أتدرون ما هو الحج المبرور ؟
الحمد لله الولي الحميد الفعال لما يريد , الذي خضعت له الرقاب وذلت له
جميع العبيد , وأشهد أن لا إله إلا الله وحده , لا شريك له ولا نديد , وأن
محمدا عبده ورسوله , سيد الرسل وخلاصة العبيد ; اللهم صل على محمد , وعلى
آله وأصحابه أولي الأخلاق الفاضلة والقول السديد , ومن تبعهم بإحسان إلى
يوم الوعد والوعيد , وسلم تسليما .
أما بعد , أيها الناس , اتقوا الله الملك العلام , وبادروا إلى حج بيته
الحرام , واغتنموا ما فيه من الأجور العظيمة ومغفرة الذنوب والآثام ; أما
علمتم أن الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة , وأنه ينفي الفقر والذنوب
ويوجب كل خير من ذي الكرم والمنة ؟ أتدرون ما هو الحج المبرور ؟ هو الذي
جمع بين الإخلاص والمتابعة : الإخلاص للمعبود والمتابعة للرسول ; أما
الإخلاص : فأن يقصد العبد بحجه وجه ربه وطلب رضوانه , والفوز بمغفرته
وثوابه وجنانه , فيكون العبد محتسبا في همه ونصبه ونفقاته , راجيا للثواب
في حله وترحاله وسعيه وخطواته , عالما أنه في عبادة متصلة من خروجه من وطنه
بل من شروعه في استعداده وجمع آلاته , فهو في عبادة في جميع حركاته
وسكناته , إلى أن يرجع إلى مقره حائزا للسلامة والقبول والغنيمة الرابحة
ومضاعفة حسناته ; وأما المتابعة للرسول : فأن يقتدي به في حجه وعمرته في
أقواله وأفعاله , فإنه قال : ( خذوا عني مناسككم ) وهذا شامل لجميع أحواله .
وقد أمر أصحابه الذين لم يسوقوا الهدي أن يحرموا بالعمرة , متمتعين بها
إلى الحج , فعندما يأتي أحدكم الميقات فليغتسل ويتنطف ويتطيب , ثم ليتجرد
من اللباس المعتاد ويلبس إزارا ورداء أبيضين نظيفين ونعلين ; ثم إذا صلى
الصلاة الحاضرة نوى الإحرام بالعمرة متمتعا بها إلى الحج , فيقول على وجه
الإخلاص والتعظيم , والخضوع للملك العظيم : لبيك عمرة , ثم ليهل بالتلبية
والتوحيد : لبيك اللهم لبيك , لبيك لا شريك لك لبيك , إن الحمد والنعمة لك
والملك لا شريك لك .
هذه تلبية النبي صلى الله عليه وسلم , فلا يزال أحدكم يلبي بها , وكلما كرر التلبية عدة مرات ذكر فيها نسكه . لبيك عمرة .
ثم اعلموا أن المقصود من كشف الرأس ولبس الإحرام ونزع المخيط , هو
الانكسار والذل والإنابة للرب المحيط , فليكن الخشوع ملازما لكم في ظاهركم
وباطنكم , وفي أقوالكم وأفعالكم , الإهلال بالتلبية شعاركم , وآثار الذل من
هيئة الإحرام وصفته دثاركم , والخشوع والخضوع ملء قلوبكم , والطمع في
مغفرة الله ورحمته وأجره غاية مطلوبكم .
وعند وصولكم ودخولكم للمسجد الحرام , فارفعوا قلوبكم وأكفكم وأصواتكم للملك
العلام , قائلين : " اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال
والإكرام ; اللهم زد هذا البيت تشريفا وتعظيما ومهابة وبرا , وزد من عظمه
ممن حجه واعتمره تشريفا وتعظيما وتكريما ومهابة وبرا . الحمد لله رب
العالمين "
, ثم أسرعوا في طواف العمرة خاشعين , واستلموا الحجر الأسود مقبلين ,
قائلين : " بسم الله والله أكبر , اللهم إيمانا بك , وتصديقا بكتابك ووفاء
بعهدك , واتباعا لسنة نبيك محمد " , وأفضل ما ينبغي أن يقال في الطواف
والسعي وسائر المناسك : أن يكثر من ذكر الله والتسبيح والتحميد والتكبير ,
فإنما شرعت جميع المناسك لإقامة ذكر الملك الكبير , وليدع أحدكم بما أحب من
خير الدنيا والآخرة , فإن الله يسبغ على عباده في تلك المشاعر والمواقف
النعم الباطنة والظاهرة , فإذا فرغتم من الطواف فصلوا ركعتين خلف المقام .
ثم عودوا إلى البيت والحجر بالاستلام . واخرجوا إلى السعي من باب الصفا ,
ناوين سعي العمرة بالتمام والوفاء , وقولوا : { إن الصفا والمروة من شعائر
الله } [ سورة البقرة : الآية 158 ]
وقفوا على الصفا والمروة مستقبلي القبلة , وكبروا الله وهللوه ثلاثا ,
وقولوا : " لا إله إلا الله وحده , لا شريك له , له الملك وله الحمد وهو
على كل شيء قدير ; لا إله إلا الله , وحده , صدق وعده , ونصر عبده , وهزم
الأحزاب وحده " كرروا ذلك ثلاثا ,
ثم انزلوا ماشين متضرعين , ساعين بين الميلين الأخضرين , بنبيكم مقتدين ,
ثم احلقوا وقصروا عند الفراغ والتمام , راجين من ربكم القبول والمغفرة وحسن
الختام .
وبهذا قد تمت عمرتكم , فالبسوا ثيابكم , واحمدوه وسلوه أن يغفر لكم ويجزل
ثوابكم ; ثم لا تزالون بحلكم مستمتعين , حتى يكون يوم التروية فتخرجوا إلى
منى وعرفات بالحج محرمين , واقفين في تلك المشاعر داعين مستغفرين , متممين
لنسككم قاضين تفثكم ببيت ربكم مطوفين , تسألون ربكم أن يجعله حجا مبرورا
وسعيا مشكورا وذنبا مغفورا وعملا مقبولا وأجرا موفورا : { الحج أشهر
معلومات } الآيات [ سورة البقرة : الآيات 197 وما بعدها ]
للاستزادة مجموع خطب الشيخ عبدالرحمن السعدي( رحمه الله) في المواضيع النافعة
المصدر