رمضان شهر النصر والصبر

فضل الله ممتاز
رمضان شهر النصر والصبر Largearticle4990%D8%B1%D9%85%D8%B6%D8%A7%D9%8622

من المعروف أن شهر رمضان قد ارتبط في تاريخنا الإسلامي بالانتصارات الكبرى التي مثَّلت تحولات ومعالم بارزة؛ ليس في تاريخ المسلمين فحسب، بل في تاريخ الإنسانية والعالم، وهو ارتباط لم يأتِ مصادفةً، فقد تكرر على نحوٍ يدفع إلى التفكير والتأمل والدرس،ولا عجبَ، فإن الصومَ ذاته مدرسة للجهاد والصبر، ميدانه الأول نفوس أصحابه المؤمنين، فإن قدروا عليها كانوا على غيرها أقدر، وإن انتصروا عليها كان انتصارهم على أعدائهم أهون وأيسر فهو جهادٌ للنفس يقود إلى ترويضها حتى يسلس قيادها، وتستعلي على جواذب الأرض وشهواتها التي أذَّلت أصحابها، وقعدت بهم، وعكَّرت صفو أرواحهم، وحالت دون ارتقائها إلى الملأ الأعلى.

نعم إن صيام شهر رمضان فرض من الفرائض التي أمر الله عباده بها وكلفهم بأدائها، ولكنه يختلف عن سائر العبادات لسموه بالنفس إلى درجة العلاقة الخفية بين الإنسان وربه، فالعبادات في غالبها ممارسة بارزة أما عبادة الصوم فهي دائماً سر بين العبد وربه لا يعلمه ولا يراه إلا هو. وأساس ذلك ومصداقه قول نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم : "كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، يقول الله عزوجل: إلا الصوم. فإنه لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وطعامه من أجلي للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربّه، ولخلوف فيه أطيب عند الله من ريح المسك" والصيام يشفع لصاحبه يوم القيامة لقول رسول الله : "الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة. يقول الصيام: أي رب منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه فيشفعان"

وللصيام معان كثيرة، فهو اختبار للإرادة وقسر للنفس يمنعها من رغباتها وحاجاتها المباحة امتثالاً واستجابة لأمر الله، وهو تهذيب لها وتخليص من الآثام والخطايا. ومن هنا فليس الصيام مجرد توقف عن الطعام والشراب في وقت معين بل إنه إصلاح للنفوس ومجال للتسامح والتآخي والمحبة فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي قال: "ليس الصيام من الأكل والشرب. إنما الصيام من اللغو والرفث، فإن سابك أحد ، أو جهل عليك، فقل إني صائم إني صائم". وفي رواية أخرى قال: "وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم" ، وفي حديث آخر عند البخاري قال : "من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه".

لقد خص الله شهر رمضان بفضائل كثيرة ففيه أنزل كتابه المبين هدى ورحمة للعالمين وفي هذا يقول تبارك وتعالى: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان} وفي هذا الشهر الكريم ليلة خير من ألف شهر وفيها يقول سبحانه: {إنا أنزلناه في ليلة مباركة}، ويقول عز وجل: {إنا أنزلناه في ليلة القدر، وما أدراك ما ليلة القدر، ليلة القدر خير من ألف شهر، تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر ، سلام هي حتى" مطلع الفجر}.

وقد وردت في فضل رمضان أخبار كثيرة فقيل إن نبي الله نوحاً صامه لما خرج من السفينة ، وقيل إن الله كتب صيامه على كل أمة، وقيل إنه سُمِّيَ رمضان لأنه يرمض الذنوب أي يحرقها بالأعمال الصالحة المفترض تكاثرها فيه، كما وردت في فضائله أحاديث كثيرة منها ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال: "من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غُفِرَ له ما تقدّم من ذنبه، ومن صام رمضان إيماناً واحتساباً غُفِرَ له ما تقدّم من ذنبه"وما رواه الصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال: "الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر"، ومنها ما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه قال: دخل رمضان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن هذا الشهر قد حضركم وفيه ليلة خير من ألف شهر من حرمها فقد حرم الخير كله ولا يحرم خيرها إلا محروم".

نعم إن شهر رمضان شهر نصر وعطاء ففيه غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة الفتح ومعه عشرة آلاف من المسلمين ، وكان يصوم ويصومون ولم يفطروا إلا بعد أن وصلوا الكديد، وفيه كانت غزوة بدر الكبرى، وفي تلك الغزوة انتصرت راية الإسلام وانتكست راية الوثنية والأصنام. وفيه وقع كثير من معارك المسلمين وحملات جهادهم وتضحياتهم ولم يعرف أن أحداً منهم أخر الجهاد إذا أدركه رمضان، بل كانوا أكثر ما يكونون رغبة في أن تكون معاركهم وجهادهم في رمضان.

وفي هذا الشهر الكريم كانت غزوة بدر الكبرى إذنًا من الله تعالى للمظلومين الذين أُخرجوا من ديارهم وأموالهم أن يقتصوا من ظالميهم،{أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ ، الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ} وكانت إيذانًا من الله تعالى بالتمكين لأهل الصلاح وحملة رسالة الخير{الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ } وكان يوم بدر فاصلاً في تاريخ المسلمين ودولتهم الناشئة.. أسماه الله تعالى يوم الفرقان الذي فرَّق به بين الحق والباطل{يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ} وماذا لو انهزم المسلمون يومها؟ أكانت تقوم لدولتهم قائمة؟ وكم كانتتخسر البشرية كلها لو زالت دولة الإسلام يومها، ولم تعد للحق منارة ولا راية؟؟ لقدوقف رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يومها يدعو الله ويلحُّ عليه في الدعاء قائلاً: "اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تُعبد في الأرض".. أما أصحابه الذين نذروا أنفسهم لفداء الحق ونصْب ميزان العدل فقد قال قائلهم للرسول الأعظم- صلى الله عليه وسلم-: والذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا البحر فخضته لخضناه معك، ما تخلَّف منا رجل واحد.."، كانوا ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً ليس بينهم سوى فارسين يلاقون ثلاثة أضعافهم عددًا، وصفهم النبي- صلى الله عليه وسلم- بقوله في دعائه: "اللهم إنهم حفاة فاحملهم، عالة فأغنهم، جياع فأطعمهم"،فلم تقعدبهم قلة العدد والعدة وشدة الضرورة والحاجة عن نصرة الحق الذي أخلصوا له، والفكرة التي انبعثوا من أجلها.. فلا عجبَ أن كان انتصارهم عزاءً للمستضعفين في الأرض الذين يبحثون عن مستقبل أفضل لعالمهم ولتحرير أوطانهم..وهناك انتصارات كبرى للمسلمين في شهر رمضان، صاغتها سواعد الصائمين، وصنعتها أرواحهم الزكية ودماؤهم الطاهرة، فقدَّموا للبشرية وللإنسان أمثلة رائعة، وحموا العقدية الإسلامية وحضارتها، وانتقلوا بها إلى الأمام وقدموا نماذج مهمة في سبيل نصرة الحق ودهر الباطل.

كما لا ننسى أن رمضان شهر القرآن وفي هذا الشهر الكريم كان رسول الله وأصحابه الكرام أكثر قوة وحيوية ومثابرة على العبادة ومضاعفتها، وهذا يقتضي القول أن شهر رمضان شهر العمل وشهر الصبر والعطاء وليس شهر الضعف والكسل والنوم ، ولهذا فإن شعور بعض الصائمين بالكسل والضعف ولجوئهم إلى النوم في نهاره، والإقلال من العمل فيه يخالف الحكمة من الصوم ولا يتفق مع الغاية منه ولا يعدو كونه مجرد إيحاء نفسي تشعر به النفوس الضعيفة .. فبلوغ رمضان نعمة كبيرة على من بلغه وقام بحقه بالرجوع إلى ربه من معصية إلى طاعته ومن الغفلة عنه إلى ذكره ومن البعد عنه إلى الإنابة إليه.. ولقد صدق القائل حين قال:

يا ذا الذي ما كفاه الذنب في رجب

حتى عصـــى الله في شهر شعبان

لقد أظلك شهر الصوم بعـــــــدهما

فلا تصـــيـّــــره أيضاً شهر عصيان

واتل القرآن وسبـــّـح فيه مجتهداً

فإنـّـه شهر تـسبـيــــــــــح وقرآن

واحمل على جسد ترجو النجاة له

فسوف تضرم أجسـاد بنيـــــــران

كم كنت تعرف ممن صام في سلف

من بين أهل وجيران وإخوان

أفناهم الموت واستبقاك بعـــــدهم

حياً فما أقرب القاصي من الدّانــــــــــي
المصدر
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]

» هنيئا لك النصر يا أمريكا
» اليوم الثامن من رمضان و انتهاء أول أسبوع من رمضان
» نصائح طبية هامة في شهر رمضان.. النظام الغذائي في رمضان