الثقافة الموسمية

الثقافة الموسمية


د. فهد الطياش


بين واقع الثقافة وثقافة التمني خيط رفيع قد لا يدرك البعض منا انه
موجود. ولذلك ترددت عبارات التمني كثيرا هذه الايام مثل "أمة اقرأ ستقرأ
"كتعبير عن تردد الشباب على معرض الكتاب وزيادة ثقافة الاقتناء الورقي.
ولكن الواقع يؤكد العكس. فحتى مدّعوالثقافة الموسمية نجدهم لا يخرجون من
دائرة الاستعراض الموسمي بعملية سرد افضل الاسماء للكتب وللمؤلفين، وكأنهم
بهذا الجهد أحكموا الطوق على مفردات الثقافة وأصبح لا يشق لهم غبار في هذا
المجال. بينما في اعتقادي المتواضع الذي قد يمثل الكثير من شرائح المجتمع
أننا من غير حفظة الاسماء نجد ان عملية الحفظ والترديد لم تقدم لنا الابداع
المحلي الذي ننشده.

وعندما تخرج من بين ظهرانينا اسماء لمبدعين نجد انهم محاربون، بل ولا
يحظون بتكريم الكثير من جوقة المرددين للأسماء بل ربما هم من ضحاياهم. فمن
هم هؤلاء في نظر سدنة الحفظ الذين يستطيعون الابداع في ظل هذا الواقع
المحلي؟ وكأن البيئة المحلية غير ولادة. فالبيئة التي أنجبت الحفظة تستطيع
إنجاب من هم اكثر ابداعا منهم. ولذلك ازدادت ظاهرة الادعاء والوجاهة
الثقافية بالحفظ والترديد للأسماء الابداعية في عالم الكتب والثقافة على
غرار صحافة ابرز عشرة كتب غيرت الثقافة العربية والتي بدأت تتلاشى
لاختلافنا على التصنيف.. فهل يمكن تصنيف من لا يحفظ او يردد تلك الاسماء
بالجهل مثلا؟ او ضحالة الثقافة؟ او غيرها من عبارات الاقصاء والتصنيف؟

اعتقد ان الجواب الى حد ما " نعم"، وهذا هو الدافع للتكوين الشللي في
المشهد الثقافي. لو توقف الامر عند هذا الحد لقال الجميع حرية شخصية
والطيور على اشكالها تقع.

ولكن قد يتعدى الامر بسبب تلك الشللية الى استغلال المناصب والمواقع او تبادل المنافع وهي حق للجميع.

ولا يعتقد البعض أن أسقام الثقافة الموسمية حكر على حفظة اسماء الكتب
والمؤلفين فقط. بل هي متجذرة في عمق ثقافة المجتمع. فمنذ أن خرجنا من ايام
ثقافة المثقف الواحد في القرية "المطوع" وترديدنا في ثقافة السمر ل عبارة
"مثل نقش المطوع بالقلم والدواة" وبداية مراحل تعلم القراءة والكتابة التي
ظهر معها جيل ممن يحمل انواع الأقلام في جيبه الامامية في رسالة استعراضية
غير لفظية تنم عن فوقية على الجهلة من اقرانه. ورسخت عبر اجيال تؤمن
بالطبقية فكرا وممارسة. فالأرض خصبة لممارسة حتى الفوقية بالادعاء وليس
الامتلاك.

ولو فتشنا في واقع شبابنا مثلا لوجدنا ثقافة موسمية مشابهة تتصل بحفظ
ماركات السيارات وحفظ اسماء اللاعبين في الاندية الاوروبية دون انعكاس
انتاجي من هذا الحفظ سوى ترسيخ لثقافة استهلاك لمنتجات تلك الماركات.
فشبابنا "فترينات"متحركة لبرشلونة وميلانو ومانشستر يونايتد وغيرهم من
الفرق الخارجية..

وثقافة هذا الشاب لا تختلف ايضا عن ثقافة بعض بناتنا ممن يحفظن ماركات
الساعات والاحذية ناهيك عن المجوهرات والشنط. فأصبحن ايضا ماركات متحركة
يستعرضن بالفوقية الاستهلاكية على زميلاتهن. ما خلق ثقافة على هامش
الثقافة. فثقافة الماركات عند المرأة ولدت ثقافة الاستعراض بالتقليد
والادعاء بملكية الأصل.. وثقافة الوجاهة عند بعض الرجال ولدت ثقافة شراء
الشهادات الوهمية او اقتناء الكتب وحفظ اسماء من قام بتأليفها.

أنا لست ضد الادعاء او الاستعراض بما نملك او لا نملك من ثقافات او
غيرها وإنما انا مع ثقافة الانتاج وبشدة والتي يحق لنا فعلا ان نفتخر بها
ونفتخر بمن انجزها.

اما الافتخار بثقافة الاستيراد الموسمي هذه فأتمنى ان نخفف منها حتى لا نرهق اجيالنا المقبلة على استمراء ثقافة الزيف هذه..