منتديات اقرأ معنـا
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


قال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم :{إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاثة: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعوا له}
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخولتسجيل دخول الاعضاء
بسم الله الرحمن الرحيم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته , المنتدى تابع لشركة احلى منتدى والخدمة والصيانة مدى الحياة , وأعضاؤنا قدموا 33879 مساهمة في هذا المنتدى وهذا المنتدى يتوفر على 8838 عُضو , للإستفسار يرجى التواصل معي عن طريق إرسال رسالة شخصية .. ولكم فائق تحياتي وتقديري , المدير العام : علي أسامة (لشهب أسامة)
Cool Yellow
Outer Glow Pointer

 

  موسى عليه السلام والعبد الصالح..

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
علي أسامة (لشهب أسامة)
المدير العام
المدير العام
علي أسامة (لشهب أسامة)


الأوسمة وسام العضو المميز
 موسى عليه السلام والعبد الصالح.. 41627710
الجنـسية : gzaery
البلد : الجزائر
الجنـــس : ذكر
المتصفح : fmfire
الهواية : sports
عدد المساهمات : 26932
التقييم : 0
تاريخ التسجيل : 24/10/2008
العمر : 31
الموقع : https://readwithus.yoo7.com/
المزاج : nice
توقيع المنتدى + دعاء : توقيع المنتدى + دعاء

 موسى عليه السلام والعبد الصالح.. Empty
مُساهمةموضوع: موسى عليه السلام والعبد الصالح..    موسى عليه السلام والعبد الصالح.. I_icon_minitimeالخميس 8 سبتمبر - 9:00

 موسى عليه السلام والعبد الصالح.. 315340

موسى والعبد الصالح:


قال تعالى: (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى
أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا)[1].
كان لموسى عليه السلام هدف من رحلته هذه التي اعتزمها،, وأنه كان يقصد من ورائها امرأ، فهو
يعلن عن تصميمه على بلوغ مجمع البحرين مهما تكن المشقة، ومهما يكن الزمن الذي ينفه
في الوصول.

نرى أن القرآن الكريم لا يحدد لنا المكان الذي وقت فيه الحوا دث،
ولا يحدد لنا التاريخ، كما أنه لم يصرح بالأسماء. ولم يبين ماهية العبد الصالح الذي التقاه
موسى، هل هو نبي أو رسول؟ أم عالم؟ أمولي؟

اختلف المفسرون في تحديد المكان، فقيل إنه بحر فارس والروم،
وقيل بل بحر الأردن أو القلزم، وقيل عند طنجة،وقيل في أفريقيا، وقيل هو بحر
الأندلس ولا يقوم الدليل على صحة مكان من هذه الأمكنة، ولو كان تحديد المكان
مطلوبا لحدده الله تعالى وإنما أبهم السياق القرآني المكان، كما أبهم تحديد
الزمان، كما ضبب أسماء الأشخاص لحكمة عليا.

إن القصة تتعلق بعلم ليس هو علمنا القائم على الأسباب..
وليس هو علم الأنبياء القائم على الوحي.. إنما نحن أمام علم من طبيعة غامضة أشد
الغموض.. علم القدر الأعلى، وذلك علم أسدلت عليه الأستار الكثيفة.. مكان اللقاء
مجهول كما رأينا.. وزمان اللقاء غير معروف هو الآخر.. لا نعرف متى تم لقاء موسى
بهذا العبد.


وهكذا تمضي القصة بغير أن تحدد لك سطورها مكان وقوع
الأحداث، ولا زمانه، يخفي السياق القرآني أيضا اسم أهم أبطالها.. يشير إليه الحق تبارك
وتعالى بقوله: (عَبْداً مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ
رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً)[2]هو عبد أخفى السياق القرآني اسمه.. هذا العبد هو الذي يبحث
عنه موسى ليتعلم منه.

لقد خص الله تعالى نبيه الكريم موسى عليه السلام بأمور
كثيرة. فهو كليم الله عز وجل، وأحد أولي العزم من الرسل، وصاحب معجزة العصا واليد، والنبي الذي أنزلت عليه التوراة دون واسطة،
وإنما كلمه الله تكليما هذا النبي العظيم يتحول في القصة إلى طالب علم متواضع يحتمل
أستاذه ليتعلم ومن يكون معلمه غير هذا العبد الذي يتجاوز السياق القرآني اسمه،
وإن حدثتنا السنة المطهرة أنه هو الخضر عليه السلام كما حدثتنا أن الفتى هو يوشع بن نون، ويسير موسى مع العبد الذي يتلقى علمه من الله
بغير أسباب التلقي الني نعرفها.

ومع منزلة موسى العظيمة إلا أن الخضر يرفض صحبة موسى
يفهمه أنه لن يستطيع معه صبرا ثم يوافق على صحبته بشرط ألا يسأله موسى عن شيء حتى
يحدثه الخضر عنه، والخضر هو الصمت المبهم ذاته، إنه لا يتحدث، وتصرفاته تثير
دهشة موسى العميقة إن هناك تصرفات يأتيها الخضر وترتفع أمام عيني موسى حتى
لتصل إلى مرتبة الجرائم والكوارث وهناك تصرفات تبدو لموسى بلا معنى وتثير تصرفات
الخضر دهشة موسى ومعارضته ورغم علم موسى ومرتبته، فإنه يجد نفسه في حيرة
عميقة من تصرفات هذا العبد الذي آتاه الله من لدنه علما.


وقد اختلف العلماء في الخضر: فيهم من يعتبره وليا من
أولياء الله، وفيهم من يعتبره نبيا وقد نسجت الأساطير نفسها حول حياته ووجوده،
فقيل إنه لا يزال حيا إلى يوم القيامة، وهي قضية لم ترد بها نصوص أو آثار يوثق
فيها، فلا نقول فيها إلا أنه مات كما يموت عباد الله وتبقى قضية ولايته، أو نبوته
وسنرجئ الحديث في هذه القضية حتى ننظر فيقصته.


قام موسى خطيبا في بني إسرائيل، يدعوهم إلى الله ويحدثهم
عن الحق، ويبدو أن حديثه جاء جامعا مانعا رائعا.. بعد أن انتهى من خطابه سأله أحد
المستمعين من بني إسرائيل: هل على وجه الأرض أحداعلم منك يا نبي الله؟
قال موسى
مندفعا: لا.


وساق الله تعالى عتابه لموسىحين لم يرد العلم إليه، فبعث إليه
جبريل يسأله: يا موسى ما يدريك أين يضع الله علمه؟
أدرك موسى أنه
تسرع.. وعاد جبريل، عليه السلام، يقول له: إن لله عبدا بمجمع البحرين هو أعلم منك.


تاقت نفس موسى الكريمة إلى زيادة العلم، وانعقدت نيته على
الرحيل لمصاحبة هذا العبد العالم.. سأل كيف السبيل إليه.. فأمر أن يرحل، وأن يحمل معه
حوتا في مكتل، أي سمكة في سلة.. وفي هذا المكان الذي ترتد فيه الحياة لهذا الحوت
ويتسرب في البحر، سيجد العبد العالم.. انطلق موسى طالب العلم ومعه فتاه.. وقد حمل
الفتى حوتا في سلة.. انطلقا بحثا عن العبد الصالح العالم.. وليست لديهم أي علامة
على المكان الذي يوجد فيه إلا معجزة ارتداد الحياة للسمكة القابعة في السلة وتسربها
إلى البحر.


ويظهر عزم موسى عليه السلام على العثور على هذا العبد
العالم ولو اضطره الأمر إلى أن يسير أحقابا وأحقابا. قيل أن الحقب عام، وقيل
ثمانون عاما. على أية حال فهو تعبير عن التصميم،لا عن المدة على وجه التحديد.


وصل الاثنان إلى صخرة جوارالبحر.. رقد موسى واستسلم للنعاس،
وبقي الفتى ساهرا.. وألقت الرياح إحدى الأمواج على الشاطئ فأصاب الحوت رذاذ فدبت
فيه الحياة وقفز إلى البحر. (فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي
الْبَحْرِ سَرَباً)[3].. وكان تسرب الحوت إلى البحر علامة أعلم الله
بها موسى لتحديد مكان لقائه بالرجل الحكيم الذي جاء موسى يتعلم منه.


نهض موسى من نومه فلم يلاحظ أن الحوت تسرب إلى البحر..
ونسي فتاه الذي يصحبه أن يحدثه عما وقع للحوت.. وسار موسى مع فتاه بقية يومهما
وليلتهما وقد نسيا حوتهما.. ثم تذكر موسى غداءه وحل عليه التعب.. (قَالَ
لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن
سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا)[4].. ولمع في ذهن الفتى ماوقع ، ساعتها تذكر الفتى كيف تسرب الحوت إلى البحر هناك..
وأخبر موسى بما وقع، واعتذر إليه بأن الشيطان أنساه أنيذكر له ما وقع، رغم غرابة ما وقع،
فقد اتخذ الحوت(سَبِيلَهُ
فِي الْبَحْرِ عَجَبًا)[5].. كان أمرا عجيبا ما رآه يوشع بن نون، لقد رأى الحوت يشق الماء
فيترك علامة وكأنه طير يتلوى على الرمال.

سعد موسى من مروق الحوت إلى البحر و(قَالَ
ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ)[6].. هذا ما كنا نريده.. إن تسرب الحوت يحدد
المكان الذي سنلتقي فيه بالرجل العالم.. ويرتد موسى وفتاه يقصان أثرهما عائدين.. انظر
إلى بداية القصة، وكيف تجيء غامضة أشد الغموض،مبهمة أعظم الإبهام.


أخيرا وصل موسى إلى المكان الذي تسرب منه الحوت وصلا إلى
الصخرة التي ناما عندها، وتسرب عندها الحوت من السلة إلى البحر وهناك وجدا رجلا.


فسلم عليه موسى، فكشف عن وجهه وقال: هل بأرضك
سلام؟ من أنت؟

قال موسى: أنا موسى.

قال الخضر: موسى بني إسرائيل.. عليك السلام يا نبي إسرائيل.


قال موسى: وما أدراك بي..؟


قال الخضر: الذي أدراك بي ودلك علي..
ماذا تريد يا موسى..؟

قال موسى ملاطفا مبالغا في التوقير: (هَلْ
أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا)[7].


قال الخضر: أما يكفيك أن التوراة
بيديك.. وأن الوحي يأتيك..؟ يا موسى (إِنَّكَ لَن
تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً)[8].


نريد أن نتوقف لحظة لنلاحظ الفرق بين سؤال موسى الملاطف
المغالي في الأدب.. ورد الخضر الحاسم، الذي يفهم موسى أن علمه لا ينبغي لموسى أن يعرفه،
كما أن علم موسى هو علم لا يعرفه الخضر.. يقولا لمفسرون إن الخضر قال لموسى: إن
علمي أنت تجهله.. ولن تطيق عليه صبرا، لأن الظواهر التي ستحكم بها على علمي لن تشفي
قلبك ولن تعطيك تفسيرا، وربما رأيت في تصرفاتي مالا تفهم له سببا أو تدري له علة..
وإذن لن تصبر على علمي يا موسى.

احتمل موسى كلمات الصد القاسية وعاد يرجوه أن يسمح له
بمصاحبته والتعلم منه.. وقال له موسى فيما قال إنه سيجده إن شاء الله صابرا ولا يعصي
له أمرا.


تأمل كيف يتواضع كليم الله ويؤكد للعبد المدثر بالخفاء أنه
لن يعصي له أمرا.

قال الخضر لموسى عليهما السلام إن هناك شرطا يشترطه لقبول
أن يصاحبه موسى ويتعلم منه هو ألا يسأله عن شيءحتى يحدثه هو عنه.. فوافق موسى على
الشرط وانطلقا..


انطلق موسى مع الخضر يمشيان على ساحل البحر.. مرت
سفينة، فطلب الخضر وموسى من أصحابها أن يحملوهما، وعرف أصحاب السفينة الخضر فحملوه
وحملوا موسى بدون أجر، إكراما للخضر، وفوجئ موسى حين رست السفينة وغادرها أصحابها
وركابها.. فوجئ بأن الخضر يتخلف فيها، لم يكد أصحابها يبتعدون حتى بدأ الخضر يخرق
السفينة.. اقتلع لوحا من ألواحها وألقاه في البحر فحملته الأمواج بعيدا.


فاستنكر موسى فعلة الخضر. لقد حملنا أصحاب السفينة
بغير أجر.. أكرمونا.. وها هو ذا يخرق سفينتهم ويفسدها.. كان التصرف من وجهة نظر
موسى معيبا.. وغلبت طبيعة موسى المندفعة عليه،كما حركته غيرته على الحق، فاندفع
يحدث أستاذه ومعلمه وقد نسي شرطه الذي اشترطه عليه: (قَالَ
أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً)[9].


وهنا يلفت العبد الرباني نظر موسى إلى عبث محاولة التعليم
منه، لأنه لن يستطيع الصبر عليه (قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن
تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا)، ويعتذر موسى بالنسيان ويرجوه ألا يؤاخذه وألا يرهقه(قَالَ لَا
تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِيعُسْراً)[10].


سارا معا.. فمرا على حديقة يلعب فيها الصبيان.. حتى إذا
تعبوا من اللعب انتحى كل واحد منهم ناحية واستسلم للنعاس.. فوجئ موسى بأن العبد
الرباني يقتل غلاما.. ويثور موسى سائلا عن الجريمة التي ارتكبها هذا الصبي ليقتله
هكذا.. يعاود العبد الرباني تذكيره بأنه أفهمه أنه لن يستطيع الصبر عليه (قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْراً)[11].. ويعتذر موسى بأنه نسي ولن يعاود
الأسئلة وإذا سأله
مرة أخرى سيكون من حقه أن يفارقه(قَالَ إِن سَأَلْتُكَ عَن شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلَا
تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِن لَّدُنِّي عُذْراً)[12].


ومضى موسى مع الخضر.. فدخلا قرية بخيلة.. لا يعرف موسى
لماذا ذهبا إلى القرية، ولا يعرف لماذا يبيتان فيها، نفذ ما معهما من الطعام،
فاستطعما أهل القرية فأبوا أن يضيفوهما.. وجاء عليهما المساء، وأوى الاثنان إلى
خلاء فيه جدار يريد أن ينقض.. جدار يتهاوى ويكاديهم بالسقوط.. وفوجئ موسى بأن
الرجل العابد ينهض ليقضي الليل كله في إصلاح الجدار وبنائه من جديد.. ويندهش موسى من
تصرف رفيقه ومعلمه، إن القرية بخيلة، لا يستحق من فيها هذا العمل المجاني(قَالَ لَوْ
شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً)[13].. انتهى الأمر بهذه العبارة.. قال
عبد الله لموسى: (هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ)[14].


لقد حذر العبد الرباني موسى من مغبة السؤال. وجاء دور
التفسير الآن..


إن كل تصرفات العبد الرباني التي أثارت موسى وحيرته
لم يكن حين فعلها تصدر عن أمره.. كان ينفذ إرادة عليا.. وكانت لهذه الإرادة العليا
حكمتها الخافية، وكانت التصرفات تشي بالقسوة الظاهرة، بينما تخفي حقيقتها رحمة
حانية.. وهكذا تخفي الكوارث أحيانا في الدنيا جوهر الرحمة، وترتدي النعم ثياب
المصائب وتجيد التنكر، وهكذا يتناقض ظاهر الأمر وباطنه، ولا يعلم موسى، رغم علمه
الهائل غير قطرة من علم العبد الرباني، ولا يعلم العبد الرباني من علم الله إلا
بمقدار ما يأخذ العصفور الذي يبلل منقاره في البحر،من ماء البحر..


كشف العبد الرباني لموسى شيئين في الوقت
نفسه.. كشف له أن علمه أي علم موسى محدود.. كما كشف له أن كثيرا من المصائب التي تقع على الأرض
تخفي في ردائها الأسود الكئيب رحمة عظمى.


إن أصحاب السفينة سيعتبرون خرق سفينتهم مصيبة جاءتهم، بينما
هي نعمة تتخفى في زي المصيبة.. نعمة لن تكشف النقاب عن وجهها إلا بعد أن تنشب
الحرب ويصادر الملك كل السفن الموجودة غصبا، ثم يفلت هذه السفينة التالفة
المعيبة.. وبذلك يبقى مصدر رزق الأسرة عندهم كما هو، فلا يموتون جوعا.


أيضا سيعتبر والد الطفل المقتول وأمه أن كارثة قد دهمتهما
لقتل وحيدهما الصغير البريء.. غير أن موته يمثل بالنسبة لهما رحمة عظمى، فإن الله
سيعطيهما بدلا منه غلاما يرعاهما في شيخوختهما ولا يرهقهما طغيانا وكفرا كالغلام
المقتول.


وهكذا تختفي النعمة في ثياب المحنة، وترتدي الرحمة قناع
الكارثة، ويختلف ظاهر الأشياء عن باطنها حتى ليحتج نبي الله موسى إلى تصرف يجري
أمامه، ثم يستلفته عبد من عباد الله إلى حكمة التصرف ومغزاه ورحمة الله الكلية التي
تخفي نفسها وراء أقنعة عديدة.

أما الجدار الذي أتعب نفسه بإقامته، من غير أن يطلب أجرا من
أهل القرية، كان يخبئ تحته كنزا لغلامين يتيمين ضعيفين في المدينة. ولو ترك الجدار
ينقض لظهر من تحته الكنز فلم يستطع الصغيران أن يدفعا عنه.. ولما كان أبوهما
صالحا فقد نفعهما الله بصلاحه في طفولتهما وضعفهما،فأراد أن يكبرا ويشتد عودهما
ويستخرجا كنزهما وهما قادران على حمايته.


ثم ينفض الرجل يده من الأمر. فهي رحمة الله التي اقتضت
هذا التصرف. وهو أمر الله لا أمره. فقد أطلعه على الغيب في هذه المسألة وفيما
قبلها، ووجهه إلى التصرف فيها وفق ما أطلعه عليه منغيبه.


واختفى هذا العبد الصالح.. لقد مضى في المجهول كما خرج من المجهول.. إلا أن موسى
تعلم من صحبته درسين مهمين:

تعلم ألا يغتر بعلمه في الشريعة، فهناك علم الحقيقة.


وتعلم ألا يتجهم قلبه لمصائب البشر، فربما تكون يد
الرحمة الخالقة تخفي سرها من اللطف والإنقاذ، والإيناس وراء أقنعة الحزن والآلام والموت.


هذه هي الدروس التي تعلمها موسى كليم الله عز وجل ورسوله من
هذا العبد المدثر بالخفاء.

والآن من يكون صاحب هذا العلم إذن..؟ أهو ولي أم نبي..؟


يرى كثير من الصوفية أن هذا العبد الرباني ولي من أولياء
الله تعالى، أطلعه الله على جزء من علمه اللدني بغير أسباب انتقال العلم
المعروفة.. ويرى بعض العلماء أن هذا العبد الصالح كان نبيا.. ويحتج أصحاب هذا الرأي بأن
سياق القصة يدل على نبوته من وجوه:

أحدها قوله تعالى: (فَوَجَدَاعَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ
رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا
عِلْمًا)[15]


والثاني قول موسى له: (قَالَلَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ
مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (66) قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (68) قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا (69) قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا
تَسْأَلْنِي عَن شَيْءٍ حَتَّ ىأُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا)[16].


فلو كان وليا ولم يكن نبي،لم يخاطبه موسى بهذه المخاطبة،
ولم يرد على موسى هذا الرد. ولو أنه كان غير نبي،لكان هذا معناه أنه ليس معصوما،
ولم يكن هناك دافع لموسى، وهو النبي العظيم، وصاحب العصمة، أن يلتمس علما من ولي غير
واجب العصمة.


والثالث أن الخضر أقدم على قتل ذلك الغلام بوحي من الله
وأمر منه.. وهذا دليل مستقل على نبوته، وبرهان ظاهر على عصمته، لأن الولي لا يجوز
له الإقدام على قتل النفوس بمجرد ما يلقى فيخلده، لأن خاطره ليس بواجب
العصمة.. إذ يجوز عليه الخطأ بالاتفاق.. وإذن ففي إقدام الخضر على قتل الغلام دليل نبوته.


والرابع قول الخضر لموسى: (رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي)[17]


يعني أن ما فعلته لم أفعله من تلقاء نفسي، بل أمر أمرت به
من الله وأوحي إلي فيه.

فرأى العلماء أن الخضر نبيا، أما العباد والصوفية رأوا
أنه وليا من أولياء الله.

ومن كلمات الخضر التي أوردها الصوفية عنه.. قول وهب بن منبه: قال
الخضر: يا موسى إن الناس معذبون في الدنيا على قدر همومهم بها. وقول بشر بن
الحارث الحافي.. قال موسى للخضر: أوصني.. قال الخضر: يسر الله عليك طاعته.


ونحن نميل إلى اعتباره نبيا لعلمه
اللدني، غير أننا لانجد نصا في سياق القرآن على نبوته، ولا نجد نصا مانعا من
اعتباره وليا آتاه الله بعض علمه اللدني.. ولعل هذا الغموض حول شخصه الكريم جاء
متعمدا، ليخدم الهدف الأصلي للقصة.. ولسوف نلزم مكاننا فلا نتعداه ونختصم حول نبوته
أو ولايته.. وإن أوردناه في سياق أنبياء الله، لكونه معلما لموسى.. وأستاذا له فترة
من الزمن.


[1]سورة الكهف 60

[2]سورة الكهف 65

[3]سورة الكهف 61

[4]سورة الكهف 62

[5]سورة الكهف 63

[6]سورة الكهف 64

[7]سورة الكهف 66

[8]سورة الكهف 67

[9]سورة الكهف 71

[10]سورة الكهف 73

[11]سورة الكهف 75

[12]سورة الكهف 76

[13]سورة الكهف 77

[14]سورة الكهف 78

[15]سورة الكهف 65

[16]سورة الكهف من 66 إلى 70

[17]سورة الكهف 82



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://readwithus.yoo7.com
 
موسى عليه السلام والعبد الصالح..
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  في محراب موسى عليه السلام
»  قصة موسى و هارون و يوشع عليهم السلام
»  لوط عليه السلام

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات اقرأ معنـا :: ˆ~¤®§][©][ منتدى الإسلام و الســـنة ][©][§®¤~ˆ :: القرآن الكريم-
انتقل الى: