- يشكل
أبناء الوطن المهاجرون للخارج في كل الدول عنصراً هاما من عناصر القوة
البشرية للدولة ، فهم ليسوا مجرد مواطنون تركوا دياهم ووطنهم من أجل الحصول
علي المال ، أو تحصيل العلم وحسب ، بل يشكلون في المجتمعات التي هاجروا
إليها جانباً هاماً في المجتمع ، يؤثرون فيه كما يتأثرون به ، وكذلك فإن
لهؤلاء المهاجرون - سواء كانت هجرة مؤقته أو هجرة دائمة - دورهم الكبير في
بناء الوطن وتقدمه ، والدفاع عن قضاياه ومشاركة أهل وطنهم هموم ذلك الوطن
كبرت أم صغرت .
يتركز
المصريون بالخارج في تجمعين ، الأول في الدول العربية ويشكل نحو 69.9% ،
أما التجمع الثاني ، فيتركز في دول أوروبا وأمريكا الشمالية ويشكل 30.1 % ،
خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية ، وتندرج غالبية المصريين في الدول
العربية ضمن فئة العمالة الوافدة ، فالضغوط الاقتصادية والبحث عن فرصة عمل
هما الدافع الرئيسي وراء سفر هؤلاء المصريين لتلك الدول ، ومن ثم ، تحتل
القضايا الاجتماعية والاقتصادية مكانة مهمة لدى المصريين في تلك الدول ،
بينما تتراجع القضايا السياسية ، أما فيما يتعلق بالمصريين في الدول
الغربية ، فرغم أن الضغوط الاقتصادية تمثل عاملا مشتركا مع نظرائهم في
البلدان العربية ، فإن الأوضاع السياسية والظلم الاجتماعي والبحث عن حياة
أفضل ، كانت هي الأخرى أسبابا لدى هذا التجمع للسفر خارج مصر ، ولا يندرج
المصريون في هذه الفئة ضمن العمالة الوافدة فحسب ، بل إن قطاعا كبيرا منهم
غادر وطنه بغرض الدراسة أو الإقامة الدائمة ، أو حتى هربا من أوضاع سياسية
غير مواتية ، ولذلك فإن القضايا السياسية تحتل جانبا مهما في أولويات هؤلاء
المصريين .
تتراوح
نسبة المصريين في الغرب الحاصلين على درجة جامعية أو ما بعد جامعية ما
يقرب من 47% ، أي ما يعادل خمسة أضعاف نسبة الحاصلين على درجة جامعية على
الأقل في مصر ، والتي تقدر بنحو9.95% وفقا لتعداد عام 2006 ، كما يتمتع
المصريون المقيمون بالدول الغربية بحرية الانخراط في تجمعات أو تنظيمات ،
بعضها سياسي ، والبعض الآخر ثقافي واجتماعي ، مقارنة بحرية محدودة جدا لدى
المصريين في البلاد العربية في الانخراط في مثل هذه التجمعات ، ويرجع ذلك
في جانب كبير منه إلى اختلاف طبيعة النظم السياسية العربية ، التي تتيح
هامشا للحرية محدودا للغاية لمواطنيها ولغير مواطنيها على حد سواء ، عن
النظم السياسية الغربية التي تتمتع بهامش كبير من الحرية ، وتشير دراسة
منظمة الهجرة الدولية إلى أن نحو 40.5% من المصريين المقيمين في الدول
الغربية أعضاء في منظمات وتجمعات ثقافية أو سياسية أو اجتماعية ، مقابل 8 %
فقط من المصريين في الدول العربية .
تشكل
التحويلات المالية للمصريين بالخارج ركيزة أساسية من ركائز الاقتصاد
المصري ، فوفقا لتقديرات البنك الدولي ، شهدت تحويلات المصريين بالخارج
زيادة ملحوظة خلال العقد الماضي ، فقد ارتفعت من 2.96 مليار دولار في عام
2003 إلى 5.3 مليار دولار في عام 2006، لتصل إلى 8.96 مليار دولار في عام
2008. وفي عام 2009، ونتيجة للأزمة المالية العالمية ، انخفضت التحويلات
المالية إلى 7.8 مليار دولار ، أي ما يعادل 5 % من الناتج المحلي الإجمالي ،
ورغم ذلك الانخفاض ، فإن مصر لا تزال تحتل المرتبة الأولى في الشرق الأوسط
بين الدول التي تتلقى تحويلات مالية من مواطنيها بالخارج .
من
خلال العلاقة التي تربط بين المصريين بالخارج ووطنهم الأم علي المستوي
الرسمي ، يتضح أن العلاقة قائمة فقط علي الجانب الاقتصادي ، فالحكومات
المصرية المتعاقبة تعاملت مع المصريين بالخارج باعتبارهم أحد مصادر الدخل
القومي الأجنبي شأنهم في ذلك شأن قناة السويس أو قطاع السياحة أو غيرها من
موارد الدولة ، ولم توظف تواجد هذا العدد الكبير في العلاقات السياسية مع
الدول المقيمين فيها .
ليست
الأموال وحدها هي ما يملكه المصريون بالخارج ليقدمه للوطن ، ولكن لديهم
الكثير ليقدموه لوطنهم ، إذا شعروا بأن وطنهم يحتاج لما يملكوه ، وإذا
شعروا بأن ما يقدموه له قيمة يقدرها أبناء وطنهم ممن لديهم سلطة اتخاذ
القرار ، وتقدير جهودهم التي يقومون بها ، وإذا ما وجدوا من يهتم بهم
وبشئونهم في غربتهم ، ويعمل علي التواصل معهم وزيادة ارتباطهم هم وأبنائهم
بوطنهم الأم .
لديهم
الدعم السياسي الكبير الذي يستطيعون تقديمه لوطنهم من خلال علاقاتهم
المتشعبة مع صانعي القرار ، والمؤسسات المختلفة في الدول التي يعيشون فيها ،
ولديهم العلم والخبرة التي اكتسبوهما خلال سنوات غربتهم وكفاحهم .
أذربيجان
دولة حديثة عهد بالاستقلال عن الاتحاد السوفيتي السابق ، حيث يبلغ عدد
الآذريين المغتربين عنها وفقا لنقديرات منظمة الأمم المتحدة للعلوم
والثقافة " اليونسكو " نحو 40 مليون نسمة ، وهي نسبة كبيرة تفوق أربعة
أضعاف عدد سكانها البالغ عددهم تسعة ملايين نسمة ، وبإستثناء إيران التي
يعيش بها 30 مليون إيراني ذات أصول آذرية ، فإن نحو عشرة ملايين مغترب آذري
يتوزعون بنسب متفاوتة في سبعين دولة بمختلف أنحاء العالم .
تعمل
أذربيجان دائما علي إيجاد سبل التواصل والإرتباط بين أبنائها المغتربين
ووطنهم الأم ، فمنذ السادس عشر من ديسمبر عام 1991 تم تخصيص يوم الحادي
والثلاثين من ديسمبر من كل عام للاحتفال والإحتفاء والتواصل مع الآذريين في
جميع دول العالم ، فيما يطلقون عليه " يوم تضامن جميع الآذريين في العالم "
، وهو يوم عطلة رسمية في البلاد ، حيث يكون فرصة للتواصل بين أبناء الوطن
المغتربين وأبناء الوطن علي المستوي الرسمي والشعبي ، ويكون فرصة أيضا
لدراسة أحوال أبناء الوطن المغتربين والوقوف علي المشكلات التي تواجههم ،
وفرصة أيضا للحوار معهم والاستفادة من خبراتهم التي اكتسبوها في الخارج ،
والاتفاق علي برامج لتطبيق الأفكار علي أرض الواقع .
تأتي
ذكري 31 ديسمبر من كل عام لتجدد أعلي قيادة في البلاد متمثلة في رئيس
الجمهورية تواصله مع مواطني بلاده في العالم ، ودعوتهم الى التضامن وزيادة
نشاطهم لدعم القضايا الوطنية المصيرية التي يواجهها وطنهم الأم أذربيجان ،
وإلي التمسك بالوحدة والتعاون ومساندة الحكومة الاذربيجانية والمصالح
القومية لبلادهم وشعبهم ، ومطالبة كافة الآذريين أينما كانوا بالتحلي
بالمسؤولية تجاه مستقبل ومصير وطنهم والمساهمة في حل المشاكل التي تواجه
المجتمع الاذربيجاني ، ودعوة كل المغتربين الآذريين الذين أصبحوا حاليا
يشكلون قوة اقتصادية وثقافية مهمة وفاعلة في العديد من الدول التي يقيمون
فيها للمساهمة في قضايا وطنهم وأمتهم .
ومما
لا شك فيه فإن الاهتمام بمواطني أي دولة مقيمين في الخارج له الكثير من
الايجابيات علي الوطن الأم سياسيا واقتصاديا واجتماعيا ، فإذا كان هؤلاء
المواطنون قد تركوا ديارهم وأهلهم وأوطانهم طوعا أو كرها ، فإن ارتباطهم
بوطنهم الأم يظل مهمة وطنية وقومية هامة ، علي القيادات السياسية للبلاد
عدم اغفالها ، فأذربيجان التي نتحدث عنها تشير الإحصائيات الغير رسمية إلي
أن عدد المواطنين الآذريين الذين يقيمون في روسيا وحدها يتجاوز 2 مليون شخص
، يحولون سنويا مالا يقل عن 16 مليار دولار إلى أقاربهم وذويهم ووطنهم في
أذربيجان .
تم
في التشكيل الوزاري الأخير للحكومة الأذربيجانية إنشاء وزارة لرعاية شئون
المغتربين والمشردين من الحروب ، كما أن وزارة الشباب بجمهورية أذربيجان
بها إدارة خاصة لرعاية الآذريين في الخارج تحمل اسم إدارة " شئون الجاليات
الآذرية " ، وهي تتولي رعاية شئون الطلاب الدارسين والعاملين في دول العالم
، ومعرفة أحوالهم والعقبات التي تواجهم ومحاولة إيجاد حلول لها .
كما
أن سفارات جمهورية أذربيجان في مختلف دول العالم ، وسفارة أذربيجان
بالقاهرة من ضمنها تقوم بعمل دروس في اللغة الآذرية لأبناء الجاليات
الآذرية المغتربين ليتعلم الأطفال لغتهم الأم ، وليكونوا علي تواصل بوطنهم
الذين ولدوا بعيدا عنه ، وخاصة أن اللغة هي رمز للهوية الوطنية .
تلعب
اللوبيات وقوي الضغط دورا كبيرا في السياسة الخارجية للدول الكبري ، وخاصة
في الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية ، ويعتبر اللوبي الصهيوني
من أكثر اللوبيات تأثيرا في السياسة الخارجية للولايات المتحدة وبعض الدول
الأوربية ، ويعمل هذا اللوبي وبتأثير كبير لصالح دولة إسرائيل ، رغم
الأعباء الكبيرة التي تتحملها تلك الدول مقابل تنفيذ إرادة ذلك اللوبي .
ورغم
المصالح الكبيرة للولايات المتحدة والدول الغربية لدي الدول العربية
والإسلامية ، فإن تأثيرها يظل ضعيفا في تحقيق التوازن مع تأثير اللوبي
الصهيوني ، نظرا لتغلل ذلك اللوبي وعمله المنظم داخل مختلف مؤسسات صنع
القرار .
إن
تكوين اللوبي لا يأتي من تلقاء نفسه ، ولكن نتيجة حوار وتواصل مستمر بين
الوطن وبين الأبناء في الخارج ، فهذ التواصل ينمي الروح الوطنية ، والشعور
بالانتماء ، وبأهمية المواطن في بلاده التي اغترب عنها ، وتقديرا لدوره في
خدمة قضايا أمته في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ،
ولذلك يظل اهتمام الدول برعاية مواطنيها في الخارج ، وارتباطهم بوطنهم الأم
من أهم الأمور التي يجب مراعاتها في السياسة الخارجية للدولة .