لا يستطيع أشد الناس تفاؤلاً أن يدرك بمخيلته كيف سينتهي الحال بمصر في
الأيام القادمة.. ولن يستطيع أشد الناس تشاؤماً أن يري فيما يحدث الآن
أسوأ مما سيحدث مستقبلاً.. فالأحداث قد خرجت عن المألوف. ولا يعلم مآلها
إلا الله العلي القدير.. الذي نرجوه أن يكون لطيفاً بمصر وبنا..
ففي
الوقت الذي تشتعل فيه البلد ناراً لا نعلم متي تخمد ويهدأ أجيجها نري من
ينفخ فيها ويزيد من النفخ حتي أتت علي الأخضر وفي طريقها لتأتي علي
اليابس..
لقد خرج تقرير لجنة تقصي الحقائق الخاص بمذبحة بورسعيد والتي
يصفها بأنها مدبرة بعناية واحتراف. ويشير إلي وجود إهمال وتقصير واضح لدي
الأجهزة الأمنية بالمحافظة. بل يصل إلي حد "الاشتراك" فيها. وتزامن معه
دعوة حركة 6 أبريل إلي العصيان المدني يوم 11 فبراير ضد المجلس العسكري
حتي يسلم القيادة إلي سلطة مدنية. وكذا محاسبته ومسئولو الداخلية عن تلك
المذبحة. وكأنها تصب الزيت علي النار!!
ماذا يريد من يسمون أنفسهم ناشطين سياسيين من مصر.. ولماذا ينفخون في نارها؟!
لا
نعتقد أنهم يريدون لمصر ولنا الخير بتحريضهم علي المجلس العسكري والشرطة..
يريدون إسقاط الدولة!!.. فما معني أن يتم تسليم الحكم لقيادة مدنية في تلك
الظروف الحالكة السواد. والتي تشهد اضطراباً ما بعده اضطراب في كافة
النواحي؟!.. وما معني محاصرة وزارة الداخلية واقتحامها انتقاماً من وزيرها
وقادتها وضباطها وجنودها؟!.. فإذا أخطأ أحد أفرادها فلابد من محاسبته.
ولكن ليس محاسبة الهيكل كله.. فسقوط الشرطة وعودة الجيش في الوقت ذاته
يعني سقوط الدولة وهيبتها وأمنها.. ووقتها ستكون الدولة فريسة سهلة
للأطماع الخارجية.. وسيكون الشعب صيداً سهلاً للبلطجة والإجرام بشتي
أنواعه من سرقة واغتصاب وسطو مسلح وتحطيم للسجون وهروب للمساجين.. وقد حدث
ذلك أثناء محاصرة الداخلية وانشغالها بتأمين حصنها.
إن طبيعة المرحلة
تتطلب التفكير بعقل وهدوء وروية. ولا تتحمل المزيد من القرارات
العشوائية.. فمن يطالب من النشطاء بتعجيل انتخابات الرئاسة قبل وضع
الدستور هم مخطئون ولا شك.. فعلي أي أساس يتم انتخابه. وتحت أي بنود؟!..
فهل يتم انتخابه بحسب دستور 71 الذي كان من أحد أسباب ثورة يناير التي
قامت لتتقدم بنا لا للرجوع للخلف. كما يحدث في وقتنا هذا؟!
لقد تحولت
مصر من استبداد الحكومة بالشعب إلي استبداد الشعب بالشعب. وتحولنا من
ديكتاتورية الحزب الوطني إلي ديكتاتورية الثوار.. فلا صوت يعلو فوق صوتهم.
ولا إرادة إلا إرادتهم.. وكل من يختلف معهم في الرأي هو ضدهم.. وإذا كان
الناشطون يريدون الخير لمصر والتحليق بها في سماء الديمقراطية وتحقيق
العدالة الاجتماعية لشعبها. وإقرار الكرامة والحرية لمواطنيها كما
يدَّعون. فعليهم المحافظة علي الوجه الجميل للثورة التي أخرجت أجمل ما
فينا ووقف العالم مشدوهاً بها. ومحيياً لها. ومؤيداً لها.. لأن ما يحدث
باسمها الآن من فوضي وتخريب وانفلات أمني وأخلاقي ما هو إلا عورة
سَـنُـعيَّر بها في يوم من الأيام.. ولن ينساها لنا التاريخ أبداً!!
كفاكم
إضراماً للنار في جسد الوطن.. لحساب أجندات داخلية كانت أو خارجية.
ودائماً ينقلب السحر علي الساحر. وقد تأكلكم النار كأول من تأكل.. فأنتم
لستم ببعيدين عنها وهي أقرب ما تكون لكم!!
بقلمــ : محمد فؤاد
الثلاثاء 7 فبراير 2012