توظيف الدعاية والإنسلاب في الحرب النفسية

تعد الحرب النفسية اليوم احد المظاهر الثابتة والمرتبطة
بالصراع الدولي في جميع أبعاده ،فهي أولا بديل للصراع الجسدي وهي ثانيا
تنظيم للعنف في صورة معينة وهي ثالثا أداة من أدوات تنفيذ السياسة
الخارجية.

تعريف الحرب النفسية
يعرف حامد ربيع الحرب النفسية
بانها " نوع من القتال النفسي لا يتجه الا الى العدو ولا يسعى الا للقضاء
على ايمان المستقبل بذاته وبثقته بنفسه وبعبارة اخرى هي تسعى لا الى
الاقناع والاقتناع وانما تهدف تحطيم الارادة الفردية".
كما يمكن
القول ان الحرب النفسية هي حرب تغيير السلوك ومبدؤها هو الشخصية ،لذلك فان
سلاحها هو الكلمات والافكار من خلال ما يطلق عليه حديثا "الدعاية والشائعة
وغسيل الدماغ".
ويرى براون ان الهدف من الحرب النفسية يتمثل بالاهداف التي تسعى اليها اي حرب اخرى وهي:
1- تحريك وتوجيه الكراهية ضد العدو وتحطيم معنوياته
2- اقناع الجمهور بعدالة القضية التي يحاربون من اجلها وتقوية روحهم القتالية
3- تنمية روح الصداقة مع المحايدين وتقوية القناعة لديهم بانتصارهم مما يهدف الى الحصول على دعم فعال منهم
4- تنمية وتقوية الصداقة التي يمكن ان تؤيدها.
الدعاية في الحرب النفسية
بما
أن الحرب النفسية عملية مستمرة ، في حالة الحرب وحالة السلم، وعلى جميع
الأصعدة العسكرية والمدنية والسياسية والإقتصادية ، فإن الخبراء فيها
لايألون جهدا ً في إستخدام شتى الأساليب والوسائل لتحقيق أهدافهم المخطط
لها مسبقا، ومنها إستخدام الدعاية كسلاح من أسلحة الحرب النفسية .
ويقصد
بالدعاية عملية الإثارة النفسية بقصد الوصول الى تلاعب معين في المنطق
فإذا بنا إزاء استجابة ما كان يمكن ان تحدث لو لم تحدث هذه الاثارة
العاطفية،والدعاية بهذا المعنى لا تفترض سوى التلاعب بالمنطق كما تتجه الى
الصديق فانها تتجه الى غير الصديق.
وتختلف الحرب النفسية عن الدعاية
في ان هدف الحرب النفسية يكون اكثر اتساعا ولكن دائرة فاعليتها أكثر
تحديدا من الدعاية،وهي تسعى الى القضاء على الارادة ولكنها لا تتجه إلا
الى الخصم او العدو.
لقد استخدمت الدعاية بشكل اساسي خلال الحروب
كاحدى اساليب الحرب النفسية،وان اهدافها تكاد تكون متشابهة عبر التاريخ
ويمكن استنتاج ذلك من خلال الكتابات التاريخية عن هذا الموضوع.
واستخدام
الدعاية في الحرب النفسية ينشط أثناء الحروب وتستهدف أضعاف الروح المعنوية
عند الخصم وتحقيق الدعم والتأييد لها عند شعبها او عند الشعوب المحايدة او
الصديقة.
وفي هذا الجانب يقول جون مارتن عن الحرب العالمية
الاولى:"لقد اكتشف عندئذ ان الحرب الشاملة لا يمكن خوضها الا بالهجوم على
عقول البشر وأجسادهم في الوقت نفسه".
وهنا يتعامل الدعائي مع خصم أجنبي ويسعى الى تحطيم معنوياته بأساليب نفسية ومنطقية ومن ثم يبدأ الخصم بالشك بمعتقداته وبأفعاله.
فأسلوب الحرب النفسية هو أسلوب مخطط على أسس علمية دقيقة ومدروسة ..ووسيلتها هي وسائل الاعلام الحديثة والمتطورة يوما بعد يوم.
ويعتقد الكاتب والباحث الأمريكي هارولد لاسويل ان للدعاية أربعة أهداف استراتيجة:
1- تعبئة الكراهية ضد العدو
2- الحفاظ على صداقة الحلفاء
3- الحفاظ على صداقة الدول المحايدة
4- تحطيم الروح المعنوية لدى العدو
وتعتمد
الدعاية في الحرب النفسية على ان الإنسان تحدث له في حياته ردود فعل نتيجة
محاولاته لتحقيق مطالبه الضرورية وتتوقف طبيعة هذه الردود على مدى نجاحه
في موازنته بين هذه المطالب الضرورية وبين ردود الفعل من الخوف والياس
والكراهية وغيرها،وهي الركيزة الأساسية التي يستغلها أولئك الذين يحاولون
السيطرة على معتقدات الناس بمحاولاتهم استمرار خلقها وإثارتها،وذلك بفرض
مؤثرات معينة على مخ الإنسان بدرجات تتفاوت مع طبيعته حتى يصل الى درجة
الانهيار،بحيث يتوقف المخ ويصبح مستعدا لتقبل اي إيحاءات تفرض عليه.
ويصف
ياكوفليف(Jakowlew)في كتابه:"إيديولوجية الإمبراطورية الديمقراطية" طبيعة
الدعاية البرجوازية بالشكل التالي "تستند الطبيعة الخطيرة لتأثير
الإيديولوجية والثقافة البرجوازيتين على تطور المجتمع،الى قيامها بتكوين
الشخصية التوفيقية غير القادرة على مقاومة موجة الأفكار الرجعية والكفاح
النشيط ضد مبادئ انعدام الأخلاقيات والتشويه(المسخ)الروحي.ويحرمان الشخصية
من إيصالها الى حالة التفسخ الفكري،تقوم الدعاية البرجوازية بخلق الظروف
لتحويل الجماهير الشعبية للمجتمع الرأسمالي الى جمهور مطيع يمكن دفعه الى
الفعاليات المغامرة" .
وهنا يبرز مفهوم الاستلاب او الإنسلاب او كما
يسميه هيجل وماركس (الاغتراب)،كنتيجة يحاول الطرف الذي يخطط للحرب النفسية
الوصول الى تحقيقه في المجتمع المستهدف ليتمكن عند شيوعه من تحقيق الغايات
التي يبتغيها من شن الحرب النفسية ،والحملة الدعائية.
وقد برزت هذه
الحالة بوضوح في الحرب التي شنتها الولايات المتحدة على العراق منذ عام
1990 والتي استخدمت فيها كل ما استطاعت الوصول اليه من آليات الحرب
النفسية ،المدعمة احيانا باليات الحرب التقليدية ،وفرض الحصار الشامل
لفترة طويلة ،ما ادى الى دفع المجتمع العراقي الى حالة من الانسلاب القيمي
والروحي كان من نتائجه الرضوخ للغزو الامريكي والتعامل معه كنتيجة حتمية
،وهو ما كانت تبتغيه آلة الحرب الدعائية التي قادتها الولايات المتحدة
سواء لاقناع الرأي العام الامريكي والدولي ،او لزرع حالة الاحباط واليأس
والقنوط لدى المجتمع العراقي ،والعربي عموما.
وقد فصل الفن توفلر
تفاصيل ذلك كما تناوله تشومسكي والعديد من الكتاب الامريكان سواء بتناولهم
لحرب عام 1991 او الغزو الامريكي عام 2003 حتى قيل ان العراق خسر الحرب
بالاعلام والدعاية قبل ان يخسرها على الارض.
وفي هذا الجانب يؤكد تشومسكي على ان حرب الخليج الثانية عام 1991 تظهر كيف تعمل أنظمة الدعاية ذات الاداء الجيد.