ماذا لو غابت الحكمة عن التعليم ؟...!.
الحكمة
مأخوذ من الحكمة - بفتح الكاف والميم - وهو ما يوضع للدابة كي يذللها
راكبها فيمنع جماحها .. ومنه اشتقت الحكمة قالوا : لأنها تمنع صاحبها من
أخلاق الأراذل .
* ـ والحكمة في حقيقتها : وضع الأشياء في مواضعها .. وهذا تعريف عام يشمل الأقوال والأفعال وسائر التصرفات .
*
ـ ولعلك أخي الفاضل تدرك أن الحكمة التي نرمي إلى بيانها في هذه المقالة
هي الحكمة التي ينبغي أن يتصف بها القائم بالدعوة إلى الله ، ومن أجل هذا
فهي غالبا ما تكون قولا في علم وموعظة أو تصرفا نحو الآخرين من أجل دفعهم
إلى الخير أو صرفهم عن الشر .
* ـ وفي هذا المفهوم . يقول ابن زيد : ( كل كلمة وعظتك أو دعتك إلى مكرمة أو نهتك عن قبيح فهي حكمة ) .
وأدق من هذا قول أبي جعفر محمد بن يعقوب : ( كل صواب من القول ورث فعلا صحيحا فهو حكمة ) .
وفي تعريفات الجرجاني : ( كل كلام وافق الحق فهو حكمة ) .
وفي
قوله تعالى : { يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ
الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا } .. ربطت الآية الكريمة بين
الحكمة والخير ، ووجه هذا الارتباط أن الحكمة تشمل المعاني الصائبة من
السداد في القول والفعل .
* ـ وبمعنى آخر : فإن الحكمة إتقان العلم
وإجراء الفعل على وفق ذلك العلم ، ومن شاء إيتاءه هذه الحكمة - أي خلقه
مستعدا لذلك قابلا له ، من سلامة التفكير واعتدال القوى والطبائع - فيكون
قابلا لفهم الحقائق منقادا إلى الحق إذا لاح له ، لا يصده عن ذلك هوى ولا
عصبية ولا مكابرة ولا أنفة .. ثم ييسر له أسباب ذلك من حضور الدعاة وسلامة
البقعة من المعاندين العتاة ، فإذا انضم إلى ذلك توجهه إلى الله بأن يزيد
أسبابه تيسيرا ، ويمنع عنه ما يحجب الفهم فقد كمل له التيسير .. وحينئذ
يتحقق له الخير الكثير في قوله سبحانه : { فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا
} .
فالخير الكثير منجر إليه سداد الرأي والهدى الإلهي ، ومن تفاريع
هذا الخير ما يتولد من قواعد الحكمة التي تعصم من الوقوع في الغلط والضلال
بمقدار التوكل في فهمها واستحضار مهمها .. لأنك إذا تتبعت ما يحل بالناس من
المصائب تجد معظمها من جراء الجهالة والضلالة والرأي الآفن ، وبعكس ذلك
فإن ما يجتنيه الناس من المنافع والملائمات مجتلب من المعارف والعلم
بالحقائق ، ولو علم الناس الحق على وجهه لاجتنبوا مواقع البؤس والشقاء .
*
ـ يتبين من مجموع ما سبق أن الحكمة كلمة عامة تشمل الأقوال التي فيها
إيقاظ للنفس ووصاية بالخير ، وإخبار بتجارب السعادة والشقاوة ، وكليات
جامعة لأصول الآداب . . . فهي معرفة خالصة من شوائب الأخطاء وبقايا الجهل
في تعليم الناس وتهذيبهم وتوجيههم .. إنها اسم جامع لكل كلام أو علم يراعى
فيه إصلاح حال الناس واعتقادهم إصلاحا مستمرا لا يتغير
منقوووووول
تحياتي العطرة