الحمد لله، والصلاة والسلام على خاتم رسل الله
أما بعد
السؤال :
ثَبَتَ عن بعضِ الصحابةِ أنهم خاطبوا الرسولَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد وفاته، كقول أبي بكر: "طبتَ حيًا وميتًا يا رسول الله!"[1]، وقول عبد الله بن عمر: "السلام عليك يا رسول الله!"[2]، وقول فاطمة: " يَا أَبَتَاهُ! أَجَابَ رَبًّا دَعَاهُ"[3]؛ فهل يصحّ أن يُخاطَب الرسولُ بقولِ بعضِ الناسِ أو الخطباء: "فداكَ أبي وأمي يا رسول الله!" بصيغة النداء، مع عدمِ اعتقادِ أنه يَسمع؟
الجواب:
بلا
شك؛ النداءات التي ذكرتَها هي ثابتة، ومِثل هـٰذا النداء مِن حيثُ
الأسلوبُ العربيّ سائغٌ، فالعرب يُنادُون الأطلالَ مثلاً، والبلادَ و و
إلخ، والليلَ والنهارَ والشمسَ والقمرَ.. إلخ، ولا يترتَّب مِن وراء ذلك
شيء، لكنْ يختلف الأمرُ اليوم عن ذاك الوقت، (؟)[4]
فضلاً
عن عامته، ولا (؟)[5] أن هذا مِن الإشراك بالله عزّ وجَلّ في دعائه،
فحينما نتساهل بمثل هـٰذا النداء الذي كان سابقًا قائمًا، لٰكن سابقًا كانت
العقيدة -عقيدة التوحيد- سالمةً مِن أوضار وأوساخ الشرك الأصغر فضلاً عن
الشرك الأكبر، وليس الأمر اليوم كذلك، لِهـٰذا؛ لا يَحسن للخطيب أن يَفتح
باب الإشكال هـٰذا على عامة الناس؛ لبُعدِهم عن فَهْمِهم للتوحيد الصحيح.
أنت
قلتَ آنفًا كلمة حقّ، وهو أنّ هـٰذا الذي ينادِي يعتقد أنّ المنادَىٰ لا
يَسمع، لٰكن ما رأيك اليوم بخاصة المسلمين وعلمائهم؛ ماذا يعتقدون في
الموتىٰ بصورة عامة، وبخاصةِ الموتىٰ بصورةٍ خاصة؛ هل يعتقدون أنهم لا
يَسمعون أم أنهم يَسمعون؟
الذي أنا أعرفه أنهم -وجادلْنا
عشراتٍ منهم- يَعتقدون أن الموتىٰ يسمعون، ولهم في ذلك كلمات كثيرة، فلسنا
الآن بصدد بيان ذٰلك، لٰكن لعلكم رأيتم كتابًا بعنوان: "الآيات البيّنات في
عدم سماع الأموات عند الحنفيّة السادات"، فمُقدِّمتي لِهـٰذا الكتاب بنحو
خمسين صفحة، فهناك أنا عالجتُ هـٰذه المسألة بالأدلة، وأثبتُّ أنّ الموتىٰ
لا يَسمعون.
ولذٰلك؛ فأنتم تعلمون أنّ مِن الحكمة أنْ يُكلّم المسلمُ
الناسَ على قَدْر عقولهم، كما جاء في "صحيح البخاري"[6] مِن حديث عليّ
موقوفًا عليه رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قال: (كلموا الناس على قدر عقولهم، أتريدون أن يُكذَّبَ اللهُ ورسوله؟!).
فنحن
إذا نادَينا وعقيدتُنا سالِمة، وننادِي كما نادَىٰ أبو بكر وغيرُه مِن
الصحابة، لٰكن الذين مِن حولنا لا يَفهمون أن هـٰذا النداء ليس مِن باب
الاستغاثة، وليس مِن باب الاستعانة، فحينئذ؛ ينبغي أن نَدَع هـٰذا، وأن
نعالِجَ عقيدةَ الناس حتىٰ تستقيمَ على الكتاب والسُّنّة، بعد ذٰلك يمكن
استعمالُ هـٰذا الأمر الذي أحسنُ أحواله أنه يجوز، لٰكن ليس كلُّ ما يجوز
يجوز فِعلُه في كلِّ مناسبة.
وبهذا القدْر كفاية، والحمدُ لله رب العالمين.
المصدر: سلسلة الهدى والنور (87)، الدقيقة: (00:27:46)
صوتياً: صيغة ريل بلاير (جودة أقل): اضغط هنا |
صوتياً: صيغة ام بي ثري (جودة أعلى): اضغط هنا |
[1] - في "صحيح البخاري" (3667): "بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، طِبْتَ حَيًّا وَمَيِّتًا".
[2] - قال الوالد رحمه الله: "إسناده موقوف صحيح". "فضل الصلاة على النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" (99 و100).
[3] - "صحيح البخاري" (4462).
[4] - انقطاع
[5] - لم تتضح لي.
[6] - برقم (127) ولفظه: (حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ، أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ؟!).