منتديات اقرأ معنـا
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


قال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم :{إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاثة: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعوا له}
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخولتسجيل دخول الاعضاء
بسم الله الرحمن الرحيم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته , المنتدى تابع لشركة احلى منتدى والخدمة والصيانة مدى الحياة , وأعضاؤنا قدموا 33879 مساهمة في هذا المنتدى وهذا المنتدى يتوفر على 8838 عُضو , للإستفسار يرجى التواصل معي عن طريق إرسال رسالة شخصية .. ولكم فائق تحياتي وتقديري , المدير العام : علي أسامة (لشهب أسامة)
Cool Yellow
Outer Glow Pointer

 

  الكتابة بوصفها حالة دونكيشوتية قراءة في نصين لهيثم*

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
علي أسامة (لشهب أسامة)
المدير العام
المدير العام
علي أسامة (لشهب أسامة)


الأوسمة وسام العضو المميز
 الكتابة بوصفها حالة دونكيشوتية قراءة في نصين لهيثم* 41627710
الجنـسية : gzaery
البلد : الجزائر
الجنـــس : ذكر
المتصفح : fmfire
الهواية : sports
عدد المساهمات : 26932
التقييم : 0
تاريخ التسجيل : 24/10/2008
العمر : 31
الموقع : https://readwithus.yoo7.com/
المزاج : nice
توقيع المنتدى + دعاء : توقيع المنتدى + دعاء

 الكتابة بوصفها حالة دونكيشوتية قراءة في نصين لهيثم* Empty
مُساهمةموضوع: الكتابة بوصفها حالة دونكيشوتية قراءة في نصين لهيثم*    الكتابة بوصفها حالة دونكيشوتية قراءة في نصين لهيثم* I_icon_minitimeالثلاثاء 14 فبراير - 17:51

الكتابة بوصفها حالة دونكيشوتية قراءة في نصين لهيثم*
بقلم : أحمد الطرس العرامي


اشتهرت شخصية "دون كيشوت" كما لم تشتهر أي شخصية روائية أخرى،
إلى درجة أن هذه الشخصية التي كانت محوراً وعنواناً في نفس الوقت لرواية
كتبت قبل أكثر من أربعمائة عام، قد طغت شهرتها على شهرة كاتب الرواية نفسه
(سرفانتس)، حيث ظل هذا الروائي ومازال إلى حدٍ ما مغموراً وغير معروف عنه
إلا القليل، وغير معروفٍ أيضاً إلا عند القليل من الناس مقارنةً
بشخصية(دون كيشوت) التي صنعها في روايته الشهيرة والتي يراها البعض صورة
للكاتب نفسه، وسيرة له.
وبغض النظر عن الأسباب التي تقف وراء هذه
الشهرة فإن لهذه الشخصية كما للرواية تأثيرها على الأدب العالمي، فإذا
كانت الرواية قد عدت نقطة التحول الكبيرة والمهمة والأساسية في كتابة
الرواية العالمية، فإن شخصية دون كيشوت قد مثلت مصدراً مهماً لكثير من
الأعمال الأدبية، وكتبت على غرارها أو نسجت على منوالها عدد من الأعمال
الأدبية... وفي الوطن العربي نذكر منها: رواية(واسيني الأعرج حارسة الظلال
....دون كيشوت في الجزائر) ومسرحية سورية للمخرج أسامة حلال بعنوان (دون
كيشوت) وربما أن هذه الشخصية قد فرضت حضورها إلى درجةٍ جعلت منها رمزاً،
مثلها مثل الشخصيات التاريخية والأسطورية...
وشاعرنا محمد حسين هيثم
كان ولا شك قد قرأ هذه الرواية، والدليل على ذلك بالإضافة إلى شهرة
الرواية نفسها وانتشارها،أن شاعرنا كان قارئاً نهماً، يعزز هذا ويؤكده ما
جاء في شعر هيثم من تناصات وإحالات إلى هذه الرواية، ومنها نص لهيثم يحمل
اسم هذه الشخصية عنواناً له وهو (دون كيشوت) في هذا النص يقول الشاعر:
بطواحين أخيرة
وبهلاكاتٍ يانعةٍ
بسيوفٍ من خشبٍ
وبظلِّ حصانْ
سأسمي النجمةَ "دلسينا"
وسأعرج في الأحزان.
***

ودون كوشيوت كما جاء في الرواية رجلٌ في الخمسين من عمره، كان طويل
القامة، هزيلاً يعيش في إحدى قرى إقليم (لامانشا) الإسباني إبان القرن
السادس عشر ظلّ يقرأ روايات الفروسية بنهم ٍ شديد إلى درجة أن هذه
الروايات قد أثرت على حياته فلم يتزوج، وأوشك على الجنون، من شدة ولعه
بتلك القصص، هذا الولع أو الهوس الذي دفعه إلى محاولة تقمص دور أولئك
الفرسان الذين قرأ عنهم، فجهَّز نفسه للخروج كما يفعل الفرسان، فأصلح
سلاحاً صدئاً ورثه، ولبس درعاً وخوذةً، ورمحاً وسيفاً وامتطى حصاناً
هزيلاً ومضى في الأرض بعد أن اتخذ من أحد الفلاحين واسمه (سانشو بانزا)
وكان من جيرانه، اتخذ منه رفيقاً له، ولم تقف محاكاته الفرسان عند هذا
الحد فقد اتخذ لنفسه أيضاً محبوبةً أسماها "دولسينيا" تشبهاً بالأبطال
ومحاكاةً لهم... وخلال رحلته كان يحارب طواحين الهواء، ويصدق نفسه، ويتوهم
أنه بطل وأنه لا يقهر، يصنع من هزائمه انتصاراتٍ مزعومة، ويحارب أوهاماً
وخيالاتٍ....وهكذا تستمر الحكاية ....إلى أن يصحو "دون كيشوت" في آخر
الرواية/ آخر حياته، ويتيقن من أن كل ما مر به مجرد أوهام فيلعن كتب
الفروسية التي دفعته إلى هذا، ويتمنى لو أنه قرأ تلك الكتب التي تمتليء
بالحكمة.....
وقد كان لهذه الشخصية تأثيرها في شعر "محمد حسين هيثم"
فقد ظهر تأثيرها في كثير من نصوص الشاعر، ومنها النص الذي ذكرناه سابقاً
ونص "غبار السباع"، بالإضافة إلى نصوص أخرى نمرُّ هنا على نصين جاءا ضمن
ديوان هيثم الأخير (على بعد ذئب) وهذان النصان هما: نص بعنوان( رجلٌ يقرأ
صحف اليوم ويقود مظاهرة "الكيرم")و والنص الثاني بعنوان (على بعد ذئب).
والنص
الأول يحيلنا على شخصية دون كيشوت، بدءاً من العنوان (رجل يقرأ صحف اليوم
ويقود مظاهرة "الكيرم") فملخص حكاية "دون كيشوت" هو أنه رجل كان يقرأ كتب
الفروسية، ثم خرج لمحاربة طواحين الهواء، إذ أننا نتوقع من هذا الرجل أن
يفعل شيئاً بعد قراءته لصحف اليوم، فللصحافة دورها في تغذية الرأي العام
وتوجيهه، فمقال في صحيفة قد يغير الواقع، ويغير قناعات القراء، ويدفع بهم
إلى تغيير واقعهم، وبالتالي فإننا نتوقع ممن يقرأ صحف اليوم، أن يقوم بشيء
أجدى وأنفع، ولكنه هنا يعقبها بعمل عبثي غير نفعي(الكيرم)، بالإضافة إلى
قوله (يقود مظاهرة) مما جعلنا نتوقع أن فعلاً سياسياً اجتماعياً، سيقوم به
ذلك الرجل بتأثير من قراءة الصحف، كمؤشر على الفكر والتحضر والثقافة، ولكن
توقعنا يخيب، حين تكون المظاهرة مجرد استعارة ساخرة، تصور مدى حماس هذا
الرجل في القيام بممارسة لعبةٍ عبثية (الكيرم)، وهو حماس يكاد يجعلها
بالنسبة له فعلاً ذا جدوى وذا فائدةٍ، وعملاً بطولياً لا سيما وأنه يمثل
فيها دوراً قيادياً مما يجعله يشعر بالزهو والفخر، والبطولة:
إن
الشاعر يصور لنا شخصيةً تلتقي في جوانب كثيرةٍ مع شخصية دون كيشوت ولا
نقول أنها تتطابق معها، إذ أن شخصية "دون كيشوت" تتفق مع نفسها وتتناقض مع
الواقع، أو بمعنى آخر أنها شخصية منسجمة مع نفسها ومتناقضة مع ما حولها:
رجلٌ يمشي
حتى ساحات ظهيرته الممهورة
بالسلكون وبالنهر الحافي
وبمحاولة البنك الدولي كتابة
أشعارٍ لا يقرأها الشيطان
وبالهذيان الأدهم
وبدءاً
من نهاية هذا المقطع تبدأ الحالة الدونكشوتية بالظهور، وبالتحديد من قوله
"الهذيان الأدهم" إذ أن الهذيان أصبح خيلاً أو فرساً وفي هذا تقاطع مع
تجربة "دون كيشوت" صاحب الفروسية الوهمية، الذي امتطى صهوة
أوهامه"الهذيان" وأحلامه، وخرج لمحاربة خيالاته..وتصوراته غير الواقعية:
رجل يمشي
وستتعب ركبته
من قرقعة المنعرجات
وأكداس الطرق المشروخة
قرب شموسٍ ترجم.
صارت
المنعرجات تصدر أصوات القرقعة، وأصبحت الطرقات مكدسةً ومتراكمة، بل
ومشروخةً، إن الصفات التي صارت للمكان إنما تعكس حالة الرجل الذي يمشي،
تعكس عدم توازنه، وتخبطه، وتعثره، وعدم قدرته على التحمل، وفقدانه للإرادة
والصبر، وارتباكه أمام الواقع وانهزامه، بالإضافة إلى غيابه عن الواقع
وعدم قدرته على التغيير فيه، واقعه الذي يعد التعامل معه صعباً، في ظل
تغييب الحقائق وطمرها،(قرب شموسٍ ترجم).
وكما أسقط الشاعر الحالة النفسية للرجل على المكان فإنه يسقطها أيضاً على الأشياء من حوله:
وسيجلس في أعلى درجٍ
فوق رصيف الدكان المغلق،
ثم سيطلب من كفتيريا شاحبةٍ
في ركنٍ مرتبكٍ
شاياً
وشطيرة جبنٍ مهمومٍ
وشطيرة بيض ملغومٍ
وشطيرة فولٍ لا يرحم.
لقد أسقط الكاتب الحالة النفسية لشخصيته على الأشياء من حوله(المكان) و(الطعام) مع إضفاء صفات الواقع واضطراباته عليها أيضاً....
وفي المقطع الذي يليه يقول:
لن يشرب
لن يأكل شيئاً
لن يذهبَ أبعدَ من جلسته
سيظنُّ
بأن اليوم هو السبتُ الفائتُ
ثم يفاجئنا
أنّ اليوم هو الإثنين التالي
ممزوجاً بخميسٍ
أبكمْ.
في
هذا المقطع تبدو هذه الشخصية سلبيةً عاجزةً، وغير مدركة للزمن حتى وإن
ظهرت لها حقيقة الزمن فإنه سيكون زمناً مضطرباً وسلبياً، وفي هذا إسقاط
للحالة النفسية للشخصية على الزمن...
وسيندم
أن ضيع شيئاً لايذكره
منذ عهودٍ لا يعلمْ
وهنا
يتجلى اللاهدف التيه، فقدان الذات، وعدم إدراك الأشياء، والتخبط، والجهل،
فالرجل ورغم هامشيته هذه وعدم قيامه بأي فعلٍ مجدٍ يحترم، فإنه يبحث عن
نفسه في الصحف فيما يشبه البحث عن الذات، أو البطولة المتوهمة، ولكنه حين
لا يجد شيئاً، يقوم بلعب لعبةٍ تافهة ويظن أنه بطل في ذلك:
هل يحلم ؟
لم يهجس شيئاً لم يتكلمْ
وسيرمي صحف اليوم بعيداً
خلف جدارٍ مهجورٍ ومهدم
وسيقضي الحلم هناك
في ركن المقهى الأعتم
وسيقهر كل جماعات الكوتشينة
حتماً
ثم وحيداً
سيقود مظاهرة "الكيرمْ".
وفي
هذا المقطع تتجلى الدونكشوتيتة في أوضح صورها إذ تغدو اللعبة عملاً
بطولياً، وقد نقلها الشاعر في قصيدته من خلال سخريته، ولغته، و الزوايا
التي انطلق منها في رسم ملامح هذه الشخصية، التي من أهم ملامحها، التوهم
،السلبية، الحروب والانتصارات المزعومة والمصطنعة، التي تلتقي مع شخصية
"دون كيشوت".
والذي جعلها تقترب منها أكثر أسلوب "هيثم" الساخر،
والسخرية عنصرٌ مهمٌ من العناصر التي اعتمد عليها "سرفانتس" في رسمه
لشخصية دون كيشوت في روايته، بالإضافة إلى لغة الشاعر التي كثرت فيها
ألفاظ الحرب والصراع والمعارك وإثارة الضجيج والعجيج داخل النص رغم أن
الأحداث عادية، وكأن النص يصور الواقع الذي يتم فيه تهويل الأشياء البسيطة
والعادية وتضخيمها، رغم أن ما يجري بسيط وهامشي ولا يستحق كل هذه الفوضى
والصياح....
هل كان الشاعر هنا يحاول أن يرسم شخصية المثقف؟؟ يتحدث عن
الحروب الثقافية، أحلام المثقفين وأهامهم، بعدهم عن الواقع، عدم جدوى
الكتابة أو الثقافة وضعف دورها الاجتماعي السياسي...
إذا كنا لا نسنطيع
أن نجزم أنه كان يحاول رسم شخصية الكاتب أو المثقف، رغم بعض القرائن التي
تحيل إلى ذلك، فإننا نكاد نجزم أنه في نصٍ آخر سنتناوله هنا وهو نص(على
بعد ذئب) قد كان يعبر عن صراع المثقفين مع واقعهم، أحلام الأدباء والكتاب،
وعلاقتها بواقعهم المحيط:
كلنا عابرٌ في القصيدة
لكننا لا نقيم بها،
ونقيم القيامات فيها
نشاور أحجارها أو نساير أشجارها
أو نحاورها
أو نسير على الجمر بين الكنايات
نهمس
أن كمائن أعشابها قطرة من مجازٍ
وأن السياسة بيت القصيد.
كلنا عابر في البياض
نؤلف مجداً
ونطفح موتاً
وندعو القصيدة أن تحفي بالبعيد.
فبعد
أن يتحدث الشاعر عن علاقة الشاعر بالقصيدة متكلماً باسم الجماعة، وناطقاً
باسم الذات الجمعية لمعشر الشعراء، الذي ينطلق منها في تصوير هذه العلاقة
وضبابية ملامحها، وتأرجح طبيعتها، مشيراً إلى أن السياسة، (هي بيت القصيد)
بينما نحن نسير في العدم ونعبر في اللاشيء(كلنا عابر في البياض).
(نؤلف
مجداً)والتأليف فيه شيء من الصنعة والتعب والتلفيق ولم الأجزاء إلى بعضها،
بينما يشير قوله (نطفح موتاً) إلى واقع الذات إلى حقيقتها التي تناقض ما
تتوق إليه، بما تدل عليه كلمة(نطفح) من التدفق والامتلاء بالموت، ولكنها
–أي الذات- رغم ذلك تطالب القصيدة بأن تقوم بما يفوق قدرتها أو إمكانيتها،
(ندعو القصيدة أن تحتفي بالبعيد) ولاحظوا معي إنها دعوة فقط..لا يؤازرها
الفعل ... أو الممكنات..
ثم يقول "هيثم":
كلنا عابر قربهم
فالغزاة هنا،
كلهم داخلٌ،
والبداوة فينا،
فمن جمرتين
نقيم الممالك مملكةً إثر أخرى،
وننثرها في حقول البروق وبين
الجبالاً قلاعاً
ونرضع من ذئبةٍ
ثم نهوي إلى قصعةٍ من ثريد.
فالغزاة
والأعداء ليس لهم وجود حقيقي إلا داخلنا نحن، إنها البداوة التي تسكننا،
والتي تصنع أوهامنا وخيالاتنا، فنحن من الأشياء البسيطة الهينة، المعدومة
الأثر، نصنع أوهاماً وأحلاماً كبيرة(فمن جمرتين نقيم الممالك مملكةً إثر
أخرى، وننثرها في حقول البروق وبين الجبال قلاعاً) بما ينبثق هنا من
دلالات الرفعة والسمو التي تبثها هذه العلامات(نقيم، ممالك، بروق، جبال،
قلاع) ومايساندها من دلالات الخصوبة والنماء في هذه الصورة(حقول البروق)
وكأن النص بهذا كله إنما يشير إلى ضخامة الوهم المصنوع، وهو ما يتبين حين
يعقبه بما يناقض تلك الدلالات(ونرضع من ذئبةٍ ثم نهوي إلى قصعةٍ من ثريد)
فتبرز دلالة الجوع، التي تحيل على دلالة الخواء، ودلالة عدم النضوج(نرضع)
والسلوك الحيواني، (الذئبة ، والتهافت على الطعام)، ثم معاني السقوط
والهزيمة، كما يوحي بها اللفظ (نهوي) ثم هذا الاحتشاد الجماعي سيكون على
مجرد شيء هين وبسيط للغاية( قصعة من ثريد)...وفي هذا كله تتجلى المفارقة
أو التناقض بين السمو كوهم، والوضاعة كحقيقة، إن المعنى الذي ينقله هذا
المقطع يكاد يلتقي مع أفكار وأحداث عديدة نقلتها رواية "دون كيشوت" تجسد
تناقض الأحلام مع الواقع، نتيجة الخلط بين الوهم والحقيقة، ومن ذلك على
سبيل المثال ما جاء في الرواية أن "دون كيشوت" ( رفض أن يدفع أجر مبيته هو
وصاحبه في فندقٍ من الفنادق، متوهماً أنه بات في قلعةٍ من القلاع كما
الفرسان)وهو ما يشير إليه المقطع الشعري، وتكاد تنطق به مفردة "قلاع"، بل
إن التناص مع رواية "دون كيشوت" يتجلى في أوضح صوره، وفي أنصع تجلياته،
التي تشير إلى وعي الناص بالرواية وذلك في هذا المقطع :
كلنا عابر في رصيفٍ سيعدو
وثمة ما سوف نتركه
هاهنا أو هنالك
من أزل الكلمات ومن خيلها،
من فوارسَ ترفع أسيافها للطواحين
أو تقتل الغولَ في غفلة السرد،
أو تسرد الغول في برهةٍ للشرود...
إن
الشاعر هنا يتحدث عن الكتابة، عن شريحة المثقفين والكتاب، وأثرهم وظلهم
الذي سيتركونه بعدهم، ويحيل في تناصٍ جلي إلى ما حدث لشخصية "دون كيشوت"
في حروبه الوهمية، بل في أشهر معاركه التي عُرفَ بها، فقد حدث أن رأى "دون
كيشوت" طواحين الهواء العملاقة تثور وتدور في الفضاء، فشن هجومه عليها
وانطلق يحاربها على أنها كما توهم شياطين ذات أذرع، ولا بد أن يخلص العالم
من شرها، وكانت العاقبة أن ألقت به تلك الطواحين، وهزمته، وكادت أن تحطم
عظامه...
إن في ذلك صورة للتناقض بين الأحلام والواقع، صورة لعدم قدرة
الذات الجماعية على التكيف مع واقعها، كنتيجة لعدم قدرتها على فهمه، إذ
أنها تعيش في عصر بينما تفكيرها يعيش في عصر آخر مختلف كل الاختلاف،
كعقلية "دون كيشوت" تماماً التي تسيطر عليها الأوهام، فيجري خلفها فتكون
النتيجة في النهاية، الشعور بالهزيمة ، الندم، والأسف على ما فات، هكذا
تنتهي حياة "دون كيشوت"، التبرأ من الأشباح السوداء التي كان مصدرها (كتب
الفروسية البغيضة) ثم الكآبة والموت :
كلنا عابرٌ والغزاة سيأتون،
من ثغرةٍ سوف يأتون،
تهوي سيولهمو من أعالي الخرافة،
لكننا سوف نجمع ما سوف يطفو
هنالك من جثثٍ
ثم نجثو نلملم ما سوف يبقى
على صفحة السيل:
بعضَ حنينٍ،
ودمعاً قديماً
وشيئاً من القلب
نعصره ثم نفرده ثم ننشره في الهواء
ونتركه يابساً في النشيد
كلنا عابرٌ في القصيدة
من غيبها
لا نعودْ.
إن
السخرية والمعجم الشعري المليء بألفاظ الحرب والمعارك، بالإضافة إلى
المنحى القصصي، هي من أهم العناصر أو الظواهر التي صاحبت النصين السابقين،
وربما أنها قد ساعدت على تهيئة الأرضية التي بنا عليها هيثم نصوصه
المتناصة مع رواية "دون كيشوت"، مما ربطها بالرواية بشكل أوثق، وساعد في
نجاح النص الشعري، في استيعاب رؤية الشاعر، و توظيفه لما يحتاج إليه لنقل
تلك الرؤية...
وختاماً لهذه القراءة العابرة، والمتواضعة جداً،
والقاصرة بدرجة امتياز، أورد فقرةً كتبها الأديب الكبير محمد بنيس، في
ذكرى دون كيشوت، وعثرت عليها مصادفةً، قبل أن أقوم بتبييض هذه الورقة،
وفيها رؤية تربطها علاقة وثيقةٌ بالرؤية التي تجلت في نصوص هيثم التي
قرأناها...... يقول بنيس "أنا متيقن من أن دون كيشوت ينفعنااليوم في
استرجاع الصورة، هؤلاء المثقفون الذين كانوا في عز مراهقتهم يقرأون عن
عالموعن قيم، ثم في لحظة عثروا على أنفسهم وهم يحاربون من أجل تجسيد ما
قرأوا.. كل واحدٍ من هؤلاء كان دون كيشوت معاصر ، القراءة أفسدت العقول،
القراءة فتحت النوافذ وبنتالجسور، القراءة وضعت إلى جنب كل قارئ فرساً
وسيفاً ودرعاً و"سانشو" مهذباً لبيباً،وتلك قصة نحتاج إلى روايتها، هؤلاء
الذين غلبت ثقتهم على ذكائهم، هم الذين علينا أننفهم اليوم ما الذي كان قد
وقع لهم.. زمننا يسخر مما كنا نقرأ، ومن رد فعلنا على ماكنا نقرأ"...
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://readwithus.yoo7.com
 
الكتابة بوصفها حالة دونكيشوتية قراءة في نصين لهيثم*
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  الكتابة بوصفها فعلا اتصاليا – علي دنيف حسن
»  النكتة بوصفها علامة ثقافية
»  أخطار الكتابة

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات اقرأ معنـا :: ˆ~¤®§][©][ عــلوم وثقافـة ][©][§®¤~ˆ :: الصحافة والإعلام-
انتقل الى: