خرج بن وهب انه قال : عليكم بالعلم قبل أن يقبض ، وقبضه بذهاب أهله . عليكم بالعلم فإن أحدكم لا يدري متى يفتقر إلى ما عنده . وستجدون أقواماً يزعمون أنهم يدعون إلى كتاب الله وقد نبذوه وراء ظهورهم ، فعليكم بالعلم وإياكم والتبدع والتنطع والتعمق وعليكم بالعتيق .
وعنه أيضاً : ليس عام إلا والذي بعده شر منه . لا أقول : عام أمطر من عام ، ولا عام أخصب من عام ، ولا أمير خير من أمير ، ولكن ذهاب علمائكم وخياركم ثم يحدث قوم يقيسون الأمور بآرائهم فيهدم الإسلام ويثلم .
وقال أيضاً : كيف أنتم إذا ألبستم فتنةً يهرم فيها الكبير وينشأ فيها الصغير تجري على الناس يحدثونها سنة . وإذا غيرت ، قيل : هذا منكر .
وقال أيضاً : أيها الناس ! لا تبتدعوا ولا تنطوا ولا تعمقوا ، وعليكم بالعتيق خذوا ما تعرفون ودعوا ما تنكرون .
وعنه أيضاً : القصد في السنة خير من الاجتهاد في البدعة .
وقد روي معناه مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم :
"عمل قليلخرج الآجري عن السائب بن يزيد قال : أتى عمر بن الخطاب فقالوا : يا أمير المؤمنين إنا لقينا رجلاً يسأل عن تأويل القرآن ، فقال : اللهم أمكني منه ، قال : فبينما عمر ذات يوم يغدي الناس إذ جاءه عليه ثياب وعمامة فتغدى حتى إذا فرغ قال : يا أمير المؤمنين "والذاريات ذروا * فالحاملات وقرا" فقال عمر : أنت ، هو ؟ فقام غليه محسراً عن ذراعيه فلم يزل يجلده حتى سقطت عمامته فقال : والذي نفسي بيده لو وجدتك محلوقاً لضربت رأسك ، ألبسوه ثيابه واحملوه على قتب ثم أخرجوه حتى تقدموا به بلاده ، ثم ليقم خطيباً ثم ليقل : إن صبيغاً طلب العلم فأخطأ فلم يزل وضيعاً في قومه حتى هلك ، وكان سيد قومه .
وخرج ابن المبارك وغيره عن أبي بن كعب أنه قال : عليكم بالسبيل والسنة ، فإنه ما على الأرض من عبد على السبيل والسنة ذكر الله ففاضت عيناه من خشية الله فيعذبه الله أبداً . وما على الأرض من عبد على السبيل والسنة ذكر الله في نفسه فاقشعر جلده من خشية الله إلا كان مثله كمثل شجرة قد يبس ورقها فهي كذلك إذا أصابتها ريح شديدة فتحات عنها ورقها إلا حط الله عنه خطاياه كما تحات عن الشجرة ورقها ، فإن اقتصاداً في سبيل الله وسنة خير من اجتهاد في خلاف سبيل الله وسنة ، وانظروا أن يكون عملكم إن كان اجتهاداً واقتصاداً أن يكون على منهاج الأنبياء وسنتهم .
وخرج ابن وضاح عن ابن عباس قال : ما يأتي على الناس من عام إلا أحدثوا فيه بدعة وأماتوا سنة ، حتى تحيا البدع وتموت السنن .
وعنه أنه قال : عليكم بالاستفاضة والأثر وإياكم والبدع .
وخرج ابن وهب عنه أيضاً قال : من أحدث رأياً ليس في كتاب الله ولم تمض به سنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يدر ما هو عليه إذا لقي الله عز وجل . في سنة ، خير من عملوخرج أبو داود وغيره عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه قال يوماً : إن من ورائكم فتناً يكثر فيها المال ، ويفتح فيه القرآن ، حتى يأخذه المؤمن والمنافق ، والرجل ، والمرأة ، والصغير، والكبير ، والعبد ، والحر، فيوشك قائل أن يقول ، ما للناس لا يتبعوني وقد قرأت القرآن ؟ ما هم بمتبعي حتى أبتدع لهم غيره ، وإياكم وما ابتدع فإن ما ابتدع ضلالة ، وأحذركم زيغة الحكيم فإن الشيطان قد يقول كلمة الضلالة على لسان الحكيم ، وقد يقول المنافق كلمة الحق .
قال الراوي : قلت لمعاذ : وما يدريني يرحمك الله إن الحكيم قد يقول كلمة ضلالة ، وإن المنافق قد يقول كلمة الحق ؟ قال : بلى ! اجتنب من كلام الحكيم غير المشتهرات التي يقال فيها : ما هذه ؟ ولا يثنينك ذلك عنه ، فإنه لعله أن يراجع وتلق الحق إذا سمعته فإن على الحق نوراً .
وفي رواية مكان المشتهرات المشتبهات وفسر بأنه ما تشابه عليك من قول حتى يقال : ما أراد بهذه الكلمة ؟ ويريد ـ والله أعلم ـ ما لم يشتمل ظاهره على مقتضى السنة حتى تنكره القلوب ويقول الناس : ما هذه ؟ وذلك راجع إلى ما يحذر من زلة العالم حسبما يأتي بحول الله .
ومما جاء عمن بعد الصحابة رضي الله عنهم ما ذكر ابن وضاح عن الحسن قال : صاحب البدعة لا يزداد اجتهاداً ، صياماً وصلاةً ، إلا ازداد من الله بعداً .
وخرج ابن وهب عن أبي إدريس الخولاني أنه قال : لأن أرى في المسجد ناراً لا أستطيع إطفاءها ، أحب إلي من أن أرى فيه بدعة لا أستطيع تغييرها .
وعن الفضيل بن عياض : اتبع طرق الهدى ولا يضرك قلة السالكين ، وإياك وطرق الضلالة ولا تغتر بكثرة الهالكين .
وعن الحسن : لا تجالس صاحب هوى فيقذف في قلبك ما تتبعه عليه فتهلك ، أو تخالفه فيمرض قلبك . كثير في بدعة" .