كتاب "مخالفات رمضان"
هذه جملة أحاديث يكثر ذكرها في كتب الوعظ وعلى ألسنة الناس، وإنما ذُكر
هذا الفصل هنا؛ حتى لا ينسِب المسلم شيئًا إلى النبي – صلى الله عليه وسلم
– لم يثبت عنه، ولأن في الأحاديث الصحيحة ما يغني عن تلك الأحاديث الضعيفة
والموضوعة.
قال ابن المبارك – رحمه الله تعالى -: "في صحيح الحديث شُغْلٌ عن سقيمه"[1].
ومن هذه الأحاديث ما يلي:
الحديث الأولحديث: ((شهرٌ أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار)).
وهذا جزءٌ من حديث طويل، هذا نصُّه:
((يا
أيها الناس قد أظلكم شهرٌ عظيم، شهرٌ فيه ليلة خيرٌ من ألف شهر، جعل الله
صيامه فريضةً، وقيام ليله تطوعًا. مَنْ تقرَّب فيه بخصلةٍ من الخير كان
كمَنْ أدَّى فريضةً فيما سواه، ومَنْ أدَّى فيه فريضةً كان كمَنْ أدَّى
سبعين فريضةً فيما سواه، وهو شهر الصبر، والصبر ثوابه الجنة، وشهرُ
المواساة، وشهر يُزاد فيه رزق المؤمن، ومَنْ فطَّر فيه صائمًا كان مغفرة
لذنوبه، وعتق رقبته من النار، وكان له مثل أجره من غير أن ينتقص من أجره
شيء)). قالوا: يا رسول الله، ليس كلنا يجد ما يفطر الصائم! قال: ((يعطي
الله هذا الثواب مَنْ فطَّر صائمًا على مذقة لبن، أو تمرة، أو شربة من
ماء، ومَنْ أشبع صائمًا سقاه الله من الحوض شربةً لا يظمأ حتى يدخل الجنة.
وهو شهر أوَّله رحمة، ووَسَطه مغفرة، وآخره عتقٌ من النار.
فاستكثروا فيه من أربع خصال؛ خصلتان ترضون بهما ربكم، وخصلتان لا غنى بكم
عنهما؛ أما الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم: فشهادة أن لا إله إلا الله
وتستغفرونه، وأما الخصلتان اللتان لا غنى بكم عنهما: فتسألون الجنة،
وتعوذون من النار)).
وهذا الحديث أخرجه
ابن خزيمة وغيره عن سلمان الفارسي، وفي إسناده علي بن زيد بن جُدعان، ضعفه
أحمد وغيره (انظر سلسلة الأحاديث الضعيفة – المجد الثاني – حديث رقم 871).
وقد روي من حديث أبي هريرة مرفوعًا بلفظ: ((أول شهر رمضان رحمة، وأوسطه
مغفرة، وآخره عتق من النار))؛ أخرجه العقيلي وابن عدي والخطيب في
"الموضح"، والديلمي وابن عساكر، وفي إسناده سلام بن سليمان بن سوار؛ قال
ابن عدي: "هو عندي منكر الحديث" أ. ﻫ.
وفيه أيضًا: مسلمة بن الصَّلْت؛ قال أبو حاتم: "متروك الحديث"؛ (انظر: السلسلة الضعيفة – المجلد الرابع – حديث رقم 1569).
الحديث الثاني((اللهم بارك لنا في رجب وشعبان، وبلِّغنا رمضان)).
رواه
البزَّار عن أنس – رضي الله تعالى عنه - وفي إسناده: زائدة بن أبي الرقاد؛
قال فيه البخاري: "منكر الحديث"؛ (انظر: تبيين العجب بما ورد في فضل رجب –
الحديث الخامس ).
الحديث الثالث((من
أدرك رمضان بمكة، فصام وقام منه ما تيسر له - كتب الله له مائة ألف شهر
رمضان فيما سواها، وكتب الله له بكل يومٍ عتق رقبة، وكل ليلة عتق رقبة،
وكل يوم حملان فرس في سبيل الله، وفي كل يوم حسنة، وفي كل ليلة حسنة)).
حديث موضوع، رواه ابن ماجه عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - وفي
إسناده عبدالرحيم بن زيد العَمِّي؛ قال فيه ابن معين: "كذَّابٌ خبيثٌ"؛
وقال النَّسائي: "ليس بثقة ولا مأمون"؛ (انظر: السلسلة الضعيفة - المجلد
الثاني - حديث رقم 832).
الحديث الرابع((لو
يعلم العباد ما رمضان؛ لتمنَّت أمتي أن يكون السنة كلها)). فقال رجلٌ من
خزاعة: يا نبي الله، حدِّثنا؛ فقال: ((إن الجنة لَتُزَيَّن لرمضان من رأس
الحَوْل إلى الحَوْل، فإذا كان أول يومٍ من رمضان؛ هبَّت ريحٌ من تحت
العرش فصفقت ورق الجنة، فتنظر الحور العين إلى ذلك فيقُلْنَ: يا رب، اجعل
لنا من عبادك في هذا الشهر أزواجًا تقرُّ أعيننا بهم، وتقرُّ أعينهم
بنا)). قال: ((فما من عبدٍ يصوم يومًا من رمضان؛ إلا زُوِّجَ زوجةً من
الحور العين، في خيمةٍ من درَّةٍ مجوَّفةٍ، مما نعت الله: {حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ}
[الرحمن: 72]، على كلِّ امرأةٍ سبعون حُلَّة، ليس منها حُلَّة على لون
الأخرى، تعطى سبعين لونًا من الطِّيب، ليس منه لونٌ على ريح الآخر، لكلِّ
امرأةٍ منهنَّ سبعون ألف وصيفةٍ لحاجتها، وسبعون ألف وصيفٍ، مع كل وصيفٍ
صحفةٌ من ذهب، فيها لون طعامٍ تجد لآخر لقمة منها لذة لا تجد لأوَّله، لكل
امرأةٍ منهن سبعون سريرًا من ياقوتةٍ حمراء، على كل سريرٍ سبعون فراشًا
بطائنها من إستبرق، فوق كل فراشٍ سبعون أريكةً، ويعطى زوجها مثل ذلك على
سريرٍ من ياقوت أحمر، موشَّح بالدُّرِّ، عليه سواران من ذهب، هذا بكلِّ
يومٍ صامه من رمضان، سوى ما عمل من الحسنات)).
رواه ابن خزيمة، وابن الجوزي في كتاب "الموضوعات"، في إسناده جرير بن
أيوب؛ قال البخاري: "منكر الحديث"، وقال أبو نُعَيْم: "كان يضع الحديث"،
وقال النَّسائي: "متروكٌ".
الحديث الخامس((مَنْ أفطر يومًا من رمضان من غير عذرٍ ولا مرض - لم يَقْضِهِ صوم الدهر وإن صامه)).
الحديث علَّقه البخاريُّ، ورواه ابن خزيمة والتِّرمذي وأبو داود وابن ماجه وغيرهما.
قال
ابن حجر في (فتح الباري: 4/ 161): "واختُلِفَ فيه على حبيب بن أبي ثابت
اختلافًا كثيرًا؛ فحصلت فيه ثلاثُ علل: الاضطراب، والجهل بحال أبي
المطوّس، والشكُّ في سماع أبيه من أبي هريرة".
الحديث السادس((صوموا تصحُّوا)).
رواه الطبراني في "الأوسط"، وأبو نُعَيْم في "الطب النبوي"، من حديث أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه.
رواه ابن عدي في "الكامل" عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - وفي إسناده نَهْشَل بن سعيد، وهو متروكٌ.
ورواه الطبراني في "الأوسط" وأبو نُعَيْم في "الطب النبوي" عن أبي هريرة، وفي إسناده: زُهَيْر بن محمد.
الحديث السابع((لا تقولوا: رمضان؛ فإن رمضان اسمٌ من أسماء الله، ولكن قولوا: شهر رمضان)).
قال
الحافظ ابن حجر: "حديثٌ ضعيفٌ، رواه أبو معشر نجيح المدني، عن سعيد
المغبري، عن أبي هريرة مرفوعًا... "، ثم قال بعد أن ساق الحديث: "أخرجه
ابن عدي في "الكامل" وضعَّفه بأبي معشر. قال البيهقي: قد روى عن أبي معشر
عن محمد بن كعب، وهو أَشْبَه" أ. ﻫـ من (فتح الباري: 4/ 113).
الحديث الثامنحديث المرأتين اللتين كانتا تغتابان الناس وهما صائمتان، وسياق الحديث كاملاً:
أن
امرأتين صامتا، وأن رجلاً قال: يا رسول الله، إن ها هنا امرأتين قد صامتا،
وإنهما كادتا أن تموتا من العطش! فأعرض عنه - أو سكت - ثم عاد - وأراه
قال: بالهاجرة - قال: يا نبي الله، إنهما والله قد ماتتا - أو كادتا أن
تموتا - قال: ((ادْعُهُما)). قال: فجاءتا. قال: فجيء بقدحٍ - أو عُسٍّ -
فقال لإحداهما: ((قيئي))؛ فقاءت قيحًا أو دمًا وصديدًا ولحمًا، حتى قاءت
نصف القدح! ثم قال للأخرى: ((قيئي))؛ فقاءت من قيحٍ ودمٍ وصديدٍ ولحمٍ
عبيط وغيره حتى ملأت القدح، ثم قال: ((إن هاتين صامتا عمَّا أحلَّ الله،
وأفطرتا على ما حرَّم الله - عزَّ وجلَّ – عليهما؛ جلست إحداهما إلى
الأخرى، فجعلتا تأكلان لحوم الناس!!)).
أخرجه الإمام أحمد (5/ 431)، وأبو داود الطيالسي، وفي إسنادهما رجلٌ لم
يُسَمَّ، وفي إسناد الطيالسي أيضًا الربيع بن ضبيح، وهو ضعيف، ويزيد بن
أبان الرقَّاشي، وهو متروكٌ؛ (السلسلة الضعيفة – المجلد الثاني – حديث رقم
519).
الحديث التاسع((إذا صمتم فاسْتاكوا بالغداة ولا تستاكوا بالعَشِيّ... )) الحديث.
ضعيف الإسناد، وقد تقدم ذِكْرُه في المخالفة التاسعة[2].
الحديث العاشر((نوم الصائم عبادة))؛ وبقية الحديث: ((وصمته تسبيح، وعمله مضاعَف، ودعاؤه مستجاب، وذنبه مغفور)).
رواه البيهقي والديلمي وابن النجار من حديث عبدالله بن أوفى الأسلمي. قال البيهقي عقب إيراده: "معروف بن حسان - أي أحد رجاله - ضعيفٌ، وسليمان بن عمر أضعف منه" أ. ﻫـ
وقال العراقي: "سليمان النخعي أحد الكذَّابين" أ. ﻫـ.
قال المناوي في "شرح الجامع": "وفيه أيضًا عبدالملك بن عمير؛ قال أحمد:
مضطرب الحديث"؛ (انظر: تخريج أحاديث إحياء علوم الدين - استخراج محمود
الحداد: 2/ 605).
ــــــــــــــــــــــــــ
[1] سير أعلام النبلاء 8/ 403.
[2] يقصد الشيخ: المخالفة التاسعة من كتابه "مخالفات رمضان"، ص 41 – 45؛ بعنوان (عدم استعمال السواك بعد الزوال).
شبكة الألوكة