إنموضوع
الطعام والشراب في تاريخ الأمَّة المسْلمة قديم وعريق، فأُصُوله
تُستمَدُّمن الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، كما أنَّ كتب الفقه
والرقائق والمواعظوالزُّهديات والأخلاق تُفْرِد أبوابًا للطعام والشراب،
تَنهي عن المحرَّمات،وتَأمر باتِّباع الآداب الشرعية.
أمااليوم، فقد أصبح الطعام والشراب في
حياة أغْلب الناس نهمًا وشرهًا، وإسرافًاوتبذيرًا، ولذَّة وغاية، تُهْدَر
في صناعة الأطعمة والأشربة الأموالُ، وتُنصَبالموائد المفتوحة، في البيوت
والمطاعم، ويَجري السِّباق في إقامة الحفلاتوالمناسبات الباذخة.
وانزلقعامَّة الناس إلى مَساوئ التقليد
الأعمى للأُمَم المادية المتْرَفة، واتَّسمت حياةالكثيرين بالتكَلُّف
والإسراف في ولائمهم وأعيادهم وحياتهم، حتى أصبحت أعيادُنامَظاهر باهظةَ
الثَّمَن، ورمضاناتنا في كلِّ عام موسمًا للسَّرف والتَّرَف، بدلاًمن أن
يكون عبادة وتهجُّدًا.
فتحوَّلالغذاء إلى خطر رهيب، وارتفعت صيحات التحذير الاجتماعي والاقتصادي والغذائي وترشيدالإنفاق والاستهلاك.
إنَّالإنسان كائن حيٌّ، يقوم بوظائف
مهمَّة: عبادة الله، ثم إعمار الأرض، وإقامة مبادئالعدل والخير، وهذا
يَجعله بحاجة إلى الطعام؛ كي ينمو ويعيش، ويتحرَّك ويعمل،ويحتاج إلى الماء؛
إذْ لا يستطيع الإنسان البقاء حيًّا لمدَّة طويلة بلا ماء.
فاستجابةالكائن البشري لغريزة الطعام
والشراب أمر فِطْري، كما أنَّ المحافظة على القوامالغذائي المتنوِّع
والمتوازن مع التوسُّط والاعتدال يَمنح الإنسان في مراحل عمرِهجسمًا قويًّا
وصحَّة دائمة، وعمرًا مباركًا ومديدًا.
إذْلا يكفي الإنسانَ في طعامه وشرابه أنْ
يتناول نوعًا واحدًا، فلا بدَّ من توافُرِالاحتياجات الأساسية مِثْل:
الماء، والسُّكَّريات، والبروتينات والشحوم والدهون،والفيتامينات، وبعض
العناصر المعْدِنية.
إنَّالإنسان إذا أكل ما يسدُّ به جوعه،
وشَرب ما يُسكِن به ظمَأه، فإن هذا مطلوبعقلاً، ومندوب إليه شرعًا؛ لِمَا
فيه من حفظ النفس وصيانة الحواسِّ.
يقولمحيي الدين مستو في كتابه "الطعام
والشراب بين الاعتدال والإسراف": إذاكانت التُّخمة تُمْرِض وتُمِيت، فإن
الحرمان يُمرض النفس ويُفتر عن العبادة، أما
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] فإنَّهاتنشِّط النفس، وتُظْهِر رُوحانيتها، فالاعتدال توسُّط بين التقتير
والإسراف، وبينالبخل والإنفاق الزائد عن الحلال في المأكل والمشرب.
وقدحثَّ رسولُ الهُدَى -عليه الصلاة والسلام- على الاعتدال وحضَّ على التقَلُّلِ منالطعام والشراب، فقال عليه الصلاة والسلام: "الكافريَأكل في سبعة أمْعاء، والمؤمن يأكل في مِعًى واحد" (رواه مسلم).
قالحاتم الطائي ذامًّا كثْرة الأكْل:
فَإِنَّكَإِنْ أَعْطَيْتَ بَطْنَكَ سُؤْلَهُ *** وَفَرْجَكَ نَالاَ مُنْتَهى الذَّمِّأَجْمَعَا
إنَّالاعتدال -إذن- هو التوسُّط بين
الجوع والتُّخَمة، بالتقليل من كمِّية الطعاموالشراب، دون أن ينْقص عن حاجة
البدَن والعمل، وفي ذلك فوائد جَمَّة، منها: صحَّةالجسم، وجَودة الفهم،
وقوَّة الحفظ، وقلة النوم، وخِفَّة النفس، قال بعض الحكماء:أكبر الدواء
تقدير الغذاء.
وفيالمقابل، فإنَّ الإقبال على الطعام
بشَرَهٍ زائد يَجعل الأغذية عند النَّهِمينالمسْرِفين هدفًا وغاية، يَبذلون
من أجْلها الأموال الباهظة، ويُمْضُون أوقاتًاطويلة في الأسواق، يَشترون
ألوان الأطعمة، وهؤلاء الذين جعلوا هَمَّهم بطونهم،وأهدافَهم ملذَّاتِهم
وشهواتهم، يَضِنُّون بأموالهم عن مساعدة بائسٍ أو إعانةفقير، فنتَجَ عن ذلك
بطون جائعة وأموال ضائعة.
إنَّ
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] والتبذيروالتَّرف والمباهاةَ سلوكيات استهلاكية خطيرة، دخلَتْ -مع الأسف-
حياة الناس،وشملت معظم جوانب الحياة المختَلِفة؛ فهناك التَّنْويع في
الأطعمة والأشربة فيالدَّعوات العامَّة والمناسَبات وولائم الأعراس التي
تكلِّف أموالاً طائلة، وهناكالموائد المفتوحة المشتمِلة على أصناف عديدة،
لقاءَ مَبالغ محدَّدة عن كلِّ شخص،وهناك الولائم المخصَّصة في حالات الوفاة
والمآتم.
فياعجبًا من مجتمَع يُقيم الأفراح
والولائم، والمُجتمعات المسْلِمة تعاني من الأحزانوالمآتم! وقديمًا قال علي
بن أبي طالب -رضي الله عنه- كلمته المشهورة: "ماجاع فقير إلاَّ بما
تَمتَّع غنِي".
ورَدَعن القاضي عياض -رحمه الله- قوله:
"إنَّ كثرة الأكل والشرب دليلٌ على النَّهموالحرص، والشَّرَه وغلَبَة
الشهوة، وهي مسبِّبٌ لمضارِّ الدنيا والآخرة، وجالبٌلأدواء الجسد، وخثار
النفس"؛ أيْ: فتورها.
إنَّالإسراف في تناول الطعام والشراب
يؤدِّي إلى اختزانها في الجسم، وتحَوُّلِها إلىلحم وشحم وبدَانة وبطْنَة،
تَقعد بالإنسان عن كثير من أعماله ونشاطاته، وقديمًاقيل: البطنة تُذْهِب
الفطنة.
وقدورد عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-
قولَتُه المشهورة، وحكمته المأثورة: إيَّاكموالبطنة؛ فإنها مَكْسلة عن
الصلاة، مؤْذية للجسم، وعليكم بالقصْد في قُوتِكم؛فإنَّه أبْعَد عن الأثر،
وأصح للبدن، وأقوى على العبادة، وإنَّ امْرَأ لن يهلك حتىيؤْثِر شهوته على
دينه.
ومنطريف القول ما أجاب به مَسْلَمة بن
عبد الملك مَلكَ الرُّوم، حيث سُئل: ما تعدُّونالأحمق فيكم؟ قال مسلمة:
الذي يَملأ بطنه من كل ما وَجد.
وكانفرقد -رحمه الله- يقول لأصحابه
ناصحًا: إذا أكلْتُم فشدُّوا الأُزر على أوساطكم،وصغِّروا اللُّقَم،
وشدِّدوا المضْغ، ومصُّوا الماء مصًّا، ولا يَحِلَّ أحدُكمإزاره فيتَّسع
مِعَاه، ولْيأكل كلُّ واحد من بين يديه.
وقدأجْمعت الأطباء على أنَّ رأس الدَّاء إدخالُ الطعام على الطعام، وقالوا: أكثرالعِلَل إنما يتولَّد من فضول وزوائد الطعام.
إنَّمراتب الطعام والشراب -الغذاء- كما قسَّم ذلك ابنُ قيِّم الجوزية -رحمه الله- في كتابه"
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]"مراتبُ ثلاثة: مرتبةُ الحاجة، ثم مرتبةُ الكِفاية، وأخيرًا مرتبة الفَضْلة.
فيرمضان تزداد مصروفات الأُسَر؛
لِمُجابَهة الشَّراهة الاستهلاكية، ونهَمِ التسوُّقوالإنفاق المرتفع؛ إذْ
يتحوَّل النوم إلى النهار، والأكل والزيارات والتَّجوال فيالشوارع وارتياد
المنتزهات إلى الليل، ويَستهلك الفرْدُ في وَجبتي الإفطار والسحورأضعافَ ما
كان يَستهلكه في ثلاث وجبات قبل حلول
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] المبارك،حتَّى أصْبح مألوفًا في أمسيات شهر رمضان كثرةُ حالات الإسعاف بسبب التُّخَمة علىموائد الإفطار.
وكميَلحق الأفرادَ والأُسَر في عصرنا
الحاضر من مشكلات وأخطار، وهم يَلهثون وراءتقليد بعْضهم في إقامة الحفلات،
وتكلُّف المناسبات، والخروج إلى المطاعم حيثالموائدُ المفتوحة، والمبالَغة
في تناول الأطعمة والأشربة بلا قيود ولا حدود، فيكل شهور السَّنة، وفي
رمضان خاصَّة!
وختامًاأقول: إنَّ الاعتدال يؤدِّي إلى
وَفر اقتصادي في حياة الفرْد والأسرة، وإلى قوَّةمالية وتِجاريَّة في حياة
الدولة والأمَّة، وصدق الله القائل: {وَالَّذِينَإِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَقَوَامًا} [الفرقان: 67].
المصدر:شبكة
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط].
روابطذات صلة:
-
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]-
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]-
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]-
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]-
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]-
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]مصدر موقع إسلام