يحسب
بعض الآباء والأمهات أنَّ ما يتلقّاه أبناؤهم في مدارسهم، من مبادئ النحو
والصرف والبلاغة وبعض النصوص الأدبية، كفيل بأن يقوّم أود ألسنتهم ويمكّنهم
من ناصية لغة عربية ناصعة فصيحة لا نقيصة فيها ولا مهمز. وهذا حسبان أقرب
ما يكون إلى الأحلام التي لا يزكيها الواقع ولا يؤيدها الحال، وربما يكون،
في بعض حالاته في أقل تقدير، محاولة للتهرب من المسؤولية أو لتناسيها.
إنَّ
تنشئة الأبناء على اللغة العربية الفصحى يجب أن يبتدئ من المدرسة الأولى
التي تسبق كل المدارس وتستمر بعدئذٍ معها، أعني بها مدرسة البيت. لقد كان
العرب القدماء يبعثون أبناءهم إلى البوادي؛ ليتلقوا اللغة الصافية من
الأعراب مشافهةً. ولئن كان مثل هذا العمل متعذراً في زماننا هذا الذي لم
تسلم فيه حتى لغة هؤلاء، فإنَّ ذلك لا يلغي مسؤولية الأبوين والبيت من أساس
في تهيئة ما أمكنهم من محيط لغوي سليم.
تبتدئ
المسألة، قبل كل شيء، بعدم إناطة أي دور، مهما ضؤل، مما يرتبط بتربية
الأطفال ورعايتهم بالخدم والخادمات من غير العرب، فهؤلاء لهم تأثير لا
يُنكر شرّه في اعوجاج ألسنة أبنائنا وبناتنا، إلى ما لهم من تأثير واضح
أيضاً في أخلاقهم وسلوكهم. وإذا ما دعت الإنسانَ منا ضرورةٌ إلى الاستعانة
بهم في شؤون حياته وتدبير أمور بيته، فليكن أكثر شيء حرصاً على ألاّ يسلّم
إليهم فلذات كبده.
بعد
هذا، تأتي الإجراءات العملية الإيجابية التي يتوخى المرء منها آثاراً
لسانية مباشرة. وفي مقدمتها تعويد أطفالنا قراءةَ القرآن الكريم الذي هو،
لا ريب، أفصح الكلام وأبلغه. ومتى ما تفجرت ينابيعه في بيوتنا، ملأت القلوب
نميراً، والألسن ذلاقة. وينبغي للمرء أن يحرص أيضاً على أن يصل أبناءه
وبناته بما يناسب أعمارهم من كتب ومجلات تنمي ثقافتهم وتغرس فيهم حب لغتهم
العظيمة. وهنا يجب لفت أنظار الآباء والأمهات إلى ضرورة الانتباه إلى نوع
اللغة التي تستخدمها هذه الكتب والمجلات، فثمة جهات نشر لا تتقي الله في
لغة أبنائنا !!!
المجلات العربية الهادفة ذات المستوى اللغوي الصالح موجودة، وكل المطلوب منا أن نرشد أبناءنا إليها، وأن نشجعهم على الإفادة منها.