صفو يكدره صغار العقول

صفو يكدره صغار العقول


عبد الله إبراهيم الكعيد


الاختلافات بين بني البشر لا تفرّق الناس ولا تغرقهم في
بحور العزلة بقدر ما تُنظّمهم وتُؤلف بينهم حسب مقولة الروائي البير كامي
الحائز على جائزة نوبل للأدب عام 1957م "الناس لو كانوا متشابهين تماماً
لما أمكن جمعهم إلاّ في قطيع".

كان لكاتب هذه السطور تجربة المشاركة في لقاءات مركز
الملك عبدالعزيز للحوار الوطني في نسخته الخامسة التي عُقدت فعالياتها في
مدينة أبها تحت عنوان (نحن والآخر: رؤية وطنية للتعامل مع الثقافات
العالمية). دار الحوار حول التنوّع الداخلي مذهبيّاً وفكرياً وثقافياً
واجتماعياً وما يمثّلهُ هذا التنوّع كمنطلق رئيس للتعامل مع الآخر. خرج
اللقاء بتوصيات رأيتها تُحقق الحد الأدنى في قبول الآخر المختلف والتعاطي
معه ولكن ماذا بعد؟

للأسف يوجد من بني جلدتنا من لايزال يُقاتل لقسر الناس
كل الناس على نمط فكري ومذهبي واحد من يخرج حتى عن تفاصيله يجب محاربته
وعدم الاعتراف بشرعيّة وجوده. تجاهل هؤلاء عن عمد الوجود التاريخي لمن
يختلف عنهم فكريا وثقافيا ومذهبيّا من أبناء هذا الوطن وممن ساهم آباؤهم
وأجدادهم في وحدة هذا الكيان مع الملك المؤسس عبدالعزيز. كانت نار
التصنيفات المذهبية والفكرية والمناطقية خامدة فأشعلها صغار عقول
بعنترياتهم بحثا عن مجد وشهرة زائفين ثمنهما شرخ وحدة هذا الوطن. تراشق
المتطرفون من كل فريق بالاتهامات والتخوين ولاح في الأفق شبح حرب كلامية
أُستخدمتْ فيها وسائل الاتصال الاجتماعية الحديثة وبالذات (تويتر) ومقاطع
ال (يوتيوب) لبث سموم الكراهية والحقد والتفرقة.

تساءل الناس حينها ولا زالوا يتساءلون أين دور مركز
الملك عبدالعزيز للحوار الوطني؟ وهل ينتهي دوره عند إقفال آخر جلسة من
لقاءات الحوار السنوية التي تدور داخل قاعات مغلقة فارهة؟

لم يغبْ هذا الوضع غير المرضي عن ذهن ملك البلاد بل قد
أزعجه الأمر فنبّه للمرة الثانية بكل حِلم وحِكمة إلى الابتعاد عن
التصنيفات المذهبية والفكرية والمناطقية ورفض استخدام لغة التصنيف
والإقصاء. حين سمعت هذا التوجيه من الملك أثناء لقائه بمسؤولي مركز الحوار
الوطني لمستُ هذه المرّة أن صبر الحليم يكاد أن ينفد لهذا أهيب بكل من يخاف
على هذا الوطن ويهمّه أمر وحدته وتماسك جبهته الداخلية أن يأخذ كلام (أبو
متعب) مأخذ الجد وإلاّ...!