينفي ، فالعقل الصريح لا يخوض فيما لا يفقه من التوقيفيات السمعية
والحكمية لئلا يفتضح بل يسلم بالخبر إن ورد من طريق صحيحة مرضية ، فتلك
جملة من آيات الربوبية الآفاقية ذيلت بلازمها من تكليف الألوهية ، فعلة
إيراد تلك الأخبار الكونية : حمل المخاطب على التزام الطريقة الشرعية ،
فــ : (لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ) ، فتؤمنون بالبعث ،
فذلك من أركان الإيمان ، ونشر الأجساد عقيب الفناء أيسر بداهة من رفع
السماوات وخلق الأرض ، فـ : (لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ
مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) ، فمن
قدر على الأعلى قدر على الأدنى من باب أولى ، وإن كان الجميع في حقه جل
وعلا يسيرا هينا وإنما يجري الأمر مجرى التنزل مع الخصم في الجدال ، فذلك
من عظيم الخلق وبديع الصنع وإحكام الشيء وإتقانه ، فــ : (صُنْعَ اللَّهِ
الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ) ، فذلك
فعله فالنسبة وصف إلى موصوف ، وذلك خلقه فهو المصنوع فالنسبة خلق إلى خالق
، فثم تشريف للصنعة بإضافتها إلى الصانع الأعظم ، الرب الأعز الأكرم ، جل
وعلا ، فرفعت السماء وسويت ، فــ : (أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ
السَّمَاءُ بَنَاهَا) ، فذلك من قياس الأولى بمكان فمن خلق الأعلى فهو على
خلق الأدنى أقدر ، فـ : (لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ
مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) ،
فرفعت السماء وسويت ، فــ : (رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا) ، فثم إجمال
في الرفع زِيدَ في معناه بالإطناب المقدر ، وزِيدَ في بيانه في مواضع أخرى
، فاستقراء مواضع الخلق في التنزيل ذريعة إلى تقرير وصف الخالقية ، فهو من
آكد أوصاف الربوبية .
فــ : (أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ
السَّمَاءُ بَنَاهَا) ، فثم استنطاق للخصم بالحجة ، فلا يستوي طرفا : "أم"
في المعنى ، وإن تعادلا في المبنى ، فثم استثارة لمعادن القياس الصريح
بالتفريق بين المتباينين ، فلا يستوي خلق البشر ، فليس إلا تقديرا للشيء
في الذهن وتصييرا له في حال تباين حاله الأولى ، كتصيير الطين إبريقا فليس
ثم إيجاد من عدم ، وليس ثم إحكام في العمل ، وإن بلغ من الدقة ما بلغ فهو
خلق بشر ناقص لا يعدل بداهة صنع الرب الخالق ، فقد بنى السماء فرفعها بغير
عمد ، فهي على وجه الإتقان قد صنعت ، وبرسم الإبداع قد خلقت ، وهي من آي
ربنا الخالق وصنعه الباهر ، جل وعلا ، فبها يظهر عجز من سواه من آلهة
الباطل ، فيستدل على كمال ألوهيته بكمال ربوبيته ،
ويستدل على كمال شرعته بإحكام خلقته ، فمن أحكم الخلق بكلمات التكوين ،
أحكم الأمر بكلمات التشريع ، فكلمه أعدل كلم وأصدقه ، كما أن خلقه أكمل
خلق وأعدله ، فــ : (يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ
بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6) الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) فِي
أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ) ، فتلك آية نفسانية تضارع الآي
الآفاقية في خلق السماء والأرض ، وبهما يستدل العاقل على انفراد الرب
الخالق الشارع ، جل وعلا ، بمقام التأله بالشعائر ، والتحاكم إلى الشرائع
، فــ : (مَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ)
، وذلك حزب الرحمة الذي يأرز في مستمداته إلى حكم الشرعة ، فيرجع إلى
الدين في كل شيء ، فــ : (إِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى
اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ
الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) ، فيفارق
أحزاب البشر التي تأرز إلى مستمدات وضعية تتباين بتباين العقول والقرائح ،
فغايتها أن تأرز إلى معان شريفة أجمع العقلاء على حسنها ، كالعدل والإحسان
والحرية والمساواة ...... إلخ ، وقد تأرز إلى معان تصلح المعاش كأحزاب
البيئة التي تكافح التلوث ، فكلها مجملات تفتقر إلى البيان ، فلا بد من
مستمد رئيس تصدر عنه العقول فإليه ترجع حال التنازع ، فثم افتراق في تعيين
ماهية الحسن والقبيح في الخارج ، فلا بد من قيد فارق ، ولا بد من حكم عادل
، ترضى جميع العقول بحكمه فتسلم بأمره ونهيه ، فلكلٍ عقل يحسن ويقبح ، بل
ويشرع فيأمر وينهى ، بل ويحمل غيره على حكمه اختيارا أو اضطرارا ، فــ
: (مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ
الرَّشَادِ) ، فمن يلجمه فلا يتعدى على الشرع ولا يظلم غيره ، إلا كتاب
منزل من عند العليم الحكيم ، فيعلم الدقائق ويحكم الشرائع ؟! .

وناسبَ تسويةَ السماء ورفعَها : ذكرُ الميزان فهو مئنة من اعتدال الخلق وهو مئنة من إحكام الشرع ، فثم ميزان كوني وآخر شرعي .
فوضع
ميزان الكون تقديرا ، ووضع ميزان الحكم تشريعا ، فالأول مئنة من كمال
ربوبية الخلق ، والثاني مئنة من كمال ربوبية الشرع ، فالرب هو الخالق
بكلمات التكوين ، الشارع بكلمات التنزيل ، فأنزل الكتاب وحيا يشرع ، وأنزل
الحكمة وحيا يبين ، فهي الذكر المنزل ، فــ : (أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ
الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ
يَتَفَكَّرُونَ) .

ثم أبان عن علة وضع الميزان :
أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ :
فذلك من النص على العلة ، فوضع ميزان العدل لئلا يطغى الحكام في شرع أو سياسة ، ولئلا يطغى العباد
في عقد أو شعيرة فيزيدوا أو ينقصوا من مقال علمي أو حكم عملي ، فثم طغيان
بالزيادة في الدين ما ليس منه من المحدثات فبعضٌ يلحقها بالمصالح المرسلة
، وشتان ! فإن المصلحة المرسلة لا تكون في أمر توقيفي ، ولا يكون معنى
القربة فيها ظاهرا كظهوره في الشعيرة المحضة التي تراد لذاتها على جهة
التعبد والتأله ، ولئلا يطغى المتزهدة
فيغلوا في هجر المباحات والطيبيات من الأرزاق والأقوات ، فتلك مما أخرج
الرب ، جل وعلا ، لعباده حلالا خالصا ، فثم طغيان في الحكم يختل معه ميزان
العدل ، فطغيان روحي يحجر صاحبه واسعا فيسد منافذ النجاة ويقطع سبل الحق فلا نجاة إلا به ولا حق إلا منه ! ، وطغيان سياسي
يستبد صاحبه برأيه ، ولو على خلاف الحق من ربه ، جل وعلا ، فيعارض الوحي
بهواه وذوقه ، ويغرس شجر الخيانة بما يصيب الناس في زمانه من رقة الديانة
مع ما يضرب النفوس من الذلة والقهر ، فلا يجد المغرض مشقة ، فيجمع الناس
تحت ألوية حق يراد بها الباطل ، فثم حرية تاقت إليها النفوس المستعبدة فهي
في رق الظلم والجور ، وثم غنى تاقت إليه النفوس التي ضربت بالفقر عقوبة ،
فــ : (لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا
عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا
فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) ، فلو
أقيم بنيان الدين حقا لا دعوى ما فسدت حال ، وما قصرت نفقة ، فما أسهل غزو
العقول في أمم ترزح تحت نير الاستبداد ، فتعظم فيها الرغبة في رفع الظلم
وإبطال رسم القهر ، فهو مما تأنف منه النفوس الشريفة ، ويعظم فيها
دور الجمعيات السرية التي تروج لمعاني المساواة والحرية ، وتنفق الأموال
وتجند الأجناد ، فلها شبكات رصد وتحسس ، ولها شبكات تخطط وتنفذ ، فليس ثم
حق خالص تغتذي به النفوس فلم تجد مناصا من حق شيب بباطل ، بل قد مازجه
الباطل على نحو يعسر معه الفصل لا سيما في زمان هرج ، فزوال المستبد يؤذن
بحريات مطلقة يستثمرها أهل الحق في نشره ، ويستثمرها أهل الباطل في ترويجه
، ونفيرهم أعلى ، لا سيما مع دروس آثار الحق في دولة الاستبداد فلم تنل
منه النفوس قسطا تعدل به في الحكم فلا تطغى في ميزان الحب والبغض ، وطغيان مالي
يكنز به أرباب الهيئات الدينية صدقات الرعية ، فــ : (يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ
لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ
اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا
يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ) ،
والمعنى يعم كل من يكنز ، وإن خص السبب بالأحبار والرهبان ، وذلك معنى يعم
من يكنز الزكاة فلا يؤديها ، ومن ينتهب الأموال فلا يؤديها ، فثم ساسة
خانوا الأمانة ، وثم أغنياء ضنوا بالزيادة ، بل وبالواجب فلم يخرجوا صدقة
أموالهم ، فتوجه الأمر للإمام أن خذ منهم حق الرحمن ، جل وعلا ، وإن شيب
بحق العباد ، فــ : (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ
وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ
وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) ، وطغيان في الطرائق الزهدية
بهجر المباحات الشرعية ، وطغيان في العبادة بالزيادة المحدثة ، فكل أولئك
مما أنزل ميزان القسط لنفيه ، فكير العدل ينفي خبث الظلم والاستبداد ،
ويحرر النفوس من ربقة الاستعباد ، فالمعنى يعم إذ أطلق العامل فلم يقيد ،
والميزان آلة تزن ، وفعل يقع ، فدلالته تحتمل الفعل والآلة ، فيدل عليهما
على جهة الاشتراك وليس ثم ما يمنع الاجتماع ، فيدل المشترك على معنييه ،
فهما من مادة واحدة قد اشتقا ، وإلى أصل واحد قد ردا ، وأظهر الميزان وحقه
الإضمار إمعانا في تقرير المعنى ، ثم زيد في توكيده في سياق الأمر بالضد ،
فهو لازم النهي عن الشيء ، فالنهي عن الطغيان يستلزم الأمر بالقسط ، فــ :

أَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ :
فثم تقييد بالحال فهي مؤسسة في المعنى وإن كانت فضلة في المبنى ، فتقدير
الكلام : وأقيموا الوزن مقسطين ، وثم استعارة لإقامة البنيان المحسوس
لإقامة البنيان المعقول من القسط والعدل ، فنص على الفعل صراحة ، ثم ذيل
بالنهي عن إخسار الميزان ، وذلك مما أجمل فبين في سياق آخر ، فـ : (وَيْلٌ
لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ
يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ) ،
فذلك من الإخسار المحسوس ، والمعنى ، كما تقدم ، يعم المحسوس والمعقول معا
، فذيل الأمر بلازمه من النهي عن ضده ، فــ : َلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ
، وهو ، كما تقدم ، يحتمل الفعل والآلة ، فعم العامل بإطلاقه ، فتسلط
النفي على المصدر الكامن : نص في العموم ، كما قرر أهل الأصول .

ومن صور ذلك : استعمال ميزان العدل في قياس النظير على نظيره لعلة يدركها العقل فمحل الحكم مما يسوغ فيه الاجتهاد
، إما في تنقيح المناط وتخريجه فتتفاوت الأنظار في تعيين المعنى المؤثر
الذي يدور معه الحكم وجودا وعدما ، وإما في تحقيقه ، فتتفاوت المقادير
تبعا لتفاوت الأحوال ، كما في مهر المثل في باب النكاح ، فميزان العدل
يقضي بحمل النظير على نظيره فتحمل المرأة على من يكافئها في السن والجمال
والنسب فيجب لها مهر مثلها إذا لم يسمه الزوج حال الصداق ، فإن سمى قليلا
أو كثيرا فهو الواجب ، فلا يلتفت إلى المثل وإن كان أقل أو أكثر ، فلا
التفات للعرف ، وإن كان استعماله من موارد العدل فيما سكت عنه الشرع فلم
يبين مقداره فهو مما تتفاوت فيه الأنظار صفة وقدرا ، فلا التفات له ، إن
كان فاسدا يعارض قطعيا من قواطع الدين سواء أكان من الكتاب أم من السنة ، فكل
ما يعارض القطعي الدلالة سواء أكان متواترا أم آحادا ، قطعي الثبوت أو
ظنيه ، كل ما يعارضه من قياس أو عرف فهو هدر ، فلا التفات إلى ما خالف
أحكام الشريعة سواء أكانت من الأصول الكلية أم من الأحكام الجزئية الفرعية
، فلا يجوز نقض حكم الشرع ، ولو في فرع علمي أو عملي ، رجاء ما يتوهم من
مصلحة كلية ، فذلك غير متصور ابتداء ، فلسان حال قائله : اتهام الشريعة
بعدم الحكمة فيقدم قياس العقل في مصلحة متوهمة على حكم الشريعة في مسألة
محققة ، ولا اعتبار للعرف ، أيضا ، إن نُصَّ على خلافه فيما يسوغ فيه
الاختلاف تبعا لاختلاف العوائد ، فيكون العرف جاريا بأمر سائغ كأجرة الحمل
فهي على البائع في زمان أو مكان بعينه ، فينص على خلافه فتكون الأجرة على
المشتري ، فيجري ذلك مجرى الشرط في قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم :
"مَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ، إِلَّا أَنْ
يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ، وَمَنْ بَاعَ نَخْلًا مُؤَبَّرًا
فَالثَّمَرَةُ لِلْبَائِعِ، إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ" ، وكذلك
الحكم في زكاة الثمر فهي على من بيده الأصل فإن بدا صلاح الثمر وهو في يده
فالزكاة عليه ، إلا أن يشترطه على المبتاع .

والشاهد أن من موارد
العدل ما يصح جريان العرف الصحيح في تقديره ، كمهر المثل ، ونفقة الزوجة ،
فمن الفقهاء من حد المقدار بالعرف ، فحال السعة تباين حال الشدة ، وصفة
النفقة تتباين تبعا لتباين الأحوال ، فنفقة الغني أجود من نفقة الفقير
بداهة ، فــ : (مَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى
الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى
الْمُحْسِنِينَ) .

والعدل يجري في إيجاب النفقة فهي في مقابل إمساك
الزوجة على وزوجها فمن غاب ثم طلق فعليه نفقة ما تقدم ، كما أفتى بذلك عمر
، رضي الله عنه ، فــ : "عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ
الْخَطَّابِ، كَتَبَ إِلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ فِي رِجَالٍ غَابُوا
عَنْ نِسَائِهِمْ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوهُمْ بِأَنْ يُنْفِقُوا أَوْ
يُطَلِّقُوا، فَإِنْ طَلَّقُوا بَعَثُوا بِنَفَقَةِ مَا حُبِسُوا" ، وثم
عدل في الطعام والكسوة ، فيطعمها من جنس ما يطعم ، ويكسوها من جنس ما
يكتسي ، فــ : (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا
كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ) .

ومثله العدل بين الزوجات
في الحقوق الواجبة ، فمن أخل به فجزاؤه من جنس عمله ، فــ : "مَنْ كَانَتْ
لَهُ امْرَأَتَانِ فَمَالَ إِلَى إِحْدَاهُمَا، جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
وَشِقُّهُ مَائِلٌ" ، فثم جناس اشتقاقي يزيد المعنى بيانا ، فجنس الميل
واحد ، وإن تعددت موارده في الخارج ، فثم ميل في القسم ، وآخر بالشق ، فمن
ظلم في القسم فجار ، جاء يوم القيامة وشقه قد مال ، فالميل في الأولى
يكافئه الميل في الآخرة ، وذلك معنى يعم موارد الميل المحسوس في النفقة ،
فيغتفر الميل المعقول في المحبة ما لم تظهر آثاره في الخارج ، ولا يمنع
ذلك من جريان الأمر على سائر أجناس الميل القلبي ، فلها تأثير في العقد
الإيماني ، فــ : "المَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ" .

ومثله العدل
بتقديم الفريضة على النافلة ، فلا يجوز للمرأة المسلمة أن تمتنع من فراش
زوجها أداء لنافلة صيام أو قيام ، فالعدل في القياس يقضي بتقديم ما حقه
التقديم وتأخير ما حقه التأخير ، فلا يحل لها أن تهجر فراش زوجها ما لم
يكن ثم مانع شرعي من صيام واجب أو دم حيض نازل ، بل : "يَجِبُ
عَلَيْهَا أَنْ تُطِيعَهُ إذَا طَلَبَهَا إلَى الْفِرَاشِ وَذَلِكَ فَرْضٌ
وَاجِبٌ عَلَيْهَا . وَأَمَّا قِيَامُ اللَّيْلِ وَصِيَامُ النَّهَارِ
فَتَطَوُّعٌ: فَكَيْفَ تُقَدِّمُ مُؤْمِنَةٌ النَّافِلَةَ عَلَى
الْفَرِيضَةِ حَتَّى قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ: {لَا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَصُومَ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ إلَّا
بِإِذْنِهِ وَلَا تَأْذَنَ فِي بَيْتِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ} وَرَوَاهُ
أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَه وَغَيْرُهُمَا وَلَفْظُهُمْ: {لَا تَصُومُ
امْرَأَةٌ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ يَوْمًا مِنْ غَيْرِ رَمَضَانَ إلَّا
بِإِذْنِهِ} فَإِذَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَدْ حَرَّمَ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تَصُومَ تَطَوُّعًا إذَا كَانَ
زَوْجُهَا شَاهِدًا إلَّا بِإِذْنِهِ فَتَمْنَعُ بِالصَّوْمِ بَعْضَ مَا
يَجِبُ لَهُ عَلَيْهَا : فَكَيْفَ يَكُونُ حَالُهَا إذَا طَلَبَهَا
فَامْتَنَعَتْ" . اهــ من : "مجموع الفتاوى"

ومثله العدل في خدمة
الزوجة في بيت زوجها ، فثم من أهل العلم من فرَّق بين الشريفة التي لا
تخدم في بيت أبيها فلا تخدم في بيت زوجها فيلزمه أن يدبر لها من يخدمها ،
وبين غيرها ممن اعتادت الخدمة فتخدم في بيت زوجها إذ لا ضرر يقع عليها لما
جرت به عادتها في بيت أبيها .

ومنهم من أجراه مجرى الأخلاق المرضية
فإن فعلت المرأة تطوعا فقد أحسنت ، وإن امتنعت فقد جرت مجرى العدل فلم تسئ
وإن فاتها الفضل الزائد على العدل الواجب ، فــ : "أَمَّا قَسْمُ
النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ عَلِيٍّ
وَفَاطِمَةَ، فَعَلَى مَا تَلِيقُ بِهِ الْأَخْلَاقُ الْمَرْضِيَّةُ،
وَمَجْرَى الْعَادَةِ، لَا عَلَى سَبِيلِ الْإِيجَابِ، كَمَا قَدْ رُوِيَ
عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، أَنَّهَا كَانَتْ تَقُومُ بِفَرَسِ
الزُّبَيْرِ، وَتَلْتَقِطُ لَهُ النَّوَى، وَتَحْمِلُهُ عَلَى رَأْسِهَا.
وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ وَاجِبًا عَلَيْهَا، وَلِهَذَا لَا يَجِبُ عَلَى
الزَّوْجِ الْقِيَامُ بِمَصَالِحٍ خَارِجَ الْبَيْتِ، وَلَا الزِّيَادَةُ
عَلَى مَا يَجِبُ لَهَا مِنْ النَّفَقَةِ وَالْكُسْوَةِ، وَلَكِنْ
الْأَوْلَى لَهَا فِعْلُ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِقِيَامِهَا بِهِ؛
لِأَنَّهُ الْعَادَةُ، وَلَا تَصْلُحُ الْحَالُ إلَّا بِهِ، وَلَا
تَنْتَظِمُ الْمَعِيشَةُ بِدُونِهِ" . اهــ من : "المغني" لابن قدامة رحمه
الله

والله أعلى وأعلم .


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://readwithus.yoo7.com
 
✿ من قوله تعالى : (وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا .....) ✿اضاءة بلاغية✿
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  :...:√ اضاءة بلاغية √:...:
»  ♥.•°• ومن قوله تعالى : (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ .......) .•°•.♥
»  الكلام على بعض لطائف قوله تعالى ( ليس كمثله شيء) .

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات اقرأ معنـا :: ˆ~¤®§][©][ عــلوم وثقافـة ][©][§®¤~ˆ :: لغة الضاد-
انتقل الى: