الحمد لله الذي خلّص قلوب عباده المتقين من ظُلْم الشهوات ، وأخلص عقولهم عن ظُلَم الشبهات
أحمده حمد من رأى آيات قدرته الباهرة ، وبراهين عظمته القاهرة ، وأشكره شكر من اعترف بمجده وكماله
واعترف من بحر جوده وأفضاله وأشهد أن لا إله إلا الله فاطر الأرضين والسماوات ، شهادة تقود قائلها إلى الجنات
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وحبيبه وخليله ، والمبعوث إلى كافة البريات ، بالآيات المعجزات
والمنعوت بأشرف الخلال الزاكيات صلى الله عليه وعلى آله الأئمة الهداة ، وأصحابه الفضلاء الثقات
وعلى أتباعهم بإحسان ، وسلم كثيرا
أما بعد :
فإن اصدق الحديث كتاب الله ، وأحسن الهدي هدي
محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها،
وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار
ــــ أعاذنا الله وإياكم من النار ــــ
السَّلفيَّة منهج رباني وتصرفات السَّلفيين سلوك إنساني
بقلم : أحمد معمر-وفقه الله-
كاتب مجلَّة الإصلاح
بسم الله الرحمن الرحيم
[المقال نُشر في جريدة الشروق ليوم الخميس 31 جانفي 2013م / الموافق لــ 17 ربيع الأول 1434هـ / العدد (3912)]
قبل
أن نلج إلى المقصود أريد أن أقول ، إنَّه نعزل قضية طرح ملف الإسلاميين ،
واستدعاء النقاش حول السَّلفيَّة – وجعله يطفو إلى السطح – عن مجريات
الأحداث في الدَّاخل والخارج ، وحقيقة في هذا المقام أن ننوه بأنَّ علماء
السَّلفيَّة ودعاتها ، لا تعزب عن فطنتهم حقائق الوقائع ، ولا تغيب عن
قريحتهم خفايا مختلف التداعيات ، ولا يمكن هذا الَّذي يجري هذه الأيام
بريئا من مكايدة سياسية ، أو أن يستغل – على أقل تقدير – لصالح جهة ما ،
وقد تشعر الأطراف المشاركة بذلك وقد لا تشعر به ، لكن السَّلفيَّة كعقيدة
واضحة جلية ، تمتلك العملة النادرة هذه الأيام وهي : "الاستمساك والثبات على المبادئ الشرعية والذّود عن المنهج الإسلامي الأصيل"
، ليس لديها ما تستسر به أو تخفيه عن أحد ، ومرجعيتها الشرعية تسعفها عند
كل مقام بمقال ، وعند كل حادثة بحديث ، وفي منهجنا عدَّة لكلّ شدَّة
معرفة
المنهج من المصدر لا من المنتسبين : عند النقَّاد وأهل التحقيق في
الانتقاد ، توزن الأفكار والأقوال بالمقاييس العلمية ، المحكومة بالأدلَّة
الشرعية ، والقواعد والأصول الكلية ، التي استقرَّت محلَّ إجماع عند
العلماء ، وللوقوف على حقيقة العقائد والأفكار بعدل وإنصاف ، يَتحتَّم على
دارس الفكرة العودة إلى أصول مصادرها ومعين استمدادها ، إذا تمهَّد هذا
فعلى الَّذين ينتقدون السَّلفيَّة أن يظهروا لنا الخلل فيها كعقيدة تعتمد
الكتاب والسنة ، وإجماع سلف الأمَّة ، وماذا يعيبون عليها كمنهج !؟ وليس
كأشخاص يجوز عليهم الخطأ ، وبعضهم أقرب من بعض إلى عقيدة السَّلف .
السَّلفيَّة – وليس السلفيون – هي سبيل الله إلى الجنة ، لما تكاثرت الفرق وتباينت الاتجاهات في فهم الإسلام اختار "السلفيون" طريق
السَّلف الصَّالح من الصَّحابة وتابعيهم في فهم الإسلام على النهج الأول
الَّذي تركهم عليه النَّبي في القرون الأولى المفضلة ، امتثالا لقوله : "عَلَيْكُمْ
بِسُنَّتِى وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ
تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ" ، لقد اختاروا الإسلام السلفي النقي ، الَّذي لما التزمه الصحابة قال الله لهم "هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ " [سورة الحج:78] وجانبوا كل ما أطلق عليه "إسلام" وحقيقته خرافات شيعية ! ، أو انحلال مرجئي ! أو عقلانية معتزلية ! ، أو غلو خارجي ! امتثالا لقوله : "وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ ضَلاَلَةٌ" إذا فالسَّلفيَّة لا تعدو أن تكونَ النُّسخة الأصلية للإسلام
سلامة
منهجنا لا تعني سلامة أشخاصنا ، إذا عرفنا أن العقيدة السَّلفيَّة لا
يتسلل إليه خلل ، ولا ينسب إليها زلل لأنَّها معصومة بعصمة الكتاب والسنة
وإجماع الأمَّة ، فيجب أن نعرف كذلك أنَّها لا تمنح "صك عصمة" للمتشرِّفين
بالتزامها ، والمهتدين بهديها ، حتى لو كانوا في رتبة أئمة الدِّين
والعلماء المجددين ، لأن من أصول العقيدة السَّلفيَّة – خلافا للفرق
الضالَّة – أنَّ الإمامة لا تستلزم العصمة ، والسلفيون لا يتعصَّبون لعالم دون غيره ، بل يدركون جيدا أن واجبهم تجاه الحق التقديس ، وواجبهم تجاه العلماء التقدير .
نقد السلفيين واجب شرعي ونقد السَّلفيَّة كَمِين غربي ، السلفيون كغيرهم من المسلمين الَّذين يسعون إلى الاقتداء بسنة النبي وسنة الخلفاء الرَّاشدين ابتغاء مرضاة الله وجنته ، منهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات ، وحظ
كل سلفي من فهم السَّلف الصَّالح بقدر صدق انتمائه ، وتوفيق الله له ،
فالسلفي قد يزل اتباعا لشهوة أو تعثرا بشبهة ، وقد تعتري بعضهم شدة ،
وآخرون تصيبهم تساهلات ، وقد ينجرُّ بعضهم إلى إفراط أو تفريط ، فليس كل
سلفي وإن صدق في انتمائه يوفق في عكس الصورة الحقيقية للعقيدة السَّلفيَّة
، ولهذا علماؤنا ودعاتنا – حفظهم الله – لا
يفتؤون يمارسون النقد الذَّاتي ، ويقومون بواجب المراجعات والتقويم ، ولا
يطوون نصحهم عن أحد كلَّما اقتضى الأمر ذلك ، سبيلهم القرآن والسنة ، في
التنبيه على هفوات بعض الصحابة .
ولكن
الهجوم على السَّلفيَّة بتصيّد العثرات ، وبعثرة الأوراق ، وذرّ الرّماد
في عيون الناس ! بإبراز بعض الهنات والتجاوزات ! وردم الحسنات مع الخلط
بين أصول المنهج واجتهادات علماء ، قد يصيبون فيها أو يخطئون ، والتذرّع
بزلات بعض السلفيين – التي لا ينجو منها بشر – لتشويه الدَّعوة
السَّلفيَّة ، وقذف الاتهامات بلا نيات ، فهذا دعم مباشر وتغذية مفعمة
للمشروع الغربي التغريبب في الهجوم الإعلامي ، لتشويه الإسلام عامة
والمنهج السَّلفي خاصَّة ، وأمر القوم بات اليوم أظهر من لَـمْعِ البرق
إذا لَمَع ، ولا أصدق من الواقع إذا وقع !
من معاثر المنتقدين للسَّلفيَّة :
تصوير
السَّلفيَّة كنتاج بشري ودعوة إقليمية ، حيث يعمد المنتقدون وبشكل متكرر
إلى تصوير السَّلفيَّة في شكل دعوة إصلاحية ، انحصرت في مكان ما ، أو
إظهارها كمجموعة جهود دعوية ، نشأت مع عالم أو مصلح في زمان ما ، وكأنَّها
نتاج بشري منعزل عن مرجعيَّة الشَّرعيَّة الَّتي يستمدها من الكتاب والسنة
، وإجماع الأمَّة ، وهم يقومون بهذا كمقدمة تمهيدية لرفع الحصانة عنها
لنقدها ، بعد إقناع النَّاس بأنَّ السَّلفيَّة لا تعدو أن تكون مجموعة
آراء ومذاهب إصلاحية اجتهادية ، حتَّى يتسنَّى لهم بعدُ ، الهجوم عليها
ونقض عراها ، وهذه مغالطة باطلة ، انطوت على مرواغة المتلقي بطمس حقائق
وإخفاء بعضها ، منها :
أنَّ كلَ المجدّدين والمصلحين – مهما نأت ديارهم واختلفت أمصارهم – متفقون
على منهج واحد في ربط النَّاس بالكتاب والسنة ، على طريقة السَّلف
الصَّالح لهذه الأمَّة ، وهذا أمر شهدت به الأعداء وظهر لكل ذي عينين في
الأرجاء ، وقد صح عن النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم أنَّه قال : "إِنَّ اللَّهَ تعالى يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا "
رواه البيهقي ، فالعالم الَّذي يجدّد للأمَّة دينها لا ينسب إليه الدِّين
والعقيدة ، ولكن ينسب إليه تجديد إحياء العقيدة في نفوس النَّاس وحياتهم ،
ثمَّ إنَّ دعوته التجديديَّة لا تُرفض لأجل شخصه أو تعاب به ، كيف
والنَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم يزكيه مخبرا أن الله هو الَّذي يبعثه ،
ولذلك يقول علمائنا : ليس العبرة بشخص المجدّد وجنسيته ، ولكن العبرة
بالأدلَّة ومدى موافقته للحقائق الناصعة ، والبراهين السَّاطعة ،
الممثَّلة في الكتاب والسنة ، ومنهج السَّلف الصَّالح ، وإلاَّ لجاز أن
نرفض دعوات الفاتحين من الصَّحابة ومن بعدهم ، وجاز للمغاربة أن يرفضوا
الإسلام ! لأنَّه مجرَّد دعوة قام بها عقبة بن نافع رضي الله عنه !!
تحميل السَّلفيَّة زلاَّت وتجاوزات بعض أفرادها !! ، كما أنَّ منتقدي السَّلفيَّة لا يمكن لهم أن يحكموا على الإسلام من خلال زلات بعض المسلمين وأخطائهم ، فكذلك لا مساغ لمُناوئ يُشَّغِب على السَّلفيَّة كمنهج أصيل وعقيدة ناصعة ، بفتات زلاَّت مَنْ لا تُقرِّهم السَّلفيَّة على أخطائهم ، وتسابق بالحكمة والموعظة الحسنة إلى ثنيهم عن جريرتهم ، وردّهم إلى صوابهم .
(إسهال) التساهل في التعميم ! :
فهم لا يتورَّعون عن وضع كل من انتسب أو نُسب إلى السَّلفيَّة وحُسِبَ عليها في سلَّة واحدة ، وكأنَّهم نسوا أو تناسوا أنَّ "الشَّاذ يُحفظ ولا يقاس" وأن "العبرة بالأغلبية السَّاحقة من أتباع المنهج السَّلفي" ،
الَّذين عمرت بهم بيوت الله وانتعشت بحيويتهم حلق العلم والذكر ، وسعدت
بأخلاقهم الشوارع والأسواق والمحلاَّت ، وتاب على أيديهم الأفراد
والجماعات ، فكم من أسير للخرافة والشرك أنقذوه ، وكم من قتيل للشبهات
والشهوات أحيوه ، وكم من ضال في ظلمات المعاصي والمخدِّرات هدوه .
وليعلم
القاريء أنَّ آلياتهم هذه في نقد السَّلفيَّة والسلفيين تُشبهُ سياسةُ
متَّبعة في حملة الإعلام الغربي ، الَّتي يسعى باستغلالها في طمس حقائق
الإسلام السَّلفي – المتصل مباشرة بالمنابع الأصلية – فمن دسائس الغرب
أنَّه يحاول ترسيخ صورة نمطية عن أتباع المنهج السَّلفي ، تظهرهم في
سلوكات ومواقف تدعو إلى الرعب والتخوّف ، وذلك بالتركيز الممنهج ، على بعض
التجاوزات ، وتقريب العدسات المكبَّرة من خطأ وقع هنا أو هنالك ، مع
الرَّبط غير المنصف بين الدعوة السَّلفيَّة وأعمال العنف التي تقع من
جماعات المغرَّر بهم ، وما تقارير مؤسسة رائد الأمريكية وتوصيتها عن
المراقبيين ببعيدة .
ويجدر تنبيه ها هنا : أنَّ بعض الأساتذة -جزاهم الله خيرًا- ساهموا في نشر بعض المقالات ردًّا على بعض افتراءات ومغالطات ، واتسمت ردودهم بالعلم والحلم والأدب
-
الأستاذ ناصر داودي - الشلف نشر مقالاً في جريدة الشروق ليوم الأربعاء 30
جانفي 2013م / الموافق لــ : 18 ربيع الأول 1434هــ / العدد (3911) تحت
عنوان : "السَّلفيَّة ليست ظاهرة .. السَّلفيَّة دعوة مباركة" ردًّا على بعض مغالطات الدكتور محمَّد همال
-
الأستاذ أبو عبد البر نشر مقالاً في جريدة الشروق ليوم الأربعاء 30 جانفي
2013م / الموافق لــ : 18 ربيع الأول 1434هــ / العدد (3911) تحت عنوان : "السَّلفيَّة تريد أن تكون كما يريد ربها" ردًّا على المستشار وزير الشؤون الدينية عدة فلاحي
- الأستاذ حداب محيي الدين - أستاذ في جامعة معسكر نشر مقالاً في جريدة الشروق ليوم الخميس 31 جانفي 2013م / الموافق لــ 17 ربيع الأول 1434هـ / العدد (3912)] تحت عنوان: "اتقوا الله يا جماعة" وبيَّن -جزاه الله خيرًا- بعض الأخطاء والمغالطات في المراسلات السَّابقة التي نشرتها جريدة الشروق لبعض الكُتاب