بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حقيقة يقينة لكنها أشبه بالشك لدى البشر في واقعهم .. إنها (حقيقة الموت)..
والله يوجهنا إليها ويضعها أمام أعيننا.. لعلنا نرجع إليه ونتدارك تفريطنا قبل فوات الأوان.. قال تعالى: ((كُلُّ
نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ
فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ))[آل عمران:185]...
ولعل أول ما يتوجب على كل منا حينما يقف أمام حقيقة الموت المروعة.. أن يتوجه قبل كل شيء إلى كتاب الله.. ينظر ما الذي يقوله ربه في هذا الشأن.. وما التوجيه الذي حواه.. ليجد فصل الخطاب في كلمات قليلة موجزة.. معجزة حوت الحقائق كلها.. وما يتوجب على الجميع معرفته..
((كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ))[آل عمران:185].. وكل يوفى أجره يوم القيامة.. ومن وقع في النار بسوء فعله هلك.. ومن زحزح عنها بفضل من ربه فاز.. وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور...
إن القرآن الكريم.. ومن خلال الآية الكريمة.. يحدثنا عن القيم التي ينبغي لنا أن نحرص عليها.. وأن نضحي من أجلها.. وأن نسعى ونكد في سبيل تحصيلها.. وهو يحدثنا عن متاعب الحياة وآلامها.. ويهيب بنا أن نصبر ونتقي.. وهو يبن لنا حقيقة القيم الباقية والقيم الزائلة.. فيقرر بأن الحياة محدودة في هذه الدنيا بأجل.. وبأن كل نفس ذائقة الموت على كل حال.. وبأن الجزاء هناك إما كسب أو خسارة.. فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز.. وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور..
والناس كلهم.. ومنهم المسلمون وغير المسلمين.. والمسلمون جميعاً ومنهم الصالحون والطالحون.. يقفون أمام هذه الحقائق على السواء.. فلا عاصم لأحد إلا أن يتقي الله.. ويمضي في سبيل الاستقامة.. ليتحقق له الفوز في الآخرة...
إذن.. فلابد من استقرار حقيقة الموت في النفس.. وحقيقة أن الحياة مؤقتة محدودة.. وأن الكل يجري إلى غاية واحدة حتمية.. هي الموت.. يموت الصالح والطالح.. والمجاهد والقاعد.. يموت العباد والعبيد.. الشجاع والجبان.. الكبار والصغار.. التافهون من عشاق المتاع الرخيص.. والعظماء من ذوي النفوس الكبيرة.. والاهتمامات العالية...
الكل يموت.. الكل سيذوق تلك الجرعة المريرة.. الكل سيفارق الحياة.. لا فرق بين نفس ونفس.. والكأس ستدور على الملوك والصعاليك.. الجميع يقف في ساحة الإعدام.. ينتظر متى يدعوه الداعي فيجيبه مرغماً...
الفارق شيء واحد.. ذاك يموت فيلقى في جهنم ويصلى عذابها.. وذاك يموت فيزحزح عنها ليدخل الجنة.. الأول يوفى أجره عذاباً أليماً.. والثاني يوفى أجره نعيماً مقيماً...
لن ينفع أحداً مال.. أو جاه.. أو سلطان أو.. أو.. قيمة واحدة هي الباقية.. وهي ما يستحق السعي والكد.. ومصير مهول مخوف واحد.. يستحق أن نحسب له ألف حساب.. فنحن بضعفنا وتقصيرنا.. وحتى مع اليقظة الدائمة.. نظل أبداً مقصرين.. إلا أن يدركنا فضل الله.. ومتاع الحياة ما هو إلا غرور خادع.. نحسبه متاعاً وما هو كذلك على الحقيقة...
وعندما تستقر تلك الحقيقة -حقيقة الموت- وما بعدها في نفس عبد من عباد الله.. فإنه يصل إلى قناعة تامة.. بأن الحرص على الحياة والتشبث بها والتكالب عليها.. ما هو إلا نوع من العبث وضرب من الحمق والغباء.. وستظل حقيقة الموت ماثلة أمام عينيه على الدوام.. أليس مؤمناً بأن كل نفس ذائقة الموت!!؟
وآه.. لو تذكر كل منا تلك الحقيقة المفزعة.. التي لا مدفع لها ولا مهرب منها.. إذن لصلح حالنا.. ولاستقام أمرنا.. فلن يكون هناك ظلم.. ولا طمع.. ولا حسد.. ولا بغضاء.. ولن يكون هناك تنافس على مال أو جاه أو متاع.. ولن يكون هناك هم ولا غم.. ولا تحسر ولا نكد...
فيا عبد الله! ضع حقيقة الموت وما بعده نصب عينيك.. واعلم يقيناً أن الحياة الحقيقية لن تكون إلا هناك.. فاعمل لها.. وما أنت وأنا وكل إنسان على ظهر البسيطة إلا ضيف مرتحل.. يجيب متى ما دعاه الداعي.. دون أن يملك حق الرفض أو التمنع.. وحينها لن يتمكن من أخذ شيء معه إلا ما قدمه من عمل صالح.. وسيكون مجبراً على حمل أثقاله وأوزاره شاء أم أبى...
الفرصة ما زالت سانحة.. فلا تضيعها أيها العاقل الأريب.. أصلحنا الله وإياك.. فلنبادر إلى التوبة قبل فوات الأوان فإنما:
حَيَاتُكَ أَنْفَاسٌ تُعَدُّ فَكُلَّمَا
|
| مَضَى نَفَسٌ مِنْهَا انْتَقَصْتَ بِهِ جُزْءَا
|
اللهم وفقنا للتوبة.. وجنبنا الهلكة..
وردنا إليك رداً جميلاًَ.. وأحسن ختامنا يا رب العالمين...
فضيلة الشيخ/ محمد المحيسني