كيف نستفيد من قرائتنا للقرآن الكريم

{كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ}
من حِكَم إنزال هذا القرآن العظيم أن يسترشد به الناس جميعا سبيل الهدى من سبل الضلال
والتدبر والتذكر سبيل وطريق تلج منه إلى تحقيق تلك الحكمة والغاية على أرض واقعك وتفاصيل معاشك وحياتك
ولتعلم بأن الحفظ وقراءة القرآن أمر مطلوب ومندوب إليه، نعم
لكنه غاية لغيره، وسبيل ينبغي أن تصل به وأن يوصلك إلى غايته ومقصده
فهو أول مراتب تدارس هذا الكتاب الجليل وهي: الحفظ والفهم والعمل
ومن
كان جهاده على هذا الدرب فهو من أهل القرآن على الحقيقة، قال ابن القيم
"قال بعض السلف: "نزل القرآن لِيُعمَل به، فاتخذوا تلاوته عملاً". ولهذا
كان أهلُ القرآن هم العالِمون به، والعاملون بما فيه، وإن لم يحفظوه عن
ظهر قلب وأما من حفظه ولم يفهمه ولم يعمل بما فيه، فليس مِن أهله وإن أقام
حروفه إقامةَ السهم".(1)
فكيف نستفيد من قرائتنا للقرآن وكيف يكون القرآن أكبر زاد علمي ومعرفي لنا في حياتنا
وهذا ما سأحاول وضع بعض النصائح العملية له سائلا منه سبحانه التوفيق والسداد
وقد جعلته على قسمين: قسم تنظيري ومعرفي وقسم تمثيلي وتطبيقي
ـــ القسم التنظيري ـــ
أولا: أدوات العمل
1= دفتر وقلم.
2=
كتاب في غريب القرآن، وأنصح بـ"المفردات في غريب القرآن" للراغب الاصفهاني
لمن يجيد فهم صيغ كلامه وتحليله للمفردات، وإلا فعليه بغريب القرآن
للسجستاني الموسوم بـ"نزهة القلوب"، ولا تستعن بالقواميس فسوف تضيع وسط
معاني كثيرة تبعدك عما تريد، لأن القواميس والمعاجم لم توضع خاصة لغريب
القرآن.
3= أحد كتب التفسير المبسطة كتفسير السعدي فهو سهل
وميسر سار فيه مؤلفه على نحو طرية التفسير الإجمالي، أو "التفسير الميسر"
لمجمع الملك فهد للمصحف الشريف، ولمن يجيد التعامل مع التفاسير التحليلية
الكبرى أن يخوض بحرها فإنه ماتع جدا.
4= القرآن سواء كان مصحفا، أو حفظا في الصدور وهو الأولى والمطلوب.
ثانيا: طريقة العمل
1= نأخذ القرآن حزبا حزبا، أو جزء جزء، كل على حسب طاقته في الاستيعاب ومراعاة عدم الملل
2= نجهز الدفتر صفحة صفحة، يعلو كل صفحة عنوان (وسنأتي على ذكر العناوين)
ثالثا: شرح الطريقة
1=
دراسة المفردات، تجعل عنوان إحدى الصفحات "مفردات القرآن" وتحرص على أن
تستل من كل حزب أو جزء كلمة واحدة غريب معناها عليك -وقد تكون تلك الكلمة
مما تظنك تفهمها وليست كذلك-، تقرأعنها في كتب الغريب وتضبط فهمها جيدا ثم
تدون مختصرا لمعناها بقلمك أنت إن كان في بيان معناها في الاصل طول.
فنجد
في جعبتنا بعد الختمة الأولى 60 كلمة أو 30 على حسب الطاقة، وفي الختمة
الثانية يتضاعف العدد 120 أو 60 وهكذا، فيزداد رصيدنا اللغوي شيئا فشيئا
ونكتسب مفردات قوية مع شواهدها القرآنية مما بدوره يقربنا من فهم سياقات
هذا الكتاب الجليل.
2= دراسة المعاني. طرق دراسة التفسير أنواع،
والذي يهمنا منها هنا هو ما يسمى بـ"التفسير الموضوعي" وهو أن تضع وحدات
موضوعية تستجمع من كل القرآن صورة عنها متكاملة ومتناسقة.
وهنا يختلف الناس لاختلاف الأفهام والتطلعات والإهتمامات، لكني أذكر بعض العناوين العامة لكل أحد:
ـ أسباب سلوك الجنان وصفة أهلها
ـ أسباب دخول النار وصفة أهلها
ـ علامة الصادق والصدق
ـ علامة النفاق وصفة المنافق
ـ حِكَم الابتلاء وجزاء الصبر
فإذا
وجدت آية على إحدى المعاني أدرجتها تحت عنوانها بعد فهمها جيدا ثم الأخرى
من حزب أو سورة أخرى وهكذا حتى تتجمع لك شيئا فشيئا رؤية من زاوية القرآن
لذلك المعنى تكون منسجمة في تناسق متكامل
ويمكن أن تجعل عنوانا آخر خاصا بالفوائد والفرائد

أخي الكريم أختي الكريمة
فعلى هذا الدرب فلتسر في تدبرك وعملك بالقرآن على أرض الواقع
ليتحول بذاك هذا الكتاب العظيم من محفوظٍ حفظَ صدرٍ وضبط، إلى حفظِ واقع وحياة
ولذلك
قالت عائشة فيما أخرجه أحمد من حديث هشام بن عامر، قال: أتيت عائشة، فقلت:
يا أم المؤمنين، أخبريني بخلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت "كان
خلقه القرآن". (2)
لتعيش القرآن على الحقيقة حفظا وفهما وسلوكا
‏وللحديث بقية عن تطبيق ومثال يتضح به إن شاء الله ما مر من التنظير
إن يسر الله وأمد في العمر
على أني رجائي في أن تسبقوني وتثروا الموضوع بعدة أمثلة
{وَلَا
تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (87) يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا
بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)}

منقول


بقلم: عبد الرحيم صابر

-------------------------
(1) زاد المعاد 1/ 338 ط الرسالة فلترجع غير مأمور الى هذا الموضع ففيه كلام نفيس
(2) المسند 41/ 148/ ح24601 ط الرسالة