النخبة من مفكري مصر.. ومعهم ثوار التحرير يعيشون في
ترف السياسة من خلال تبني مطالب نظرية لا ترقي إلي التطبيق علي أرض الواقع
ويرفضون الاستماع إلي صوت العقل.
وإذا كان الثوار تدفعهم حماسة الثورة
وعنفوان الشباب ويريدون الوصول إلي تحقيق أهداف الثورة من أقصر وأسرع
الطرق دون وضع اطار محدد من حيث الزمن والاجراءات. فما هو عذر النخبة التي
من المفروض ان تتلمس طريقا عمليا واضحا وصحيحا وآمنا ومحددا بأوقات مسلسلة
للوصول إلي هذا الهدف.
المطلب الذي يتصدر المشهد السياسي ويلح عليه
أصحاب الصوت المرتفع هو رفض حكم العسكر. وضرورة تسليم الحكم إلي سلطة
مدنية.. وهذا شيء طيب.. خاصة ان المجلس الأعلي أصبح يشعر أن المسئولية حمل
ثقيل ويريد التخلص منه.. لكن: لمن؟ وكيف؟ ومتي يتم تسليم الحكم؟
لا
يوجد جواب محدد.. البعض يطالب بتسليمه إلي رئيس مجلس الشعب.. وهناك معارضة
شديدة حتي من الاخوان المسلمين الذين ينتمي إليهم رئيس المجلس.. والبعض
يطالب بانتخاب رئيس مؤقت لمدة عام ينتخبه مجلس الشعب المكون من أغلبية
اسلامية.. والبعض يطالب بتسليمه إلي مجلس رئاسي.. ولكن من الذي يختار هذا
المجلس؟
ومادام هناك عدم اتفاق علي الرجل الذي سيتولي المسئولية بعد
المجلس الأعلي.. فبالتالي لن نعرف الطريقة ولا الكيفية ولا الوقت الذي
تنتقل فيه السلطة ولا الاجراءات الدستورية التي تضمن عدم الوقوع في
الأخطاء.
أما المطلب الأكثر الحاحاً فهو محاكمة المتورطين في قتل
الثوار من رجال الشرطة والجيش.. وهو مطلب عادل وعاجل فعلا. ولكن الوسيلة
الفعالة لتحقيقه هو تشكيل لجنة تقصي حقائق من مجلس الشعب تضم كل الأطياف
السياسية لتحديد المتهمين في هذه القضية وتقديمهم إلي النائب العام لاقامة
الدعوي العمومية ضدهم.
ويلي ذلك أهم أهداف الثورة.. وهي اقامة عدالة
اجتماعية.. وهذا يعني تقريب الفوارق بين الطبقات. وفي مقدمة ذلك فرض ضرائب
تصاعدية علي الأغنياء.. وتحديد حد أدني وحد أعلي للأجور.. وخلق فرص تشغيل
لحل مشكلة البطالة.
وفي هذه المناسبة أي بمناسبة فرض ضرائب تصاعدية
خسرت البورصة المصرية بالأمس خمسة مليارات جنيه في ربع ساعة بسبب خبر أذيع
عن تبني حزب الحرية والعدالة مشروعا لفرض ضرائب علي الأرباح الرأسمالية
الناتجة عن تداول الأوراق المالية.
وهذا يعني أن البورصة اضطربت وهرب
رأس المال بسبب فرض ضرائب جديدة. مما يجعلنا نفكر بطريقة أعمق في اصلاح
اقتصادي يزيد من ايرادات الدولة بعيدا عن الوسائل التي تهز السوق.
أعود
وأقول اننا غارقون في ترف السياسة بينما ما يجري علي أرض الواقع وخاصة
فيما يتعلق باستتباب الأمن والانفلات الذي لم ينحسر حتي الآن يجعلنا نعيش
حالة يأس تامة لأن المواطن العادي يهمه في الدرجة الأولي الاستقرار.
وكيف
يتم هذا الاستقرار ويتحقق في ظل التواجد المكثف في ميدان التحرير والشوارع
المحيطة به. وفي كل ميادين المحافظات تنادي بالمطالب التي أشرت إليها..
وفي نفس الوقت تتواتر أخبار الانفلات الأمني بوقوع سطو مسلح علي سيارة
لنقل الأموال والاستيلاء علي ستة ملايين جنيه منها!!
أيضا قيام عصابة مسلحة بمهاجمة بنك في التجمع الخامس والاستيلاء علي خمسة ملايين جنيه.
وهنا
لا نبريء الجهة صاحبة سيارة نقل الأموال وفيها هذا المبلغ الضخم من شبهة
تآمر من داخلها لسرقتها.. وإلا لماذا لم تبلغ الشرطة مسبقا لتأمين السيارة
بما فيها من خلال قوة كافية تحميها.
كذلك الوضع بالنسبة لبنك يقع في أطراف العاصمة.. فكيف لا يؤمن التأمين الكافي الذي يضمن سلامة العاملين فيه وسلامة الأموال.
أصوات
في الميدان وفي الفضائيات تعيش في ترف السياسة ولا تريد أن تري الحقيقة
وتصبر خمسة أشهر بالتمام والكمال لتسليم السلطة لرئيس منتخب.. وواقع تجري
فيه عمليات سلب ونهب تؤرق حياتنا ومزاجنا العام وتجعلنا ننظر إلي المستقبل
بقلق كبير.
بقلم : محمد فوده