عام علي ثورة 25 يناير التي هبطت علينا من السماء بإرادة إلهية لتعيد
إلينا الثقة والأمل في أن للظلم دائماً نهاية وأن للعدالة مكاناً في
الأرض. وأن مع العسر يسراً.
فقبل عام من الآن كان أباطرة الظلم والقهر
يعتقدون أنهم يملكون الأرض وما عليها. وكان المواطن لديهم نسياً منسياً.
وكنا نعتقد أن الشمس لن تشرق أبداً وأنهم سيظلون في مقاعدهم وفي أماكنهم
إلي أن نفني وتفني أجيال من بعدنا..
ولكن العدالة الإلهية استجابت
لدعوات المظلومين. وأعطتنا جميعاً درساً في ألا نفقد الأمل في رحمة الله
وأن نصبر دائماً الصبر الجميل وألا ينتابنا اليأس وألا نركن ايضا إلي
الصمت في انتظار الفرج. فالحق لا يأتي إلا لمن يسعي إليه. والسلبية هي نوع
من الخنوع. والخنوع والانكسار هو من يصنع الطغاة ويحول الشرفاء إلي عبيد
والعبيد إلي سادة وحكام.
وفي حياة كل واحد منا قصة من قصص المعاناة مع
الظلم ومع الفساد ومع الذين باعوا أنفسهم للشيطان وتحالفوا معه علي حساب
الحق والفضيلة والشرف.
وقد رأينا في هذه المهنة التي هي من أسمي وأطهر
وأشرف المهن كيف تحول زملاء لنا إلي كلاب مفترسة للسلطان ينهشون لحم خصومه
ومنافسيه ويكيلون لهم الاتهامات وينشرون حولهم الشائعات والأكاذيب من أجل
مكاسب مادية تخلوا بسببها عن ضميرهم المهني وأنستهم معايير الشرف والكرامة
والزمالة. ففقدوا أنفسهم قبل أن يفقدوا الناس وأصبحوا في قاع المجتمع بعد
أن تخيلوا يوماً أنهم في قمته. وصاروا يتمنون لو أن الزمن قد عاد بهم إلي
الوراء ليتخلوا عن كل ما جمعوه واكتنزوا من حرام لكي يستعيدوا احترام
الناس وصداقتهم.
ولقد كان للمولي سبحانه وتعالي حكمة في أن يكون هؤلاء
في مواقعهم القيادية الإعلامية قبل الثورة. فقد كانوا سبباً غير مباشر
لاندلاع الثورة الشعبية بعد أن أوصلوا الناس إلي حالة من الكراهية العميقة
للنظام الذي يعتمد علي هؤلاء في تلميع صورته وتسويق انجازاته. والذين لم
يجيدوا القيام بهذه المهمة لأنهم كانوا قد افتقدوا أيضا القدرة والمهارة
حتي علي النفاق والتزلف فجاء أسلوبهم وخطابهم الإعلامي نوعاً من الرياء
المشبع بالمهانة والذل والانكسار في وقت لم يكن فيه من يستطيع أن يحجب نور
المعرفة والحقيقة عن الرأي العام بفضل وسائل إعلامية أكثر تطوراً ظهرت في
الساحة متمثلة في الفضائيات والإنترنت والهاتف النقال. وهي وسائل جديدة
تنقل الخبر الصادق وتنشر التعليق الأمين دون رقابة أو خوف من حاكم أو
سلطان.
وكان أسلوب هؤلاء الطغاة في منع الأقلام الصحفية من الكتابة ومن
حرية التعبير سبباً في نمو صحافة أخري شعبية أكثر جرأة وتحرراً كانت سبباً
في نشر أفكار الإصلاح وفي الدعوة إلي التغيير وإلي مقاومة الفساد.
ويخطئ
من يغفل دور صحافة مصر الشريفة في الثورة. فقد كانت الأقلام الجادة
المحترمة التي لم تنافق أو تداهن الحاكم وعصابته سبباً في الكشف عن الكثير
من جرائم ووقائع الفساد.. وعاملاً هاماً في التصدي لخطة التوريث التي كانت
قائمة وجاهزة ومعدة. ووسيلة لتجميع قوي المعارضة الوطنية التي كانت مشتتة
وممزقة وتتعرض للكثير من الملاحقات الأمنية الشرسة والموجعة.
وسيكون من
غير الانصاف في ذكري عام علي الثورة أن نغفل الدور الكبير للحركات الوطنية
التي بدأت حملات التغيير مثل حركة "كفاية" التي كانت أول صرخة منظمة ضد
النظام وضد التوريث والتي مثلت أول تحد للقوي الأمنية وفتحت الباب أمام
أصوات أخري مترددة لكي تنضم للقافلة وتنادي بالإصلاح.
غير أن الفضل
الأكبر في أن يكون التغيير دعوة ومنهاجاً وخطة منظمة يعود إلي الدكتور
محمد البرادعي الذي مهما كانت الاختلافات حول شخصه وأفكاره. إلا أن
الحقيقة ستبقي واضحة في أن هذا الرجل كانت له رؤية مختلفة ونظرة بعيدة
المدي وأن وجوده في مصر وسمعته العالمية وعلاقاته الدولية. كانت جميعاً
أسباباً مباشرة لكي يتحول التغيير إلي فكر منظم لمجموعات شبابية ظلت تعمل
بهدوء وفي حلقات تواصل منظمة حتي تجمعت في 25 يناير من العام الماضي لتقوم
بتفجير المفاجأة ومباغتة أجهزة الأمن فإن الذين وقفوا للتظاهر في هذا
اليوم ليسوا بالعشرات كما كانوا يعتقدون وإنما بالآلاف ثم بالملايين. وأن
الهدف كان أكبر من كل التوقعات.. لقد كان الهدف مختلفاً وهو أن الشعب يريد
تغيير النظام.. ولقد أراد الشعب.. وتحقق له ما يريد.. وهذه هي قيمة الثورة
وهذا هو الانجاز الأكبر.. فالشعب يريد.. وما أروعها من عبارة!
ملحوظة أخيرة:
من يحدد مستقبل مصر الآن؟
الميدان أم البرلمان؟
المرشد أم المشير؟
ومن عنده الإجابة والصيغة المقبولة
يصلح رئيساً للجمهورية..!
بقلم : السيد البابلي