أخطار الكتابة

أخطار الكتابة

علي دنيف حسن

لا نجد أنا وزميل لي في العمل غير النبش في تاريخ الصحافة حلا لكسر
ساعات الدوام الثقيلة والمتعبة. نتذكر في اوقات الاستراحة القصيرة أبرز
وأغرب المواقف الطريفة في مهنة المتاعب هذه. نعرج في كثير من الأحيان على
ما قاله مصطفى امين أو ما جرى لمحمد التابعي وسعيد فريحة، ونتذكر طرفا
ومقالب لميشال ابو جودة وانيس منصور، وعبارات ساخرة لأحمد بهاء الدين
وعثمان العمير وغيرهم من الاعلاميين البارزين أحياء كانوا أو أمواتاً.

بعد
ذلك نلطف الأجواء بمشتقات الآداب وكرزات الفنون الصحفية. وقبل ان نسعد
بحلوى القفشات والمقالب تتسلل الهموم إلى نفوسنا نتيجة مشكلات الكتاب مع
الكتابة.
ومع انها تثير الأحزان، نكتشف إن فيها الكثير من الهزل، فهي
مأساة وملهاة في الوقت نفسه، لاسيما بعد ان صنفنا من يكتبون إلى مجاميع
محددة. فهناك جماعة " السمك يعيش في الماء " ولا تتعدى كتاباتهم القول بأن
بغداد عاصمة العراق، بمعنى ان كتاباتهم خالية من أي جديد. ثم جماعة (
الطير ) أي الكتاب الذين كلما شارفوا على التصريح بقول حقيقة أو معلومة
ما، طاروا من جديد محلقين بعيدا عن ذلك، لدرجة ان تحليقهم يستمر حتى نهاية
مقالاتهم وقدلا يحطون أبدا. بعدها يجيء دور جماعة (النهضة )، ويصر هؤلاء
على الذهاب إلى محافظة البصرة أولا قبل الذهاب إلى ساحة النهضة في بغداد
مباشرة، أي لابد لهم من اللف والدوران قبل قول أي شيء. أما جماعة الكيس (
الكونية ) فهم يصرون على وضع كل المعلومات المتوفرة لديهم في مقالة واحدة
فيتعذر تصنيفها فهي ( كلشي وكلاشي ). ولا بأس في ذكر جماعة ( القنابل
الصوتية ) التي تبدأ مقالاتهم بعبارت رنانة طنانة مثل: أيها الأخوة، أيها
المواطنون، يا طلبتنا الأعزاء، يا وزارة الـ... وغير ذلك. وهناك جماعة (
الطماطة ) وهم الذين يكتبون عن كل شيء بدءا بـ (الشوربة ) مرورا
بالديمقراطية التوافقية وانتهاء بحروب الفضاء.
وعلى الرغم من كل ما
قلناه، لا يمكننا انكار ما تبذله تلك الجماعات من جهد ومشقة خلافا لجماعة
( الكوبي بيست ) التي ينحصر عملها في "لطش" مواضيع الآخرين وكتابة اسمائهم
عليها. وكذلك جماعة الحمى ( الصخونة) الذين يقولون كل شيء عن أي شيء من
دون أدنى ترابط أو موضوعية.
لكن اللافت للنظر إن هناك جماعات صغيرة
مازالت تحت الإنشاء وفي طور التكوين تمزج بين بعض اساليب الجماعات
السابقة، ما يرشحها لتكون جماعات تستحق التأمل والدراسة.
تفشي مثل هذه
الأساليب لا يعرض ثوابت الكتابة وحدها للخطر فقط، وانما يهدد أبنية
الثقافة العامة برمتها، وقد يخلق أجيالا لا تعرف أهدافها بالضبط، وتلك هي
المشكلة!


عن جريدة الصباح البغدادية