يحتفل
العالم اليوم «الخميس» باليوم العالمي لذكرى الاتجار بالرقيق الأسود
وإلغائه حيث أعلنت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة
(اليونسكو) الاحتفال به عام 1994، وتكملة للقرار الذي اتخذته الجمعية
العامة للأمم المتحدة باعتبار يوم 25 مارس يوما دوليا لإحياء ذكرى ضحايا
الرق وتجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي.
ويسلط
هذا الموضوع الضوء على مركزية التراث الثقافي الدولي، وانتقاله من جيل إلى
جيل، كوسيط للتعبير عن الهوية ورعايتها خلال أيام العبودية، وللاحتفال في
نهاية المطاف بالعتق من العبودية بعد 400 سنة من الكفاح المستمر من أجل
التحرر، وتأتي الذكرى بتجارة الرقيق وإلغائه تتويجا للثورة التي اندلعت في
23 أغسطس عام 1791، عندما قام العبيد في جزيرة «سانت دومينغو» في الكاريبي
بعصيان مسلح أدى إلى الثورة في هاييتي وتسبب في إثارة قضايا حقوق الإنسان.
وارتبطت تجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي، والمعروفة في كثير من الأحيان بالتجارة الثلاثية، باقتصادات ثلاث قارات.
وتشير
التقديرات إلى أنه تم ترحيل بين 15 و20 مليون شخص، من الرجال والنساء
والأطفال، من منازلهم وبيعهم كرقيق في منظومات تجارة الرقيق المختلفة.
وتعتبر
الاحتفالية التذكارية فرصة للتفكير فيمن عانوا وماتوا تحت وطأة العبودية،
وهي أيضا مناسبة لرفع مستوى الوعي لدى الشباب في العالم حول مخاطر
العنصرية والتحيز.
وموضوع
هذا العام هو «تكريم الأبطال، المقاومين، والناجين» من تجارة الرقيق عبر
الأطلسي، والتي تهدف إلى الاشادة بالرجال والنساء الشجعان ممن ناضلوا
ببسالة ضد الممارسات غير الانسانية للعبودية.
وأشار
تقرير صادر عن منظمة الأمم المتحدة إلى أن تجارة الرقيق مستمرة في مناطق
عديدة من العالم، وأن نحو 700 ألف شخص يتم الاتجار بهم سنويا من الرجال
والنساء والفتيات والصبية عبر الحدود، بعيدا عن بلدانهم وأسرهم، وذكر
التقرير أن هناك نحو 7.5 ملايين طفل في العالم ضحايا العمل القسري
والاسترقاق، فيما يتم استغلال 300 ألف طفل كمجندين في أكثر من منطقة من
مناطق الصراع بالعالم، وأشار التقرير الى أن نحو 191 مليون طفل تتراوح
أعمارهم بين 5 و14 عاما يقومون بأعمال حقيقية بمختلف مناطق العالم
باعتبارهم عناصر اقتصادية فعالة.
وذكر
التقرير أن عدد الرقيق في مختلف أنحاء العالم يصل إلى 30 مليون إنسان
تقريبا ينتشرون في مختلف الدول ويتخذ رقهم أشكالا مختلفة ويستخدمون في
أداء مهام عديدة.
ويأتي
الاستغلال الجنسي للعبيد على رأس صور الاستغلال المنتشرة في الولايات
المتحدة وإسرائيل وهونغ كونغ، في حين توجد أشكال أخرى لاستغلالهم في الدول
الفقيرة وبخاصة الدول الافريقية وتشمل التشغيل بدون أجر أو البيع للغير،
ووفقا لخبراء الأمم المتحدة فإن عصابات تجارة الرقيق الأبيض تحقق دخلا
شهريا قدره 7000 دولار أميركي عن كل سيدة أو رجل يتم تشغيله في الدعارة.
ويشير
التقرير إلى أن عصابات تجارة الرقيق في العالم تعتمد على خطف الأطفال
وبخاصة في مناطق الصراع ثم نقلهم إلى أماكن استغلالهم في أي دولة، وهناك
أيضا عصابات تتولى شراء الأطفال من عائلاتهم الفقيرة وبخاصة في القارة
الافريقية ودول آسيا الفقيرة ثم تنقلهم إلى أوروبا والولايات المتحدة
لاستغلالهم في مختلف الأغراض، أما الشكل الثالث لأشكال استقطاب الرقيق
فيتمثل في الخداع من خلال العصابات التي تخدع الشباب وبخاصة من النساء
بعقود للعمل في أوروبا والولايات المتحدة حيث يتم إجبارهن على العمل في
الدعارة بعد خروجهن من بلادهن.
ونلاحظ
أن الاتجار بالبشر مع تجارة الأسلحة يشكلان ثاني أكبر تجارة غير قانونية
بعد تجارة المخدرات، ويقدر سعر الفرد الواحد من الرقيق الحديث بـ 90
دولارا، كما تبين الإحصائيات أيضا أنه يتم المساومة على رقيق واحد كل 10
دقائق في الولايات المتحدة الأميركية وحدها، ويتم استخدام ضحية واحدة حول
العالم كل دقيقة، ويتم استخدام أكثر من مليون طفل في تجارة الجنس العالمية
المحظورة.
وتضيف
الدراسات أن 80% ممن يتم الاتجار بهم حول العالم هم من النساء، و50% من
هؤلاء النساء هم من القصر، وأن أكثر من 27 مليون شخص يقعون هذه الأيام تحت
مظلة قيود العبودية الحديثة.
وتشير
المبادرة الدولية لمكافحة الاتجار بالبشر الى أن 52% ممن يقومون بتوظيف
الضحايا هم من الرجال يليهم 42% من النساء، وتعتبر سن الثالثة عشرة هي
السن المناسبة لبداية استخدام الطفل في مثل هذا النوع من التوظيف.
ويشير
تقرير منظمة «اليونيسيف» الى أن المرأة أصبحت تباع الآن بخمسة آلاف يورو،
أما الفتاة العذراء فيتم بيعها بمبلغ 8 آلاف يورو، وأن ملايين من الفتيات
يتم اجبارهن على العمل كخادمات، حيث يجري اغتصابهن وهتك عرضهن في البيوت
دون أن يدري أحد بهذا العذاب.
وتشير
«اليونيسيف» إلى أن تجارة الرقيق الابيض أصبحت في أوروبا الدجاجة السحرية
التي تبيض ذهبا، مما يهدد مصير العائلات ووحدة الابناء ويؤثر بطريقة سلبية
على الطفولة في العالم.
وتعتبر
العاصمة اليوغوسلافية بلغراد ومنطقة «زاندزاك» المتاخمة لحدود كوسوفو
والجبل الاسود هي الاماكن المركزية التي تستخدمها المافيا الدولية لتجميع
النساء تمهيدا لشحنهن إلى أوروبا الغربية، اما الطريق الرئيسية المعتمدة
من قبل مافيا التهريب فتبدأ من البوسنة عبر مقدونيا وكوسوفو باتجاه أوروبا
الغربية، حيث يجري إخفاء النساء والفتيات في الملاهي الليلية وبيوت
الدعارة السرية، أو في منازل خاصة تديرها المافيا ذاتها.
وأشار
التقرير الى أن عدد النساء والفتيات اللواتي تنقلهن العصابات من شرقي
أوروبا الى غربها يقدر بين نصف مليون و700 ألف امرأة سنويا ويرجح أن يكون
هذا هو الرقم الادنى نظرا الى سلوك عصابات التهريب طرقا لاتزال خفية حتى
الآن.
وبحسب التقرير فإن 35% فقط من عمليات التهريب يتم افشالها بينما تنجح العصابات حتى الآن في تمرير صفقاتها.
وتحمل
رئيسة منظمة اليونيسيف ماري بلاك مسؤولية ازدهار تجارة الرقيق الى حكومة
بلغراد وتطالبها بتشديد العقوبات المتعلقة بهذا النوع من الجرائم، بينما
يؤكد مدير مكتب الامن والتعاون الاوروبي ستيفانو زانينو، أن عدد النساء
موضوع التجارة هو أكثر بكثير من الرقم الذي يعتمده التقرير ويشير الى أن
الرقم الحقيقي هو أعلى بكثير.
ويشير
تقرير دائرة مكافحة الجريمة في ألمانيا الى ازدهار تجارة الرقيق الاصفر
والاسود أي النساء الوافدات من دول شرق آسيا وافريقيا الى أوروبا، ويتم
هذا النوع من التجارة عبر استغلال الشباب الاوروبي العاطل عن العمل عبر
عقود زواج وهمية لقاء مبالغ مالية، غالبا ما تكون ضئيلة، تسمح بانتقال
النساء إلى أوروبا للإقامة والعمل في مجال الدعارة السرية.
وتغص
الملاهي الليلية الاوروبية وحتى أماكن ألعاب الميسر بالنساء الآسيويات
اللواتي يعرضن أجسادهن للبيع من أجل إعالة العائلة الكبيرة في بلدانهن،
أما النساء الافريقيات فيقصدن أوروبا عن طريق مافيات التهريب التي تعتمد
وسائل النقل بواسطة حشر الناس في المستوعبات التي تحملها سفن الشحن،
وغالبا ما يؤدي هذا النوع من التهريب الى موت الناس اختناقا داخل
المستوعب.
ويعتبر
المغرب محطة رئيسية للمهربين الذين يستفيدون من مضيق جبل طارق لنقل الناس
بالقوارب الى الشواطئ الاسبانية ومنها الى الداخل الاوروبي، كما باتت
مطارات روسيا وأوكرانيا والتشيك، معبرا مهما للنساء الافريقيات اللواتي
تنقلهن عصابات التهريب عبر الحدود البرية إلى الداخل الاوروبي.
ويؤكد
تقرير لليونيسيف أن تجارة الرقيق العالمية تحقق 9 مليارات دولار سنويا وأن
دول العالم الغنية تشهد موجة متصاعدة من الاتجار بالبشر معظمهم من النساء
والفتيات اللاتي يجبرن على ممارسة الدعارة.
وبقدر
ما يبدو أن الدول الغنية مسؤولة عن ترك الامور تجري كما تشاء عصابات
الاتجار بالبشر فان المأساة الانسانية عند أولئك الضحايا تكبر اكثر ويكفي
ذكر ازدهار تجارة الرقيق في أوروبا أن بلدانها تستقبل سنويا ما لا يقل عن
مليون أنثى يقدمن من أقطار العالم للعمل في مجالات الدعارة السرية ومن ضمن
ما يتم الايقاع بهن وهن في عمر لا يتجاوز بعد الـ 10 سنوات.
ومن
المؤسف أن الكثير من الدول الاوروبية التي تدعي التحضر والانسانية تمارس
فيها تجارة الرقيق الابيض بشكل شبه علني، وان كانت سلطات هذه البلاد وبعض
مؤسساتها تدعي محاربة هذه الظاهرة غير الانسانية.
وتقدر
منظمة «حرروا العبيد» عدد العبيد في العالم بـ 27 مليون شخص يتركزون في
الهند وافريقيا، وان أسباب الاتجار بالبشر تتمثل في المشكلات الاقتصادية،
والرغبة في الثراء السريع، وضعف القوانين الوطنية، وغياب القيم، لافتة إلى
أن محاربته تشمل أيضا مواجهة الظروف التي تؤدي إلى تلك الظاهرة.
وتعمل اليونسكو ومنذ إنشاء مشروع طريق الرقيق عام 1994، من أجل كسر حاجز الصمت الذي يلف الاتجار بالرقيق وتاريخه.
كما
ستطلق اليونسكو مسابقة لإنشاء نصب تذكاري بمقر الأمم المتحدة في نيويورك
لتكريم ضحايا الاسترقاق والاتجار بالرقيق الأسود عبر المحيط الأطلسي.