الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:
يقول الله تبارك وتعالى: {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [الزمر: 9].
ويقول سبحانه: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} [فاطر: 28].
ويقول أيضاً: {أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ} [النساء: 59]
وأولوا الأمر كما يقول أهل العلم: هم العلماء.
وقال بعض المفسرين: أولوا الأمر: الأمراء والعلماء.
فولاية أهل العلم في بيان شريعة الله ودعوة الناس إليها، وولاية الأمراء في تنفيذ شريعة الله وإلزام الناس بها.
إذا اجتهد العالم في مسألة من المسائل ولم يصب فبما يحكم عليه؟
العالم
إذا اجتهد في مسألة من المسائل، قد يصيب وقد يخطئ لما ثبت من حديث بريدة
رضي الله عنه: "وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله فلا
تنزلهم على حكم الله، ولكن أنزلهم على حكمك فإنك لا تدري أتصيب فيهم حكم
الله أم لا".
فإذا اجتهد الحاكم فأصاب، فله أجران، وإن أخطأ، فله أجر واحد، وعليه:
فهل نقول إن المجتهد مصيب ولو أخطأ؟
الجواب الصحيح أن كل مجتهد مصيب من حيث اجتهاده، أما من حيث موافقته للحق فإنه يخطئ ويصيب ويدل قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب، فله أجران، وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر واحد».
فهذا
واضح في تقسيم المجتهدين إلى مخطئ ومصيب، وظاهر الحديث أنه شامل للفروع
والأصول حيث دلت تلك النصوص على أن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها، لكن
الخطأ المخالف لإجماع السلف خطأ ولو كان من المجتهدين، لأنه لا يمكن أن
يكون مصيباً والسلف غير مصيبين سواء في علم الأصول أو الفروع.
القول فيمن يتخذ من أخطاء العلماء طريقاً للقدح ورميهم بالبهتان:
العلماء
بلا شك يخطئون ويصيبون، وليس أحد منهم معصوماً.. ولا ينبغي لنا بل ولا
يجوز أن نتخذ من خطئهم سلماً للقدح فيهم، فإن هذا طبيعة البشر كلهم أن
يخطئوا إذا لم يوفقوا للصواب، ولكن علينا إذا سمعنا عن عالم أو داعية من
الدعاة أو عن إمام من أئمة المساجد، إذا سمعنا خطأ أن نتصل به حتى يتبين
لنا، لأنه قد يحصل في ذلك خطأ في النقل عنه، أو خطأ في الفهم لما يقول،
أوسوء مقصد في تشويه سمعة الذي نقل عنه هذا الشيء.
وهذا بلاء عريض
وفتن مضلة في تقليص ظل الدين وتشتيت جماعته وزرع البغضاء بينهم، وإسقاط
حملته من أعين الرعية، وما هنالك من العناد، وجحد الحق تارة ورده أخرى.
ويا لله كم صدت هذه الفتن العمياء عن الوقوف في وجه المد الإلحادي، والمد الطريقي، والعبث الأخلاقي.. إلخ.
ما
تجره هذه المكيدة المهينة من جنايات على الدين وعلى علمائه وعلى الأمة
وعلى ولاة أمرها، وبالجملة فهي فتنة مضلة، والقائم بها مفتون ومنشق عن
جماعة المسلمين.
وإن الواجب على الشباب وعلى غيرهم إذا سمعوا مثل ذلك أن يكفوا ألسنتهم وأن يسعوا بالنصح والاتصال بمن نقل عما نقل حتى يتبين الأمر.
أما الكلام في المجالس ولا سيما مجالس العامة كأن يقال: ما تقول في فلان؟
ما تقول في فلان الآخر الذي تكلم ضد الآخرين؟
فهذا أمر لا ينبغي بثه إطلاقاً لأنه يثير الفتنة والفوضى، فيجب حفظ اللسان، قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه: «ألا أخبرك بملاك ذلك كله»؟
قلت: بلى يا رسول الله
فأخذ بلسان نفسه وقال: «كف عليك هذا».
قلت: يا رسول الله إنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟
قال صلى الله عليه وسلم: «ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو قال على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم».
وأنصح
طلبة العلم وغيرهم أن يتقوا الله وألا يجعلوا أعراض العلماء والأمراء مطية
يركبونها كيف ما شاءوا، فإن إذا كانت الغيبة في عامة الناس من كبائر
الذنوب، فهي في العلماء والأمراء أشد وأشد.. حمانا الله وإياكم عما يغضبه،
وحمانا عما فيه العداوة على إخواننا إنه جواد كريم.
الوقوع في أعراض العلماء الربانيين والقدح فيهم وغيبتهم:
لاشك أن الوقوع في أعراض أهل العلم المعروفين بالنصح ونشر العلم والدعوة إلى الله تعالى من أعظم أنواع الغيبة التي هي كبائر الذنوب.
والوقيعة
في أهل العلم أمثال هؤلاء ليست كالوقيعة في غيرهم، لأن الوقيعة فيهم
تسلتزم كراهتهم وكراهة ما يحلمون وينشدون من شرع الله عز وجل فيكون في
التنفير عن شرع الله عز وحل، وفي هذا من الصد عن سبيل الله ما يتحمل به
الإنسان إثماً عظيماً وجرماً كبيراً.
ثم إنه ما يلزم من إعراض
الناس عن أمثال هؤلاء العلماء أن يلتفتوا إلى قوم جهلاء يضلون الناس بغير
علم، ويهتدون بهديهم، فإما أن يكونوا أئمة يدعون إلى النار، فإذا انصرف عن
أحد الجنسين، مالوا إلى الجنس الآخر.
وعلى
المرء الواقع في أعراض أمثال هؤلاء العلماء أن ينظر به نفسه وقوعه في
أعراض هؤلاء العلماء، مع ما عنده من العيوب الأخرى التي يبرأ أهل العلم
ويبرؤون أنفسهم من الوقيعة فيه من أجلها.
والحقيقة أن جرح العالم
ليس جرحاً شخصياً بل هو جرح لإرث محمد صلى الله عليه وسلم فإن العلماء
ورثة الأنبياء فإذا جرح العلماء وقدح فيهم لم يثق الناس بالعلم الذي
عندهم، وهو موروث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وحينئذ لا يثقون بشيء
من الشريعة التي يأتي بها هذا العالم الذي جرح.
ولست أقول: إن
كل عالم معصوم، بل كل إنسان معرض للخطأ، وأنت إذا رأيت من عالم خطأ فيما
تعتقد، فاتصل به وتفاهم معه، فإن لم يتبين لك ولكن وجدت لقوله مخرجاً وجب
عليك الكف عنه، وإن لم تجد لقوله مخرجاً فحذر من قوله، لأن الإقرار على
الخطأ لا يجوز، لكن لا تجرحه وهو عالم معروف مثلاً بحسن النية، ولو أردنا
أن نجرح العلماء المعروفين بحسن النية لخطأ وقعوا فيه من مسائل فقهية
لجرحنا علماء كباراً، ولكن الواجب هو ما ذكرت.
وإذا رأيت من عالم
خطأ فناقشه، وتكلم معه فإما أن الصواب معه فتتبعه، أو يكون الصواب معك
فيتبعك، أولا يتبين الأمر فيكون الخلاف بينكما من الخلاف السائغ، فالمهم
أنني أحذر إخواني من هذا البلاء وهو تجريح العلماء والتنفير منهم، وأسأل
الله لي ولهم الشفاء من كل ما يعيبنا أو يضرنا في ديننا أو دنيانا.
الآثار المترتبة على الوقيعة في العلماء:
إن
هناك عواقب وخيمة، ونتائج خطيرة، وآثاراً سلبية على أكل لحوم العلماء،
والوقوع في أعراضهم يدرك تلك الآثار من تأمل في الواقع، ووسع أفقه، وأبعد
نظره وإليك أهمها:
1-إن جرح العالم سبب في رد ما يقوله من الحق.
إن جرح العالم ليس جرحاً شخصياً، كأي جرح في رجل عامي، ولكنه جرح بليغ الأثر، يتعدى الحدود الشخصية، إلى رد ما يحمله العالم من الحق.
2-إن جرح العالم جرح للعلم الذي معه وهو ميراث النبي صلى الله عليه وسلم.
إذ العلماء ورثة الأنبياء فجرح
العالم جرح للنبي صلى الله عليه وسلم وهذا هو معنى قول ابن عباس رضي الله
عنه: "أن من آذى فقيهاً فقد آذى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن آذى
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد آذى الله جل وعلا"
3-أن جرح العلماء سيؤدي إلى بعد طلاب العلم عن علماء الأمة.
وحيئنذ يسير الطلاب في طريقهم بدون مرشدين، فيتعرضون للأخطار والأخطاء ويقعون في الشطط والزلل، وهذا ما نخشاه على شبابنا اليوم.
4-أن تجريح العلماء تقليل لهم في نظر العامة وذهاب لهيبتهم وقيمتهم في صدروهم.
وهذا يسر أعداء الدين ويفرحهم،
ولقد سقطت قيمة العلماء عند العامة في كثير من الدول الإسلامية، لأن
العلمنة سلطت سهامها عليهم فشوهت صورهم ولطخت سمعتهم.
5-تمرير مخططات الأعداء.
ومن الأمثلة الواقعية لذلك: الطعن في رجال الحسبة والقضاة والدعاة:
والحمدلله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين.
جمع وترتيب/ زينب يوسف السويد
دار الوطن