بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك
أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا و انفعنا بما علمتنا و زدنـا علماً و أرنا الحق حقاً و ارزقنا إتباعه، و أرنا الباطل
باطلاً و ارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، و أدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الأخوة الكرام: مع أنه بقي لشهر الصوم أقل من أسبوعين أردت أن يكون موضوع الدرس عن شهر
الصيام والسبب كما قلت في درس سابق في غير هذا المسجد إن أردت أن تكون في هذه النقطة بسرعة مائة لابد من
أن تنطلق قبل هذه النقطة كي تتصاعد سرعتك في هذا النقطة، يعني إذا أردت أن يصح صيامك من أول يوم لابد من أن
تستعد لهذا الشهر الكريم منذ الآن، الأشياء العظيمة الجليلة يستعد لها من وقت طويل، أولاً هل تصدق أنك أمام فرصة
سنوية كي يغفر لك كل ذنب اقترفته في الماضي، حينما صعد النبي المنبر عليه الصلاة والسلام فقال أمين، ثم صعد
الدرجة الثانية فقال أمين، ثم صعد الدرجة الثالثة فقال أمين، فقالوا: يا رسول الله على ما أمنت، قال: جاءني جبريل
وقال لي: رغم أنف عبد أدرك رمضان فلم يغفر له، إن لم يغفر له فمتى.
لو أن إنساناً عليه مائة ألف دين لأشخاص عديدين، أتيح له أن تسقط كل هذه الديون بلقاء واحد مع إنسان، إن التقيت
مع فلان كل هذه الديون تسقط ألا تحرص على هذا اللقاء ؟ إن كانت ديون لأشخاص وكان هناك فرصة كي يزاح
عنك كل هذه الديون ألا تحرص على هذا اللقاء، نحن بعد أسبوع وأكثر أمام فرصة كي يغفر لنا كل ذنب، لقول النبي
عليه الصلاة والسلام:
((عَن
أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا
تَقَدَّمَ مِنْ
ذَنْبِهِ))
ألا تحب أن الماضي كله أن تسامح به، أن تغفر لك كل ذنوب الماضي " عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ
((النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ
يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ))
الحج فرصة والصيام فرصة، ونحن مع هذه الفرصة، بإمكانك أن تفتح مع الله صفحة جديدة في رمضان، أو بإمكانك
أن تفتح مع الله صفحة جديدة في شوال، إذا صمت رمضان إيماناً واحتساباً غفر الله لك ما تقدم من ذنبك.
هذا أول شيء يشجع، الشيء الثاني من منا يحب المصيبة ؟ من منا يحب أن يعذب، من منا يحب أن يفتقر، من منا
يحب أن يمرض، من منا يحب أن يهان، عندما كان سيدنا معاذ رديف النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا الحديث البارحة
سألني أخ على الهاتف قال أريد حديثاً أضعه في إمساكية وسأخصص له أكبر مساحة قلت له أمهلني، راجعت
الأحاديث وجدت هذا الحديث خير حديث يكتب على إمساكية رمضان.
((عَنْ
مُعَاذٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كُنْتُ رِدْفَ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حِمَارٍ يُقَالُ لَهُ عُفَيْرٌ، فَقَالَ:
يَا مُعَاذُ هَلْ
تَدْرِي
حَقَّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ وَمَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ،
قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ فَإِنَّ حَقَّ اللَّهِ عَلَى
الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلا
يُشْرِكُوا
بِهِ شَيْئًا وَحَقَّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لا يُعَذِّبَ مَنْ لا
يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلا أُبَشِّرُ
بِهِ النَّاسَ، قَالَ:
لا تُبَشِّرْهُمْ فَيَتَّكِلُوا ))
ونحن على أبواب شهر عبادة من أفضل الشهور، إذاً هناك فرصتان، فرصة أن يغفر لك كل ذنب سابق أن تفتح مع الله
صفحة جديدة أن تسقط كل الديون، أن تسوى كل الحسابات، أن تغفر كل الذنوب، ومع فرصة أخرى أنك إذا عبدت الله
وحده العبادة التي أرادها الله عز وجل فلن يعذبك الله، وهذه أكبر أمنية للإنسان، أن يعيش سليماً معافى في بدنه، آمناً
في سربه، عنده قوت يومه، أن يكون له مأوىً يأوي إليه وزوجة ترضيه وأولاد أبرار هم قرة عينه، فلذلك نحن أمام
فرصة، فرصة أن تطوى كل أعمالنا السابقة وأن تغفر، وأن نفتح مع الله صفحة جديدة ومع فرصة أن يضمن الله لنا
أن لا يعذبنا لأننا نقبل على عبادته في هذا الشهر.
هذا شيء والشيء الآخر الذي أريد أن يكون واضحاً لديكم، في وسط المسلمين هناك مشكلة وهي أن الحق معروف
والحق بين، والباطل بين الحلال بين والحرام بين فما لهؤلاء الناس يقعون في الحرام وتضعف نفوسهم عن أن يأكلوا
الحلال بعضهم يعزوا ذلك إلى ضعف الإرادة، والله جل جلاله هو المربي، هو الذي يربينا في رمضان تتقوى إرادتنا
السبب، الله جل جلاله ينهانا في رمضان عن الطعام والشراب، والطعام والشراب مباح، بربكم في الإفطار لو أن
إنساناً شرب كأس من الشاي مع قطعة من الجبن ماذا فعل ؟ هل فعل شيئاً هل يشعر بوخز الضمير، هل يشعر بخجل
إذا وقف بين يدي الله عز وجل، لأنه شرب كأس ماء وأكل قطعة جبن مع الخبز ؟ لا، الله جل جلاله يمنعنا في
رمضان عن أن نأكل الطعام الذي خلقه لنا، يمنعنا عن أن نشرب، يمنعنا عن أن نلتقي بمن أحلها لنا، لا طعام ولا
شراب، ما الذي يحصل أنت أيها المؤمن تدع الطعام والشراب، فلأن تدع الغيبة والنميمة، ولأن تدع الكذب والبهتان،
ولأن تدع قول الزور، أكل أموال الناس بالباطل أولى، تتوازن أبداً أن تدع الطعام والشراب وتكذب، أن تدع الطعام
والشراب وتغتاب، أن تدع الطعام والشراب وتأكل أموال الناس بالباطل.
فربنا سبحانه وتعالى نهاك عن المباحات كي تقوى إرادتك على فعل الطاعات، أضرب لكم مثلاً بسيطاً، حينما نمضي
ثلاثين يوماً في صلاة التراويح كل يوم عشرين ركعة في أول أيام العيد حينما تصلي العشاء تراه خفيفاً جداً أربع
ركعات، اثنين سنة، ثلاثة وتر، انتهت الصلاة، أما في رمضان ساعة الصلاة عشرين ركعة الصلاة و وتر وسنة
وفرض فلذلك تجد الصلاة سهلة جداً بعد رمضان، لأن الله ألزمك أن تصلي التراويح، تجد من السهل جداً أن تستقيم
على أمر الله لأن الله منعك من المباحات، إذاً كأن رمضان شهر تقوى فيه الإرادة، شهر والله هو المربي يربيك على
ترك المباحات فلأن تدع المباحات من باب أولى، ولا أتألى على الله أكثر المسلمين يتورعون في رمضان على إطلاق
البصر في رمضان يقول لك أنا صائم وإلا الصيام ليس له معنى، ربنا عز وجل عودك بشهر أن تغض بصرك وفي هذا
الشهر أن تضبط لسانك وفي هذا الشهر أن تقرأ القرآن، وفي هذا الشهر أن تصلي الفجر في مسجد لأنه يوجد سحور
استيقظت لتتناول طعام السحور والفجر أذن والجامع قريب والليل في رمضان كالنهار، فتأتي إلى المسجد وتصلي في
جماعة، عودك أن تصلي في جماعة لعلك تعتاد على الصلاة في جماعة طوال العام.
أمرك أن تدع المباحات لعلك تتعود على ترك المحرمات طوال أشهر العام، يعني هو الله ما أرادنا أبداً أن نصعد في
رمضان ثم نعود إلى ما كنا عليه هذا الشاعر الذي قال:
رمضان ولى هاتها يا ساقي مشتاقةً تسعى إلى مشتاقِِ
هذا الشاعر ما فهم حكمة الصيام، هذا كالناقة عقلها أهلها ثم أطلقوها فلا تدري لما عقلت ولما أطلقت.
أيها الأخوة الكرام: أحياناً يوجد رسم بياني يوضح الأمور، رمضان للمؤمن درج يقفز قفزة نوعية في رمضان ويستمر
على هذه القفزة وذاك المستوى طوال العام إلى رمضان الثاني يقفز ويستمر، يقفز ويستمر فهو يتابع الترقي، كل عام
يوجد شهر يسمونها بعض الناس دورة مكثفة أحياناً ممكن إنسان يأخذ شهادة عليا بأربع سنوات، أحياناً تجري بعض
الجامعات دورة مكثفة يعني اثني عشر ساعة تدريس في اليوم وكل يوم ويوم الجمعة تدريس، ومحاضرات ووسائل
معينة وأطروحات في ستة أشهر يمكن أن تأخذ من العلوم ما تأخذه في سنتين، رمضان أيها الأخوة دورة تعبدية
مكثفة.
الذي أرجوه والذي أتمناه على أخوتنا رواد هذا المسجد وطلاب العلم الشرعي فيه أن يجعلوا من هذا الشهر شهر
عبادة كما أراد الله، الناس فعلوا العكس، شهر رمضان شهر ولائم، شهر سهرات حتى السحور، شهر إحياء الليالي في
المسامرات والأحاديث وكأن هذا الشهر شهر استجمام، شهر علاقات كثيفة جداً، هو شهر عند الله هو شهر عبادة،
شهر عزلة، شهر انكفاء على الذات، شهر تلاوة قرآن، شهر قيام الليل، شهر ملازمة المساجد، فالإنسان في هذا
الشهر، كما قلت قبل قليل لماذا جعلت هذا الدرس قبل عشرة أيام من بدء الصيام ؟ من أجل أن نهيء أنفسنا، يعني
القضايا الكبرى لا تحل في رمضان، القضايا التي فيها مشاحنة وفيها أخذ ورد حلها الآن أو أجلها لما بعد رمضان،
اجعل هذه الشهر شهر عبادة خالصاً، رتب برنامج، أيام الإنسان قلت لكم سابقاً يقول لك يوجد بائع في الميدان يبيع فول
طيب وهو ساكن في المهاجرين، يركب سيارته وينزل من المهاجرين إلى الميدان ليشتري كيليين فول، يعني الفول
أغلى عليك من دينك، أيام أقرب مسجد، مدهامتان الله أكبر، قال رجل للإمام أطلت الصلاة، قال له: كلمة واحدة، فقال
له: مدهامتين في ركعة واحدة، وإنسان يصلي التراويح في مسجد يسمع جزء وكما قال الإمام الغزالي أفضل قراءة
للقرآن أن تقرأه أو أن تستمع إليه وأنت في الصلاة وفي مسجد واقفاً، يعني أكمل عبادة.
فإن أتيح لك أن تسمع القرآن كله في رمضان فما قولك، أيها الأخوة يجب أن نبرمج هذا الشهر بما يرضي الله، أنا
لست ضد الولائم لكن إذا كان وليمة والطعام طيب من أجلنا هذه الكوساية، لا يوجد استطاعة إلى التراويح، برك، إن
شاء الله نصليها قبل أن ننام، يوجد سلسلة، أنت معاهد الله أن تقوم رمضان الله جل جلاله فرض علينا شهر الصيام،
والنبي الكريم سن لنا قيامها، ينبغي أن لا يشغلك شيء عن أداء الصلاة في رمضان، برمج عملك ولقاءاتك، وبرمج
علاقاتك على أن تصلي التراويح في المسجد وأن تختار كما تختار بائع فول من الميدان من أجل كيليين فول تدفع بنزين
أربع أمثال ثمن الفول، ابحث عن مسجد ترتاح في الصلاة فيه ولـو كان بعيداً من أجل أن تستفيد في هذا الشهر في
أعلى درجة.
الشيء الذي أريد أن أقوله لكم أنا في درس في العام الماضي كان هناك ندوة أجريتها فتحدثت عن التمر، والإنسان
يكون تارك الطعام اثني عشر ساعة وهو جائع وسيأكل ولكن لو أنه أكل ثلاثة تمرات، أنا والله في رمضان الماضي
والذي قبله والذي قبله، أول شيء ثلاث تمرات ونصلي المغرب ونجلس للطعام، الإنسان وكأنه في الإفطار، هذه
التمرات الثلاثة هذه تصل من الفم إلى الدم في عشر دقائق، وهذا من أغرب خصائص التمر، يعني سكر التمر سكر
أحادي سهل الهضم فتضع التمرة في فمك وانظر إلى الساعة بعد عشر دقائق تشعر أنك قد شبعت لأن هذا السكر يصل
إلى الدم ويصل إلى مركز تبليغ الشبع في الإنسان فإذا أكل ثلاث تمرات يجلس إلى الطعام وكأنه في الإفطار لا يوجد
جوع كبير، صار في إقبال على الطعام معتدل، إن أكلت قليلاً من أجل التراويح، من أجل أن تقف نشيطاً من أجل أن
تتمنى أن يقرأ الإمام ضعف ما يقرأ، والله أخوة كرام وكثيرون أكدوا لي أنهم يتمنون أن يضاعف الإمام قراءته في
رمضان لشدة السرور، وهذا السرور يحتاج إلى خفة، إلى جسم غير مثقل في الطعام، فأكبر عدو للصائمين وجبة
الإفطار، هذه تعيقه عن عبادته، هذه تجعله يبرك، هذه تجعله يصلي التراويح في البيت ثماني ركعات ومدهامتان، هذه
تجعله ينصرف عن المسجد، فوجبة الإفطار مهمة جداً يجب أن تختار إفطاراً خفيفاً، ويجب أن تأكل التمر والتمر
متواجد والحمد لله، أن تأكل التمر وتصلي المغرب وفق السنة النبوية الشريفة وأن تحرص على صلاة التراويح في
المسجد، وأن تحرص على سماع الدرس بعد الصلاة.
هذا شهر عبادة، شهر قرب، أيام الإنسان يكون عنده امتحان يلغي كل علاقاته، يلغي كل السهرات، كل المواعيد،
النزهات، يقول لك عندي امتحان، نحن أمام فرصةْ فرصة سنوية إن صح صيامنا غفر الله لنا ما تقدم من ذنبنا، يعني
فرصة أن تفتح مع الله صفحةً جديدة.
أيها الأخوة:
(( مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ))
إذاً فرصة
(( حَقَّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لا يُعَذِّبَ))
يوجد معك ضمانتان، ضمانة مغفرة وضمانة عدم تعذيب، والله
عز وجل ما أرادنا أن نصعد ثم نهبط هؤلاء الذين يفعلون ذلك كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً، يعني ولى
رمضان، عاد إلى ما كان عليه من تفلت أو تسيب، أو تقصير أو إلى ما شابه ذلك، والله سبحانه وتعالى ما أرادنا أن
نصوم على أن الصيام عادة من عاداتنا، سلوك صار مألوف لا يعني شيئاً، لأن الفرق بين الطقوس والعبادات فرق كبير
جداً، العبادات في الأديان السماوية، أما الطقوس في الأديان الوضعية حركات وتمتمات لا تعني شيئاً، ذكرت البارحة
كلمة في الأحمدية في الحمدية، أنه لو أن مدير عام في مؤسسة أمر موظف أن يركب سيارة إلى حلب وقال له حينما
تصل إلى حلب تركب سيارة أخرى وتعود بها إلى دمشق، قال له: لماذا، قال له: هكذا، هذا الأمر يتناسب مع مدير
شركة، بلا معنى لا تلتقي بأحد ولا تتصل بأحد ولا تعطي شيئاً لأحد ولا تأخذ من أحد شيئاً انتقل إلى حلب ثم عد إلى
دمشق، هذا الأمر لا يليق بإنسان عاقل أقل العقل، فكيف يليق هذا بإله عظيم ؟ دع الطعام والشراب واسهر إلى
السحور وتابع مسلسلات، والحفلة إكراماً لشهر رمضان المبارك وهذه المعصية إكراماً لشهر رمضان المبارك، وهذه
الوليمة المختلطة إكراماً لشهر رمضان المبارك، هذا الكلام ليس مقبول إطلاقاً، رمضان هذا الشهر العظيم صار في
الوحل.
حدثني أخ كان في بلد عربي قال لي كل شيء جيد في الإعلان مهيء في رمضان الناس يعزفون عن الصلاة في
المساجد ليتابعوا هذه الأشياء صار رمضان موسم سياحي، موسم معاصي، موسم اختلاط، موسم سهرات حتى الفجر،
ليس هذا هو الصيام.
أيها الأخوة: نرجو الله سبحانه وتعالى أن نصوم كما أراد الله عز وجل، قال بعض العلماء هناك عالم بالشريعة، وهناك
عالم بالطريقة وهناك عالم بالحقيقة، عالم الشريعة يقول لك الصيام أن تمتنع عن الطعام والشراب وسائر المفطرات من
طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس مع نية هذا تعريف عالم الشريعة، لكن تعريف الصيام عند عالم الطريقة يجب
أن تضبط لسانك ويجب أن تضبط جوارحك ويجب أن تضبط بيتك، ويجب أن تقرأ القرآن، ويجب أن تصلي القيام من
أجل أن تقبل على الله في رمضان، هذا عالم الطريقة، هذه الطريقة التي تحقق فيها الصيام.
إذا قال لك عالم الشريعة الصلاة حركات وسكنات وقراءات تفتتح بالتكبيرة وتنتهي بالتسليم هذا تعريف عالم الشريعة،
أما عالم الطريقة يقول لك الصلاة ذكر لله عز وجل، قال تعالى:
﴿اتْلُ
مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ
الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ
أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا
تَصْنَعُونَ (45)﴾
(سورة العنكبوت)
عالم الطريقة يقول لك واسـجد واقترب، عالم الطريقة يقول لك الصلاة وعي، وعقل، لأن الله جل جلاله يقول:
﴿يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ
سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُباً إِلَّا عَابِرِي
سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ
كُنْتُمْ
مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ
أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً
طَيِّباً فَامْسَحُوا
بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً (43)﴾
( سورة النساء)
فالذي لا يعلم ما يقول في الصلاة هو في حكم السكران.
((
عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ
فُتِّحَتْ أَبْوَابُ
السَّمَاءِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ وَسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ))
ألا يسأل أحدكم يا رب لما لا تسلسل هؤلاء الشياطين طوال العام، مرتاح، وتدعهم علينا بعد رمضان ؟ الجواب: إنك
حينما تطيع الله عز وجل تسلسلهم أنت، ما قال سلسلهم الله، وسلسلت الشياطين، من سلسلها ؟ أنت بطاعتك لله
سلسلتها، لو فرضاً حي راقي أخلاقياً وراقي دينياً جاء إنسان فتح محل فيه معاصي، فيه خمر، فيه شيء من القمار
والألعاب، هذا المحل بيد من إغلاقه ؟ بيد أهل الحي إذا امتنعوا عن دخوله يغلق، أهل الحي لا يحتاجون إلى أن
يتوسطوا إلى المسؤولين الأخلاق والآداب العامة أن يغلق هذا المحل، أنتم بامتناعكم عن دخوله يغلق، هذا إغلاق
حكمي، حتى يكون كلام النبي منطقي ومنسجم مع العقل السليم من الذي يسلسل الشياطين في رمضان المؤمنون حينما
يتوبون إلى الله ويغضون أبصارهم ويضبطون ألسنتهم، ويصبرون على بعض أذى الناس، وحينما يحسنون وحينما
يطعمون، وحينما يقرؤون القرآن هم باستقامتهم وأعمالهم الصالحة يبطلون عمل الشياطين وكأن الشياطين مسلسلة.
أيام يقول لك رجل باللغة الدارجة شيء يربط اليدين، أي أنه لا يستطيع أن يفعل شيئاً، المؤمن عندما يتوب إلى الله عز
وجل هو الذي سلسل الشياطين.
(( إِذَا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ وَسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ))
الحقيقة يوجد فكرة دقيقة، الله اصطفى مكان، واصطفى زمان، واصطفى إنسان، اصطفى بيت الله الحرام، الصلاة في
هذا البيت تعدل مائة ألف صلاة، والإقبال على الله في هذا البيت إقبال شديد مكثف، اصطفى هذا المكان لينسحب هذا
الاصطفاء على كل مكان، أنت تأتي بيت الله الحرام في الحج أو العمرة تصلي صلاة من نوع آخر صلاة فيها إقبال،
فيها سرور تشعر بالقرب من الله عز وجل، أراد الله حينما اصطفى هذا المكان أن ينسحب على كل شهور العام،
واصطفى زماناً، اصطفى رمضان، واصطفى المكان لينسحب على كل مكان، واصطفى هذا الزمان والله أعلم ليكون
هذا الاصطفاء مسـتمراً في كل شهور العام.
أجمل شيء إنسان ألزم نفسه في رمضان أن يصلي الفجر في جماعة، والله أنا العبد الفقير أسعد أي سعادة حينما أرى
أحد أخوان المسجد ألزم نفسه أن يصلي الفجر في جماعة، يصلي الفجر في جماعة طوال العام أنت في رمضان تغض
البصر ما أروعك لو تسحب هذه الطاعة على كل شهور العام.
أنت في هذا الشهر تضبط جوارحك، الله عز وجل اصطفى هذا الشهر لينسحب على كل شهور العام واصطفى النبي
الكريم اصطفاه على كل الخلق، صفوته من خلقه ليكون هذا النموذج مطبق عند كل إنسان، اصطفى بيت الله الحرام
ليتسع هذا الاصطفاء إلى كل مكان، واصطفى شهر رمضان لينسحب هذا الاصطفاء على كل شهور العام، واصطفى
النبي محمد عليه الصلاة والسلام ليكون هذا النموذج متكرراً عند كل إنسان، هذه حكمة الله.
أيام الإنسان يلزم نفسه ما لا يطيق، يسمي الناس هذا الإلزام لزوم ما لا يلزم، أجمل ما مر معي في موضوع الصيام أن
أعرابي:
(("عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ أَعْرَابِيًّا جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ دُلَّنِي
عَلَى عَمَلٍ إِذَا عَمِلْتُهُ
دَخَلْتُ
الْجَنَّةَ قَالَ: تَعْبُدُ اللَّهَ لا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا وَتُقِيمُ
الصَّلاةَ الْمَكْتُوبَةَ وَتُؤَدِّي الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ وَتَصُومُ
رَمَضَانَ، قَالَ:
وَالَّذِي
نَفْسِي بِيَدِهِ لا أَزِيدُ عَلَى هَذَا شَيْئًا أَبَدًا وَلا أَنْقُصُ
مِنْهُ فَلَمَّا وَلَّى قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ
إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا))
لذلك أحب ما تقرب إليه العباد إلى الله ما افترض عليهم، أحياناً يخطر على بال بعض الناس أن يبالغوا في الصيام،
جميل جداً، أما حينما يرتكب الموبقات مع هذه النوافل، إن الله لا يقبل نافلة ما لا تؤدى الفريضة، ما تقرب المتقربون
إلى الله تعالى بأحب مما أدوا ما افترضه الله عليهم.
الشيء الثاني، إن الله لا يمل حتى تملوا، افعلوا ما تطيقون:
((
عن عَائِشَةَ رَضِي اللَّهُ عَنْهَا حَدَّثَتْهُ قَالَتْ لَمْ يَكُنِ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ شَهْرًا أَكْثَرَ
مِنْ شَعْبَانَ فَإِنَّهُ كَانَ
يَصُومُ
شَعْبَانَ كُلَّهُ وَكَانَ يَقُولُ: خُذُوا مِنَ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ
فَإِنَّ اللَّهَ لا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا وَأَحَبُّ الصَّلاةِ إِلَى
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا دُووِمَ عَلَيْهِ وَإِنْ قَلَّتْ وَكَانَ إِذَا صَلَّى صَلاةً دَاوَمَ عَلَيْهَا))
هذا الحديث يعطيك الحد الأدنى، أي العبادات الأساسية، الصلاة والصوم والحج والزكاة، وضبط
الجوارح وضبط الأعضاء وضبط البيت والإنفاق، هذا إذا تم فأنت من أهل الجنة، الحد الأدنى، هناك حد أقصى، هناك
أصحاب اليمين وهناك السابقون السابقون، هناك المقتصدون وهناك السابقون، هناك المقصرون وهناك المقتصدون
وهناك السابقون.
((عَنْ
سَهْلٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ
يَدْخُلُ مِنْهُ
الصَّائِمُونَ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ لا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ يُقَالُ أَيْنَ
الصَّائِمُونَ فَيَقُومُونَ لا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ فَإِذَا
دَخَلُوا أُغْلِقَ
فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ))
هذا الحديث أيضاً ورد في البخاري، يعني الصائمون لهم باب يدخلون منه إلى الجنة هو باب الريان، يوجد شيء في
الموضوع دقيق، هو الأمر الإلهي حينما اتضحت حكمته وضوحاً جلياً وحينما تتصل ثماره بمصلحتك، يقل عنصر
العبادة فيه، يعني الله أمرك أن تكون أميناً، أو أن تكون صادقاً، الصدق منجاة، الصدق فيه عز، الصدق فيه شرف، في
مكانة علية، الصادق محترم بين الناس، الصادق لا يحتاج أن يحلف الأيمان، الذي ألف الناس منه الصدق لا يستحلفونه،
ولا يكذبونه، الصدق واضح جداً، الأمين الأمانة غنىً، الأمين غني بالمعنى المادي لأنه موثوق يثق الناس به، يعطونه
أموالهم ليتجر لهم به، الأمانة لصالح الإنسان، فكلما اتضح الأمر الإلهي اتضحت حكمته بجلاء واتصلت منفعته بك
شخصياً أقبلت عليه ببساطة ويسر لأنه في النهاية أنت الرابح الأول، أما حينما تكون في شهر تموز أو آب والحرارة
تسعة وأربعين والنهار سبعة عشر ساعة تدخل إلى البيت الساعة الثالثة لا تشتهي شيئاً إلا كأس ماء، تدخل إلى الحمام
يوجد صنبور ماء من العداد الماء مثل البوظ لا تستطيع أن ترتشف قطرة واحدة، أنا ماذا أفعل أشرب كأس ماء، يقول
عليه الصلاة والسلام في الحديث القدسي:
((عن
أبي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ اللَّهُ كُلُّ عَمَلِ ابْنِ
آدَمَ لَهُ إِلا
الصِّيَامَ
فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ وَإِذَا كَانَ
يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلا يَرْفُثْ وَلا يَصْخَبْ فَإِنْ سَابَّهُ
أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ
إِنِّي
امْرُؤٌ صَائِمٌ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ
الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ لِلصَّائِمِ
فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا إِذَا
أَفْطَرَ فَرِحَ وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ))
قال الأب لابنه إياك أن تكذب، فقال الابن: سمعاً وطاعةً يا أبي، إياك أن تتكاسل، قال الابن: سمعاً وطاعةً، إياك أن تهمل
أسنانك، قال: سمعاً وطاعةً، أما الابن جائع جداً والطعام طيب جداً، قال له: لا تأكل، هذا الأمر غير معقول، فإذا ابن ذو
ثقة كبيرة بوالده يقول سمعاً وطاعةً يا أبي، أعلى أمر تعبدي من يذكره على الإطلاق ؟ أن يذبح ابنه سيدنا إبراهيم،
قال تعالى:
﴿فَلَمَّا
بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ
أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا
تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ
شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102)﴾
(سورة الصافات )
وابنه ليس صغيراً، يساعده وهو نبي، وبلغ معه السعي، هذا أعلى أمر تعبدي لأنه غير منطقي أب نبي كريم أبو الأنبياء
وله ابن نبي وهو يساعده في الدعوة إلى الله، اذبحه، أعلى توكل توكل سيدنا إبراهيم قال تعالى:
﴿رَبَّنَا
إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ
بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ
أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ
وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37)﴾
(سورة إبراهيم )
إنسان يسافر يهيئ كل شيء كل من حول البيت يلبون طلبات البيت ويوجد طعام وشراب وكهرباء ووقود، وبالهاتف
يأتي كل شيء إلى البيت ومع ذلك يقلق الأب، إنسان يضع زوجته وابنه في الصحراء ويذهب، هذا أعلى توكل.
فكلما اتضحت حكمة الأمر، اتصلت منفعته لصالحك ينخفض فيه مستوى التعبد، وكلما غابت عنك حكمته وابتعدت عنك
منفعته وأمرت به يرتفع مستوى التعبد في الأمر، الصوم من أرقى العبادات لأنك تدع الطعام والشراب وسائر
المفطرات المباحة تقرباً من الله عز وجل، أنت رأيت الطعام والشراب والمباحات أقل عندك شأناً من طاعة الله عز
وجل، كثير من الرجال مسلمين نشؤوا في بيئة إسلامية لا يصومون هل من المعقول أن يحرم نفسه الطعام والشراب
في رمضان من أجل دخينة، ليس مستعد أن يغير مجرى حياته أبداً، أن يترك شيئاً لله، يوجد في أوساط المسلمين أناس
لا يصومون لكن لا يصوم سراً، أما جهراً ينافق أحياناً، الذي لا يصوم جهراً هذا فاجر الذي لا يصوم سراً هذا
عاصي.
((عن
أبي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ اللَّهُ كُلُّ عَمَلِ ابْنِ
آدَمَ لَهُ إِلا
الصِّيَامَ
فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ وَإِذَا كَانَ
يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلا يَرْفُثْ وَلا يَصْخَبْ فَإِنْ سَابَّهُ
أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ
إِنِّي
امْرُؤٌ صَائِمٌ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ
الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ لِلصَّائِمِ
فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا إِذَا
أَفْطَرَ فَرِحَ وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ))
الناس يفعلون العكس إذا صام يضيق خلقه كثير، وينفجر لأتفه سبب يقول لك أنا صائم، يعلو صوته، يقسو كلامه، قد
يضرب، لأنه صائم مع أن النبي عليه الصلاة والسلام يقول:
((وَإِذَا
كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلا يَرْفُثْ وَلا يَصْخَبْ فَإِنْ
سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ
وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ
لَخُلُوفُ
فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ
لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ وَإِذَا
لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ ))
أنت انظر إلى شعور الصائمين يوم العيد، انقضت أيام الصيام وجاءت أيام الإفطار وصام إيماناً واحتساباً وارتقى عند
الله عز وجل وكتب الله له الأجر وقبله منه والآن يأكل كما يأكل كل الناس وقد حاز صواب الصيام، وانظر إلى
المفطر الذي أفطر في رمضان، الآن يأكل الناس معه كما يأكل في الإفطار لكنه أفطر يوماً من رمضان فلن يجزه صيام
الدهر كله ولو صامه، قال تعالى:
﴿أَيَّاماً
مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ
مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ
مِسْكِينٍ فَمَنْ
تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (184)﴾
( سورة البقرة )
حتى لو كان يوجد عذر، إذا الإنسان معذور في سفر أو مرض بإمكانه أن يصوم، الأولى أن يصوم، لكن ذكرت لكم من
قبل أن النبي عليه الصلاة والسلام كان مع أصحابه في غزوة في رمضان طبعاً الإفطار جائز، الإفطار رخصة ومن
أخذ بالرخصة لا شيء عليه، والصيام أيضاً جائز، أنا سمعت عن أناس وهم في مشقة كبيرة يصومون، والله يعينهم
على الصوم، هذه عزيمة، الإفطار رخصة والصوم عزيمة.
فأصحاب النبي رضي الله عنهم أجمعين كانوا مع النبي الكريم في غزوة فبعضهم صام وبعضهم أفطر، أروع ما في
الموضوع أن الصائمين لم يأخذوا على المفطرين، وأن المفطرين لم يأخذوا على الصائمين، بل إن الذين أفطروا خدموا
أخوانهم الصائمين خدمةً عالية فقال عليه الصلاة والسلام:
((
عَنْ أَنَسٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَصَامَ بَعْضٌ وَأَفْطَرَ بَعْضٌ
فَتَحَزَّمَ
الْمُفْطِرُونَ
وَعَمِلُوا وَضَعُفَ الصُّوَّامُ عَنْ بَعْضِ الْعَمَلِ قَالَ فَقَالَ:
فِي ذَلِكَ ذَهَبَ الْمُفْطِرُونَ الْيَوْمَ بِالأجْرِ))
أنت في سفر أو في مرض لا سمح الله، السفر رخصة والمرض رخصة، إن أمكنك أن تصوم مع السفر والمرض
فصم لقول الله عز وجل:
﴿وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (184)﴾
(سورة البقرة)
وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح:
((عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا
وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا
تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ))
يعني نحن كما قلنا في بداية الدرس مقبلون على شهر عظيم، على شهر عبادة فرصة سنوية لمغفرة كل الذنوب،
وفرصة سنوية لاكتساب رضوان الله عز وجل، وكما قال الإمام الشافعي: إن الله لا يعذب أحبابه، أي أنك إذا صمت
رمضان إيماناً واحتساباً أنشأ الله لك حقاً عليه أن لا يعذبك، وهناك للصيام معاني كثيرة جداً لا مجال لذكرها في درس
واحد، الصيام يعلم النظام، تصور اثني عشر مليون إنسان يفطرون في دقيقة واحدة ويأكلون طعام السحور في وقت
واحد ويتوجهون إلى المساجد في وقت واحد، شيء جميل أن ترى أمةً لها نظام فالله عز وجل جعل من هذا الشهر
مظهر تنظيمي رائع للأمة الإسلامية، ترى من أقصاها إلى أقصاها، من المغرب إلى الصين يتناول طعام السحور ويدع
الطعام والشراب ويفطر مع أذان المغرب ويصلي التراويح ويقرأ القرآن نظام رائع، انظر إلى دمشق مع أذان المغرب
كأن التجول ممنوع شيء جميل، كل الناس في البيوت يأكلون هذا مظهر حضاري، مظهر نظام هذه من حكم الصيام
الجانبية يعلمك على النظام يعمل روح جماعية أيام الإنسان يصعب عليه أن يصوم يوم وحده، أما في رمضان الصوم
سهل جداً لأن الناس كلهم صائمون.
أرجو الله سبحانه وتعالى أن ننتفع في هذا الدرس وأن نطبق ما تكلم فيه في رمضان وأن يكون هذا الشهر عتقاً لنا من
النار.
والحمد لله رب العالمين