منتديات اقرأ معنـا
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


قال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم :{إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاثة: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعوا له}
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخولتسجيل دخول الاعضاء
بسم الله الرحمن الرحيم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته , المنتدى تابع لشركة احلى منتدى والخدمة والصيانة مدى الحياة , وأعضاؤنا قدموا 33879 مساهمة في هذا المنتدى وهذا المنتدى يتوفر على 8838 عُضو , للإستفسار يرجى التواصل معي عن طريق إرسال رسالة شخصية .. ولكم فائق تحياتي وتقديري , المدير العام : علي أسامة (لشهب أسامة)
Cool Yellow
Outer Glow Pointer

 

  ¦¦๑¦¦ | البَلاغة العَرَبِيّة | قوله تعالى : مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ | ¦¦๑¦¦

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
علي أسامة (لشهب أسامة)
المدير العام
المدير العام
علي أسامة (لشهب أسامة)


الأوسمة وسام العضو المميز
 ¦¦๑¦¦ | البَلاغة العَرَبِيّة | قوله تعالى : مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ | ¦¦๑¦¦ 41627710
الجنـسية : gzaery
البلد : الجزائر
الجنـــس : ذكر
المتصفح : fmfire
الهواية : sports
عدد المساهمات : 26932
التقييم : 0
تاريخ التسجيل : 24/10/2008
العمر : 31
الموقع : https://readwithus.yoo7.com/
المزاج : nice
توقيع المنتدى + دعاء : توقيع المنتدى + دعاء

 ¦¦๑¦¦ | البَلاغة العَرَبِيّة | قوله تعالى : مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ | ¦¦๑¦¦ Empty
مُساهمةموضوع: ¦¦๑¦¦ | البَلاغة العَرَبِيّة | قوله تعالى : مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ | ¦¦๑¦¦    ¦¦๑¦¦ | البَلاغة العَرَبِيّة | قوله تعالى : مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ | ¦¦๑¦¦ I_icon_minitimeالثلاثاء 21 يونيو - 14:17



[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]






إنّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن
سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن
لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلوات
الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه.


ومن قوله تعالى : (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ .....)


<blockquote class="postcontent restore ">ومن قوله تعالى : (مُحَمَّدٌ
رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ
رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً
مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ
السُّجُودِ .......) :
فهو محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم
على جهة الحذف لما قد علم من السياق بداهة ، فحذف المسند إليه ، ولا يخلو
، كما قال صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله ، من بيان لتشويق تقدم بذكر
جملة من أوصاف النبي الخاتم صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، فتطلع السامع
إلى معرفة المنعوت بتلك النعوت الجليلة ، فهو محمد صلى الله عليه وعلى آله
وسلم ، ثم جاء الاستئناف بوصف من معه ، فذيل بذكر الأتباع عقيب ذكر
المتبوع ، فــ : "الذين معه" : فتلك معية النصرة والتأييد ، فــ :
(أَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا
مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ
إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) : فتلك من أظهر صور العناية الخاصة بالأنبياء
عليهم السلام عموما ، وبالنبي الخاتم صلى الله عليه وعلى آله وسلم خصوصا ،
فقد كانت معيتهم له طاعة واتباعا برسم : "لو استعرضت
بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد ، وما نكره أن تلقى
بنا عدونا غداً ، إنا لصبر فى الحرب ، صدق فى اللقاء" ، ونصرة
وتأييدا ، فهي من جنس معية التأييد الرباني في نحو قوله تعالى : (إِنَّ
اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) ، فجنس
التأييد واحد ، وإن كان تأييد الرب ، جل وعلا ، أعظم وأجل ، بل ما تأييد
الأصحاب ، رضي الله عنهم ، للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلا أثر من
تأييد الرب ، جل وعلا ، له ، فهو ، كما تقدم ، من أعظم صور العناية
الربانية بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فــ : "إن الله اختارني
واختار لي أصحاباً فجعل منهم وزراء وأنصاراً وأصهاراً ، فمن سبهم فعليه
لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفاً
ولا عدلاً" ، و : "من كان مستنا فليستن بمن قد مات ؛ فإن الحي لا تؤمن
عليه الفتنة ، أولئك أصحاب محمدٍ صَلَّى اللَّه عليْهِ وسَلَّم كانوا أفضل
هذه الأمة ؛ أبرها قلوبا ، وأعمقها علما ، وأقلها تكلفا ، اختارهم اللَّه
لصحبةِ نبيه صَلَّى اللَّه عليْهِ وسَلَّم ولإقامةِ دينهِ ، فاعرفوا لهم
فضلهم ، واتبِعوهم على أثرهم ، وتمسكوا بما استطعتم من أخلاقهم وسِيرهم ،
فإنهم كانوا على الهدي المستقيم" .

وفي أعصار الفتن التي تموج ،
كعصرنا الذي نعيش فيه ، وليس لأحد أن يختار زمن حياته أو قدرها أو جنسه أو
أهله ..... إلخ ، فذلك من المقدور الكوني النافذ ، فليس ثم إلا مدافعته
بالمقدور الشرعي الحاكم ، فلكل قدر كوني قدر شرعي يحكمه فقد ابتلى الرب
بالتكوين لينظر كيف يعمل المكلف بالتشريع ، فــ : (لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ
لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ) ، و :
(جَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ
بَصِيرًا) ، و : (كَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا
أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ
بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ) ، و : (لَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ
الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ) ، و
: (جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ
كَيْفَ تَعْمَلُونَ) ، ففي أعصار الفتن كتلك التي
نحياها ، ترد نوازل يفتقر فيها الحي إلى الاستنان بمن قد مات من أهل العلم
والصلاح ، فالحي قد تشتبه عليه الأمور ، فيظن المرجوح راجحا ، والمفضول
فاضلا ، فلا يملك الناظر في حاله إلا إحسان الظن به إن كان من أهل الفضل ،
والعدول عن قوله إن اعتبر ما لم يعتبره الشرع ، فالشرع حكم عدل ، وغيره
محكوم له ، فلا يخضع الشرع لقول أو فعل ، وإن صدر من عالم أو فاضل ، فكلٌ في قيد الوحي أسير ، وليس تعظيم النقل وتقديمه على العقل والرأي يالأمر اليسير فلا يصمد له إلا المخلصون الراسخون في العلم .

والشاهد
أن الاستئناف قد جاء بيانا لأوصاف التابع عقيب بيان أوصاف المتبوع ، فوصفه
من وصفه فمن مشكاته قد صدروا ، وعلى عينه قد صنعوا فكانوا نواة صلبة تجمع
حولها الصدر الأول ، فذلك جيش النبوة الذي أرسل ، كما أرسل النبي صلى الله
عليه وعلى آله وسلم ، برسم : (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى
وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ
الْمُشْرِكُونَ) ، فأرسل أهل الحجة والبرهان من العلماء الربانيين على أهل الشبهات : شهبا ثاقبة فدحضوا
مقالات الملل والنحل فكل مقالة تباين مقالة النبوة الأولى باطلة نقلا
وعقلا فليس ثم إلا النقل من الرب تشريعا والعقل منه تكوينا فالتناقض بين
التشريع والتكوين محال عقلا ، وأرسل أهل السيف والسنان من المقاتلين على أهل العدوان الذين لا ينفك عدوانهم على الأديان عن عدوان على الأبدان ،
فهو تأويل ما يقوم بالنفوس من الإرادات التي لا تصدر إلا عن تصورات علمية
تنشأ من النقل الباطل برسم التحريف أو العقل الفاسد برسم التأويل فما
جنى على الرسالات إلا تحريف المبطلين وتأويل الغالين ، ولأجله ابتعث الله
، عز وجل ، بقدره الكوني ، من ابتعث من الرسل عليهم السلام وأتباعهم ،
لينفوا عن الفطرة الأولى ما علق بها من كدر المقالات والأهواء ،
فكير الوحي الذي جاء به الأنبياء عليهم السلام وحمله الأتباع من بعدهم
ينفي خبث الكفر والبدعة ، وعلى هذا الوجه حمل صاحب "التحرير والتنوير" قول
من جعل الواو عاطفة فهو : (الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ
الْحَقِّ) ، وأرسل الذين معه ، فيقدر محذوف متأخر من جنس المذكور المتقدم
، فذلك أولى من تقدير غيره ، وإن كان التقدير ابتداء خلاف الأصل ، فيقدر
المحذوف الذي دل عليه السياق اقتضاء لو حمل على العطف ، بخلاف الاستئناف ،
كما تقدم ، فلا يلزم له تقدير محذوف ، ولكل وجه ، ولا مانع من حمل السياق
على كلا الوجهين ، فذلك إثراء للمعنى ، ففي الأول : بيان لوصفهم فهم :
أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ، وفي الثاني : بيان
لوظيفتهم ، فقد اصطفاهم الرب ، جل وعلا ، لتبليغ الرسالة إلى بقية الأمم ،
كما اصطفى الرسل عليهم السلام لتبليغ الرسالة إلى النوع الإنساني فهم
الواسطة بين الحق والخلق ، فكلاهما اصطفاء ، وإن كان الثاني أخص ، فاصطفاء
النبوة لا ينال باكتساب ، واصطفاء الصحبة الخاصة للأنبياء عليهم السلام لا
ينال ، أيضا ، بالاكتساب ، فالصحبة ، وإن كانت دون النبوة ، مرتبة سامية لا مطمع في دركها ، فهي اختيار رباني كما
تقدم من كلام ابن مسعود رضي الله عنهما ، واصطفاء الصحبة العام ، فأتباع
النبي الخاتم صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى قيام الساعة : أصحابه
بالاتباع وإن لم يلقوه بالأبدان ، فتلك المرتبة التي
تنال بالاكتساب ويترقى فيها أصحاب الهمم الشريفة من العلماء فهم أعلم
الناس بأخبار الرسالة وأحكامها ، والمجاهدين فهم أصدق الناس شهادة على صحة
الرسالة فقد بذلوا من الدماء والجراحات ما شهد يقينا على صدق النبي الخاتم
صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، ولا زالت الشهادات تترى من آحاد المؤمنين
والمؤمنات الذين خرجوا من حزب الكفر برسم الهجرة ، ولو مستضعفين ، فصدر
منهم ما يعجز عنه كثير من الأقوياء القادرين ، الذين لا حظ لهم من الدين ،
وإن عظم نصيبهم من أسباب الدنيا من رياسة ووجاهة ..... إلخ ، فليس الأمر
إلا قلبا راسخا لا تصده أجناس الترغيب والترهيب بل والتعذيب والتقتيل عن
السبيل القويم ، سبيل : (الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ
النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ
أُولَئِكَ رَفِيقًا) ، وإن كان البدن ضعيفا مهانا ، فكرامة الروح على ربها
، جل وعلا ، ترفع ذكر صاحبها ، فله الثناء الجميل على كل لسان ، فـ :
"أنتم شهداء اللَّه في الأرض" ، فلا عبرة ببدن قوي منعم قد تيسرت
له أسباب الدنيا ، وهو عن الدين غافل ، فمادة الضعف والفساد فيه كامنة ،
وروحه لم تزل في ضنك الشقاء حاضرة ، فــ : (مَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي
فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
أَعْمَى) ، فالمعيشة الضنك لا تجدي معها وسائل الترف المادي ، فلا تزيد
الروح إلا تعاسة ، وإن كان ظاهر البدن منعما ، فــ : "إن الله عز وجل لا
ينظر إلى صوركم وأموالكم ، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم" ، فالصورة قد
تحسن في عين طلاب الدنيا الفانية برسم : (فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي
زِينَتِهِ) ، ولكنها لا تخدع أصحاب الديانة الكاملة برسم : (قَالَ
الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ
آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ) :
فالخيرية منزوعة التفضيل فليس فيما كان فيه قارون خير وإن ظهر ذلك بادي
الرأي ، فلا خير في الدنيا يعدل خير الآخرة ، فخيرها كلا خير بل هو عين
الشر إلا ما كان في سبيل الله عز وجل من دم أو مال أو جاه .

فيكون الإرسال على وجهين : إرسال النبي فهو حقيقة في الإرسال الشرعي المعهود
فينزل الرسول الملكي على الرسول البشري بالوحي ، برسم : (وَإِنَّهُ
لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ
(193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ) ، وإرسال أتباعه برسم :
"اللَّه ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة اللَّه ، ومن ضيق
الدنيا إلى سعتهما ، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ، فأرسلنا بدينه إلى
خلقه لندعوهم إليه ، فمن قبل ذلك قبلنا منه ورجعنا عنه ، ومن أبى قاتلناه
أبدا حتى نفضي إلى موعود اللَّه . قالوا ، (أي الفرس) : وما موعود اللَّه
: قال : الجنة لمن مات على قتال من أبى ، والظفر لمن بقي"
، فهو مجاز بالنظر إلى حقيقة الإرسال الشرعية المعهودة ، فالأصل في
الألفاظ عموما : حملها على الحقيقة فلا يصار إلى المجاز إلا عند تعذر حمل
الكلام على الحقيقة المركبة من مادة اللفظ المعجمية والسياق الذي ترد فيه
فهو أصل في تعيين مراد المتكلم ، فضلا عن القرائن الخارجية من نصوص أخرى ،
أو من قياس العقل الصريح حيث يجوز استعماله فلا مجاز في غيب لا يدرك العقل
كنهه ابتداء فالقرينة العقلية ممتنعة في الغيبيات جائزة في الحكميات بل هي
أصل القياس الشرعي بملاحظة العلة المؤثرة في تشريع حكم الأصل فيقاس عليها
ما يحدث من الفروع ، والأصل في الألفاظ الشرعية حملها على الحقيقة الشرعية
، فالإرسال ينصرف بداهة إلى الإرسال الشرعي ، وهو واجب في حق الرسل عليهم
السلام ممتنع في حق غيرهم لمكان الاصطفاء في هذا الباب ، كما تقدم ، فيكون
لفظ الإرسال : المذكور في حق الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم والمقدر
في حق غيره جاريا مجرى الجناس ، فاللفظ واحد ، والمعنى الكلي الجامع واحد
، فمادة الإرسال في كليهما ظاهرة وإن اختلفت الجهة ، كما تقدم ، فليس
إرسال النبيين برسم التبليغ كإرسال الصالحين برسم الدعوة ، فاللفظ واحد
ولكن المعنيين متباينان ، فإرسال كلٍ يستقل بمعنى لا يوجد في الآخر ، فلم
يوح إلى الأصحاب رضي الله عنهم ولم يشارك النبي صلى الله عليه وعلى آله
وسلم في فتوح البلدان وإن وقع التمهيد لذلك في عهده بجملة من السرايا
والغزوات ، فلفظ الإرسال بالنظر إلى المعنى الشرعي المعهود : حقيقة في الرسل عليهم السلام ، مجاز في حق أصحابهم ، وذلك من شواهد الجمع بين الحقيقة والمجاز ، كما ذكر ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله .

والضمير
في : "معه" : يرجع ابتداء إلى أصحاب الحديبية لقرينة السبب ، ولكن معنى
الصحبة العام يشمل كل أصحابه صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، فالعبرة بعموم
المعنى ، فالصحابة ، رضي الله عنهم ، عدول كلهم ، فيكون للضمير مرجعان :
خاص بأهل الحديبية تنويها بشأنهم الخاص فهم أصحاب بيعة الشجرة الذين رضي
الله عنهم ، على جهة الجزم ، فهو خبر لا يقبل النسخ ، فــ : (لَقَدْ
رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ
الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ
عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا) ، فرضي عنهم تحقيقا مؤكدا
باللام و : "قد" الداخلة على الماضي فرضي عنهم لأجل بيعتهم التي جاءت على
حد المضارعة استحضارا لتلك الصورة الشريفة فعلم بعلمه الأول : تقديرا لتلك البيعة في عالم الغيب وعلم بعلمه الثاني : إحصاء
لما صدر من أهلها من بيعة على الموت انتصارا للشهيد المظلوم عثمان رضي
الله عنه ، فعلم ما في القلوب فهو مطلع عليها ، فيعلم خائنة الأعين وما
تخفي الصدور فلا يخفى عليه من أمرهم الحاضر والمستقبل شيء فهم المصطفون
برسم الصحبة والبيعة العامة على الإسلام ثم البيعة الخاصة على القتل ، فــ
: "ليدخلن الجنة من بايع تحت الشجرة إلا صاحب الجمل الأحمر" ، فاستثني من
العموم منافق واحد حضر البيعة فهو خلاف الأصل بداهة ، فرضي عنهم لما علم
في قلوبهم من مادة الصدق والإخلاص في البيعة مع نقص العدة فأنزل السكينة
عليهم والنزول لا يكون إلا من علو ، فكلما علت ذات وشأن المنزِل علا قدر
المنزَل ، فالعلو مئنة من شرفه ، فكيف إذا كان المنزِل هو الرب ، جل وعلا
، فله العلو المطلق : الذاتي والوصفي شأنا وقهرا ، فالسكينة النازلة من
عنده عظيمة القدر ، جليلة الشأن بداهة فهي من آثار كلمات الرب ، جل وعلا ،
الكونية فبها يثبت الرب ، جل وعلا ، المؤمنين ، برسم
: (إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا
الَّذِينَ آَمَنُوا) ، فتلك حالهم الحاضرة ، وحالهم المستقبلة :
(وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا) : فجاء الماضي مئنة من تحقق
وقوعه فذلك أعظم في البشارة ، ونكر الفتح مئنة من التعظيم وقُرِّب مئنة من
التعجيل فاجتمع في البشارة عظمها وقربها معا ، وذلك من كمال المنة
الربانية على تلك الثلة المباركة من الأصحاب ، رضي الله عنهم ، والفتح هو
فتح خيبر ، فهو أول فتح بعد الصلح ، وقد حمله بعض أهل العلم كابن كثير ،
رحمه الله ، على ما تلا تلك البيعة من الفتوح الربانية بما فيها الصلح
نفسه ، فهو فتح باعتباره سببا لما تلاه من فتوح من خيبر إلى مكة ، فيكون
ذلك من قبيل التنويه بشأن هذا الصلح العظيم ، ويكون ، أيضا ، من قبيل ذكر
السبب وإرادة المسبَّب ، فكل ما تلاه من فتوح قد صدر منه وذلك أليق بسياق
الامتنان فتعظم المنة بتعدد صورها ، ومن غيرهم أحق
بها وقد بذلوا من الوعود الصادقة والجهود المخلصة ما بذلوا نصرة للرسالة
الخاتمة فقاموا بها خير قيام في زمن النبوة ثم حملوها برسم الفتح المبين
إلى سائر أمم العالمين ، فذلك أيضا من جملة الفتوح التي تلت ذلك الصلح وهي
عند التدبر راجعة إليه ، ويشهد لذلك ، كما ذكر ابن كثير ، رحمه الله ،
قوله تعالى في الآية التالية : (وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا) ، ولم
يزل أحفاد تلك الأمم التي أخرجها الرب ، جل وعلا ، بتلك الثلة المباركة من
ظلمة الشرك والقهر والاستبداد برسم السياسة الملوكية الجائرة تارة وبرسم
الديانة الكهنوتية الباطلة أخرى إلى نور التوحيد والعدل ، لم يزل أولئك
ينعمون بآثارها ، ففضلهم عظيم القدر ممتد الأثر ، فلا زال أمر الدين في
زيادة إلى يومنا مع عظم الغربة ، فدين التوحيد أسرع الأديان انتشارا وإن
كان بلا حديد ناصر في زماننا ، فكتابه الهادي بمسائله ودلائله ، بأخباره
وحججه ، ظاهر لا ينكسر أمام حجة خصومه فــ : (الَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي
اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ
رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ) فليس ثم إلا
شبهات يحملها الخلف عن السلف ، فبئس الوارث وبئس الموروث ، في مقابل إرث
النبوات فنعم الإرث وهنيئا لمن حمله فقام بأمره قيام الصدر الأول به فهو
معقد ولائه وبرائه الأول ، وهو همه الأوحد .

فيكون للضمير مرجعان : خاص يقتصر على أهل الحديبية ، وعام يشمل بمعناه الصحابة كلهم
، فذلك من التنويه العام بشأن كل من بلغ تلك الدرجة الرفيعة ، فلا ينالها
أحد بعد وفاته صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقد انقطعت بوفاته صلى الله
عليه وعلى آله وسلم كما انقطع الوحي .

وحمل الضمير على المرجعين
على جهة الاشتراك اللفظي بين المرجع الخاص والمرجع العام مما يزيد المعنى
ثراء ، فهو شاهد لدلالة المشترك على كلا معنييه : الحقيقي والمجازي على ما
تقدم من كلام صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله من تجويز الجمع بين
الحقيقة والمجاز فلكل وجه يحتمله اللفظ ولا يرده السياق بل يزداد به ثراء
، وذلك أليق بكلام رب العالمين فمبنى التنزيل أفصح مبنى ، فإيجاز حيث يحسن
، وإطناب حيث يحسن ، ومعناه أبلغ معنى ، و : (لَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ
غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا) .

فوصفهم في التنزيل : أشداء عَلَى الْكُفَّارِ
: فذلك من جنس العزة المفقودة ، فهم أشداء : شدة حسية في ساحات القتال
التي تتعارك فيها الأبدان انتصارا للأديان ، أحق ما بذلت فيه الدماء
والأموال ، وذلك أمر مشهود في تاريخ حروب البشر فأشرسها الحروب الدينية
ولو كان المقاتل على عقيدة باطلة ، فشدتهم ليست غلظة
بمظلمة ، فالظلم باطل في كل نبوة ، والعدل قوام شريعة رب العالمين التي
بعثت بها الرسل عليهم السلام ، وإنما شدة بحق ، برسم : (حَتَّى يُعْطُوا
الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) ، واليوم تسلم البلاد ويسلم
المؤمنون المستضعفون أخيرا لكفار أهل الكتاب برسم الذلة والصغار فلا شدة
إلا على أهل الحق برسم الحرب الكونية على الإرهاب والتطرف الذي يكافئ
الإسلام في زماننا ! ، فشدتهم في موضعها ، فلا تنافي البر
بالمعاهدين وأهل الذمة برسم : (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ
لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ
أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ
الْمُقْسِطِينَ) ، ولا يكون ذلك إلا برسم العزة ، لا
الذلة التي تكتسي بثوب زور من السماحة المزعومة ، فالشدة : حسية برسم :
(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ
وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) ،
ومعنوية برسم : "لا تبادروا أهل الكتاب بالسلام فإذا لقيتموهم في طريق
فاضطروهم إلى أضيقه" ، فالسلام لأهل الإسلام ، وأي تحية أخرى لغيرهم برسم
الأدب لا الذلة وإعطاء الدنية ، فمادة الشدة تقبل الانقسام إلى
محسوس ومعقول ، ولكل محله الذي يلائمه ، كما أن للين محله الذي يلائمه فلا
يحسن وضع اللين في موضع القتال أو إظهار العزة في موضع اللين في الدعوة
برسم : (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ
الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ
أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)
، فالآيات جارية على سنن النسأ لا النسخ ، فلكل زمان فقهه ، ولكل موقف
حكمه ، ولكل ميدان سلاحه ، ففي عراك الأديان يكون السلاح حجة وبرهانا ،
وفي عراك الأبدان يكون السلاح سيفا وسنانا ،
ولا يحسن ، أيضا ، وضع اللين في موضع الشدة وإظهار العزة لا سيما إن
تطاولت شراذم الكفار على المسلمين في ديارهم فكيف لو كنا في ديارهم فكانوا
هم الكثرة ونحن القلة وقد صار كثير من المسلمين في أمصارهم أقلية مستضعفة
ضرب عليها الرب العلي بقدره الكوني رق الذلة حتى تراجع دينها ، فوضع كل
خلق في غير محله واستعماله على غير وجهه الذي وضع له إهدار للطاقة
النفسانية ، فــ :
ووضعُ الندى في موضع السيفِ بالعلا ******* مضرٌّ كوضع السيفِ في موضع الندى

و : "على" : تفيد الاستعلاء ، وذلك مما يلائم موضع الشدة ، فالاستعلاء مظنة التمكن ، فتكون
الشدة مؤثرة في أهل الإسلام رفعة بلا علو في الأرض ، وفي أهل الكفر ضعة
بلا ظلم ، وتلك من المواضع الدقيقة التي يقع فيها غالبا : الإفراط فيقع
التعدي بالظلم ، والتفريط وهو الغالب في زماننا فتقع المداهنة الباردة
التي لا تزيد الكفار إلا كبرا وصلفا والواقع خير شاهد على ذلك ، فكلما قدم
المسلمون تنازلا ازداد الكفار شرها إلى تنازل جديد حتى تصير الدولة
الفعلية لهم وإن كانت الدولة الاسمية لغيرهم ، فالدولة حقيقة : نفوذ مؤثر
برسم السياسة والحرب والاقتصاد ، ولا تقوى تلك العناصر فتصير فاعلة إلا إن
كانت صادرة من ديانة ، ولو باطلة ، فالدين ، كما تقدم ، أعظم محرك لأي
شعور باطن أو فعل ظاهر .

رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ
: فعلى جهة المقابلة : رحماء بينهم ، فالذلة بينهم برسم الرأفة كائنة ،
وهو ، أيضا ، مما يفتقده أهل الإسلام في زماننا ، فــ : (بَأْسُهُمْ
بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ) ، وذلك مما ورد في وصف الكفار والمنافقين ! ، و :
(هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ
فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا
وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ) ، وقد كان ، فقد صار أهل الملة
الخاتمة شيعا سواء أكانت نحلا تتباين في المعتقد فيقع التباغض والتضاغن
بينها لا محالة فاختلاف القلوب ، كما تقدم ، ذريعة إلى اختلاف الأبدان
بالقتال ، أو فرقا تتعارك على رياسات زائلة برسم الدين ، وهو أقبحها ،
فيصير الدين وسيلة لنيل مكاسب عاجلة ، وتلك سمة علماء السوء لا سيما في
زماننا فمناصب شكلية لا تأثير حقيقي لها قد صارت معقد ولاء وبراء يتسابق
أولئك في تقديم التنازلات طمعا في نيلها ، فلا يزدادون إلا ذلة وصغارا في
أعين من ولوهم ليضفوا على ملكهم الجائر صبغة شرعية هي منه براء ، أو
تتعارك على رياسات برسم السياسة ، فصار الساسة أئمة ملهمين ! ، لا يتصور
البشر الحياة بدونهم ، وكل أولئك من شؤم نبذ الوحي ، فــ : "ولا
حكم أمراؤهم بغير ما أنزل إلا سلط عليهم عدوهم فاستنقذوا بعض ما في أيديهم
، وما عطلوا كتاب الله وسنة نبيه إلا جعل الله بأسهم بينهم" .

فهم
: رحماء بينهم : والبينية مئنة من شيوع الرحمة في أوساطهم ، فذلك آكد في
تقرير هذا المعنى اللطيف كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه
الله .

وذلك مما ورد التنويه به في التنزيل في قوله تعالى : (يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ
فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ
عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ) ، فتلك مقابلة أخرى
بين أثر الرحمة ذلة للمؤمنين ، وأثر الشدة عزة على الكافرين ، فاستوفى كلا
السياقين : الوصف الباطن والأثر الظاهر .

وقد قرئ على النصب كما
أشار إلى ذلك أبو السعود ، رحمه الله ، فيكون ذلك من قبيل النصب على
الاختصاص مدحا ، فيقدر عامل من مادة المدح ، فيكون تقدير الكلام : أمدح
الأشداء على الكفار الرحماء بينهم ، وذلك مما يزيد السياق ثراء ، فالسياق
ابتداء : سياق مدح زيد فيه بتقدير عامل محذوف يزيد المعنى تقريرا كما تقدم
.

تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً :
فالخطاب لغير معين ، كما ذكر صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله ، وذلك
أليق بخطاب التشريع العام ، فالدعوة إلى تأمل حالهم : دعوة عامة في كل عصر
ومصر ، فيكون ذلك جار مجرى ما تقدم مرارا من خطاب المواجهة للنبي صلى الله
عليه وعلى آله وسلم ، وخطاب التكليف بالرؤية العلمية على جهة التدبر لحال
أولئك السادة فهو من أظهر دلائل النبوة ، لمن تدبر ونظر ،
فلا يصنع أولئك الأفاضل في ذلك الزمن القياسي لا يصنعهم إلا وحي ، فعنه
يصدرون في كل عقد وقول وفعل ، فحبهم ، كما يقول بعض الأفاضل ، من أرجى
الأعمال ، فهو برهان صدق على حب الرسالة وصاحبها صلى الله عليه وعلى آله
وسلم ، فذلك من أصول الدين ، فحبهم يلتحق بحبه التحاق الفرع بالأصل فعنه
صدروا : صدور الأبناء البررة عن الأب الرحيم فــ : (لَوْ كُنْتَ فَظًّا
غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ
وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ) .
والرؤية هنا مئنة من التعجب من تلك
الحال الكاملة ، وإتيانها على جهة المضارعة مئنة من دوام التفكر في حالهم
، ودوام تلك الحال الكاملة ، فهي وصفهم الثابت ، كما ذكر ذلك صاحب
"التحرير والتنوير" رحمه الله ، فتراهم :
رُكَّعاً سُجَّداً :
فتلك أشرف مواطن العبودية التي حققها أولئك في حياتهم ، فكان الدين بعلومه
الباطنة وشعائره الظاهرة وشرائعه وأحكامه الخاصة والعامة كان معقد الولاء
والبراء الوحيد في قلوبهم فبه يحيون وله ينتصرون فلا حظ لهم في مكسب أو
رياسة ، وليس الدين عندهم ذريعة إلى تسلط روحاني من جنس التسلط الذي
يمارسه كهان الديانات الكهنوتية ، أو مطعم حقير زائل من مطاعم الدنيا التي
حملت كثيرا من المنتسبين إلى الديانات على التحريف والكتمان .
يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً
: فذلك من الإطناب بتعدد الأحوال : "ركعا" ، و : "سجدا" و : "يَبْتَغُونَ
فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا" : وذلك أليق بسياق المدح بتعداد خصال
الممدوح ، ولا يخلو من تقرير للعلة الغائية من تلك العبودية ، فيسألون
الجنة برسم : "أَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ" ،
وقد يحمل السياق على تعدد الأخبار ، كما ذكر ذلك أبو السعود رحمه الله ،
وتعدد الأخبار أيضا يحمل على الإطناب بتعداد أوصاف الممدوح ، فالخبر
والحال كلاهما يدل على اتصاف صاحبه بالمعنى الذي اشتق منه ، فقولك : زيد
فاهم يدل على اتصاف زيد بصفة الفهم التي اشتق منها الخبر ، و : رأيت زيدا
فاهما : يدل على اتصاف زيد بصفة الفهم التي اشتق منها الحال ، ففي كلتا
الحالين : الإطناب بالأوصاف يلائم سياق المدح لأولئك الأفاضل بتلك الصفات
النفسانية الكاملة ، فمنها اللازم في النفس إخلاصا في العبودية ابتغاء
مرضاة رب البرية ، ومنها المتعدي : شدة على أهل الكفران وذلة لأهل الإيمان
.
فــ : يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً : فنكر الفضل تعظيما ، فضلا عن صدوره من الله ، عز وجل ، فذلك من ابتداء الغاية الذي يحتمل :
ابتداء غاية الوصف من الموصوف
: فالفضل من الله : رحمة ورضا ، فــ : (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ
وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا
يَجْمَعُونَ) ، والخيرية هنا ، أيضا ، منزوعة التفضيل ، فلا وجه للمقارنة
بين فضل الله ، عز وجل ، الذي ادخره لعباده الموحدين فهو باق ، وبين ما
جمعوه فكل مدخر في الدنيا فان .
أو : ابتداء غاية الأثر المخلوق
لذلك الفضل فهو فضل بداهة من خالقه جل وعلا ، فالرزق في دار الابتلاء من
فضله وهو مما يسأله المؤمنون في هذه الدار برسم : "اللهم أسألك علما نافعا
ورزقا واسعا" ، وليس ذلك مما يعيب أهل الإيمان في شيء ، فــ : (قُلْ مَنْ
حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ
مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا
خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ) ، و : (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا
مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ
عَلِيمٌ) ، و : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ
مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ
تَعْبُدُونَ) ، فالأكل من النعم الكونية التي يقابلها التكليف الشرعي
بالعمل الصالح شكرا ، فالشكر يعم القلب واللسان والجوارح ، ففسر إجمال
الشكر في الآية الثانية بالعمل الصالح في الآية الأولى ، وهو عمل منه :
القلبي بأجناس العبوديات الباطنة من خوف ورجاء .... إلخ ، ومنه : اللساني
من ذكر وتلاوة ، ومنه : العملي بالجوارح صلاة وحجا وجهادا ..... إلخ .

والجنة في دار القرار من فضله فهي مبتغى أصحاب الهمم الشريفة من أهل الشريعة .

ونكر
الرضوان فهو من الله ، عز وجل ، أيضا ، لقرينة ما تقدم من صدور الفضل منه
، جل وعلا ، فدل المذكور المتقدم على المحذوف المتأخر ، والرضوان قد ورد
تفسيره في موضع آخر من التنزيل ، فــ : (رِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ)
، فنكر تقليلا ، فأقل رضوان منه ، جل وعلا ، أعظم ، وقد فسر برؤيته ، جل
وعلا ، فهي أشرف أجناس النعيم في دار النعيم السرمدي .


سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ : فسيماهم في وجوههم بسبب أثر السجود ، فــ : "من" في هذا الموضع : سببية ، والسجود
معنى ظاهر في الشعيرة المعهودة ، ومعنى باطن هو مئنة من كمال الخضوع للرب
المعبود ، جل وعلا ، فعنه يصدر فعل الجارحة بالسجود الظاهر ، فتكون السيما
: باطنة يظهر أثرها على الوجه لزوما ، وقد فسرت ، كما يقول صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله ، بثلاثة تفسيرات :
الأول : السيما المعهودة من أثر السجود الظاهر بلا تكلف أو رياء .
والثاني : السيما الباطنة فنور القلب إن كان خاضعا للرحمن ، جل وعلا ، يشع لزوما الجوارح .
والثالث
: السيما في دار الجزاء ، وهو تفسير أبي بن كعب ، رضي الله عنه ، ولا يمنع
إعمال أحدها إبطال غيره ، كما أشار إلى ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه
الله ، بل هي ، عند التحقيق ، متلازمة ، فالتلازم بين الباطن والظاهر ،
والتلازم بين العمل في دار الدنيا والجزاء في دار الآخرة : تلازم وثيق ،
وذلك ، أيضا ، يجري مجرى اختلاف التنوع في التفسير فكل الأوجه صحيحة ، بل
متلازمة متعاضدة ، كما تقدم ، فيكون المعنى العام واحدا ، وتقوم تلك
التفسيرات مقام الآحاد أو الأفراد الشارحة فالتمثيل للعام بفرد من أفراده
يزيده بيانا ولا يخصصه فيمنع دخول غيره معه .

ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ :
فتلك إشارة إلى المنقضي قريبا ، على طريقة العرب في الإشارة إلى المنقضي ،
ولو قريبا ، بإشارة البعيد ، فقد انقضى وانتهى ، وهو جار ، أيضا ، مجرى
الإشارة إلى تلك الخصال المحمودة إشارة البعيد تنويها بذكرها وتعظيما
لشأنها .
فذلك مثلهم العلمي في التوراة كما نقل ذلك صاحب "التحرير والتنوير" رحمه الله من سفر التثنية .


وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ
: فذلك من التشبيه التمثيلي المجزأ ، فاستعيرت صورة ظهور النبتة ضعيفة ثم
تقويها بالشطأ وهي الفروع ، وهم الأصحاب ، رضي الله عنهم ، الذين بذلوا في
أم القرى ، وآووا ونصروا في طيبة ، وهو مجزأ من وجه تربوي لطيف ذكره صاحب
"التحرير والتنوير" رحمه الله ، فالباذر هو النبي صلى الله عليه وعلى آله
وسلم ، والبذر هم نواة الإسلام الأولى من السابقين الأولين من المهاجرين
والأنصار ، فهم حجز الزاوية الصلب ، ومركز الديانة
الراسخ الذي دار في فلكه الشطأ الذي كثر بعد تمام استواء العود ، فصلبت
نواة الديانة بما مر على السابقين الأولين من ضروب الابتلاء والتمحيص ، ثم
تجمع حولها الجند المخلص الذي كان ذخيرة الفتح الراشد لأمصار العالم
القديم برسم : (وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ
بِإِذْنِهِ) ، فأخرجهم من الظلمات إلى النور بإذن الرب ، جل وعلا ، الكوني
، فقدروا المنة الربانية حق قدرها ، فحملوها كتاب هداية وسيف عدالة إلى
أمم الأرض المقهورة برسم الطغيان الديني والسياسي .
فلا بد لكل
دعوة من قادة راسخين ، يأرز إليهم الأتباع في النوازل ، فبهم يثبت الرب ،
جل وعلا ، القلوب والجيوش ، فهم مادة النصر في أي فتح برسم : "يَأْتِي
عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَغْزُونَ فَيُقَالُ لَهُمْ فِيكُمْ مَنْ صَحِبَ
الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُولُونَ نَعَمْ
فَيُفْتَحُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ يَغْزُونَ فَيُقَالُ لَهُمْ هَلْ فِيكُمْ
مَنْ صَحِبَ مَنْ صَحِبَ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَيَقُولُونَ نَعَمْ فَيُفْتَحُ لَهُمْ" .
فـ : يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ : ومنها استنبط مالك ، رحمه الله ، كفر من غاظه أصحاب محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم على تفصيل ذكره أهل العلم ، فمن غاظوه لأجل دينهم وما
بذلوه نصرة له وتأييدا فهو كافر فما غاظه إلا الوحي ، ولا يكون ذلك ،
بداهة ، إلا من كافر به ، فـــ : (إِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آَمَنَّا
وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ
مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) ، فذلك
حال الكفار الأصليين وأذنابهم من المنافقين في كل عصر ومصر ، وإذا
آنسوا ضعفا أو ذلة كما هي الحال في زماننا استعلنوا ببعض ما في صدورهم من
الغل ، فنالوا من الرسالة وصاحبها صلى الله عليه وعلى آله وسلم سبا وقدحا
فــ : (قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي
صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ) ، ومن غاظوه لأمر دنيا فليس بكافر ، وإن كان على خطر عظيم فحملان الغيظ لصفوة الخلق بعد الأنبياء والمرسلين ، حملانه من أي وجه مظنة الهلاك .


ثم
جاء الوعد على جهة الماضوية مئنة من تحققه ، فهو كائن لا محالة ، وذلك ،
أيضا ، مئنة من عدالة الصدر الأول الذي حاز شرف الصحبة الخاصة ، فهم أولى
الناس بداهة : بالوعد الرباني بالمغفرة والأجر العظيم .
وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا :
فــ : "من" : لبيان الجنس ، فجنسهم موعود بذلك ، كما
أشار إلى ذلك ابن هشام رحمه الله في "مغني اللبيب" في معرض نقض مقالة أهل
البدع الطاعنين في الصحابة رضي الله عنهم بادعاء التبعيض الذي يثبت الحكم
لبعض منطوقا تحكموا في تعيينه حتى أخرجوا الصدر الأول كله من الدين إلا
آحادا وينفيه عن بعض آخر بل هو الجمهور كما تقدم فقد ارتد الصدر الأول من
المهاجرين والأنصار الذين رباهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم
بالتنزيل فصنعوا على عين الوحي ارتدوا إلا ثلاثة أو خمسة ..... إلخ ! وذلك
ما لا يقع فيه آحاد المربين من المصلحين ولو على منهاج أرضي فكيف بخاتم
المرسلين صلى الله عليه وعلى آله وسلم المبعوث بالمنهاج الرباني ؟! فتصور
هذا الفرض العقلي المحال ثم انتحاله وجعله من أصول الديانة نقض لها بإبطال
نقلها بل نقض لبدائه العقول الضرورية ! ، فليست "من" للتبعيض إلا
على وجه لا يلزم منه تخصيص بعض الأفراد دون بعض ، فذلك قول يؤيد ما ذهب
إليه من طعن في عدالة الصحابة ، رضي الله عنهم ، من المبتدعة والزنادقة ،
كما تقدم ، بل يجري مجرى التمثيل للعام بذكر بعض أفراده فلا يخصصه ، كما
تقدم ، فمن حمل الآية على الخلفاء الأربعة ، رضي الله
عنهم ، كابن بطة ، رحمه الله ، في "الإبانة الكبرى" ، وكما نقل الماوردي
عن الضحاك ، أو حملها على أصحاب الحديبية ، فإن ذلك لا يعني بداهة قصر
الوعد عليهم بل يعمهم ابتداء ، ويعم غيرهم قياسا عليهم فوصف الصحبة هو
الوصف المؤثر في ثبوت هذا الوعد ، فيقاس بقية الأصحاب ، رضي الله عنهم ،
عليهم ، فعلة الحكم ثابتة في الفرع ثبوتها في الأصل .

وجاء
التذييل بالمغفرة فذلك من باب التخلية فالمحل دنس بالذنوب ، وبالمغفرة
تحصل الطهارة له ، فيصير المحل أهلا للتحلية بالأجر العظيم الذي نكر
تعظيما كتنكير المغفرة التي تقدمته في الذكر ، ثم جاء النص على الوصف
بالعظمة صراحة إمعانا في تقرير المعنى ، وحذف من المقدم لذكره في المؤخر
فلا يحسن التكرار لما قد علم بداهة ، فالعقول تدرك عظم المغفرة الربانية
فذلك من البدائه الضرورية ، والسياق قد دل على ذلك على معهود التنزيل في
حذف ما دل السياق عليه فذلك جار مجرى ما قرره أهل البلاغة من إيجاز الحذف .

والله أعلى وأعلم . </blockquote>

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://readwithus.yoo7.com
 
¦¦๑¦¦ | البَلاغة العَرَبِيّة | قوله تعالى : مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ | ¦¦๑¦¦
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  ♥.•°• ومن قوله تعالى : (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ .......) .•°•.♥
»  تفسير قوله تعالى : بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِه الآية
»  تفسير قوله تعالى: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات اقرأ معنـا :: ˆ~¤®§][©][ عــلوم وثقافـة ][©][§®¤~ˆ :: لغة الضاد-
انتقل الى: