الأطفال والفيسبوك
لا يمكن لأبوين واعيين وعلى قدر
من المسؤولية أن يسمحا لأطفالهما غير البالغين بالذهاب بمفردهم إلى
الأسواق أو "المولات" وأن يفعلوا فيها ما يشاؤون ويرافقوا من يريدون خارج
المنزل وبعيداً عن شخص بالغ وموثوق به. وكذلك هو الحال في استخدام الأطفال
لشبكات التواصل الاجتماعي وخاصة الفيسبوك الذي انتقل هوس الإدمان عليه من
الكبار والمراهقين إلى الصغار!
لا تسمح قوانين فيسبوك للأطفال ممن هم دون سن الـ
13 سنة بفتح حسابات خاصة بهم، إلا أن الملايين من الأطفال تمكنوا من فتح
حسابات بإدخال معلومات كاذبة عن أعمارهم الحقيقية، حسب بعض التقارير.
وتشير دراسة أميركية إلى أن 38 في المئة من الأطفال الذين يبلغون من العمر 12
عاماً فأقل يمتلكون حسابات خاصة بهم في الفيسبوك. ولذلك تطور إدارة الشركة
بعض الطرق الجديدة تتيح للأطفال فتح حسابات خاصة بهم بشرط ربط حساباتهم
بحسابات أحد الأبوين.
الخطير
في مثل هذه التقنيات الجديدة من شبكات التواصل الاجتماعي أنه كوّن عالماً
افتراضياً شبيهاً بالعالم الواقعي بكل إيجابياته وسلبياته وخيره وشرّه.
ومن الخطأ أن يعتقد الأبوان
أن مجرد وجود طفلهما في المنزل أمام شاشة الكمبيوتر المرتبط بالإنترنت
يعني أنه في مأمن، ذلك أن الرعاية والمراقبة الواجبة على الأبناء أثناء
إبحارهم في الإنترنت ضرورية كما هو الحال عند وجودهم خارج المنزل.
قد لا
يكون من الصواب منع الأبناء غير البالغين بشكل قاطع من التعامل مع
الفيسبوك وخاصة إذا كان أقرانهم من الأقارب والأصدقاء يستخدمون هذه
المواقع للتواصل الاجتماعي والدردشة، ووضع الصور والتعليق عليها. كما أنه
من الخطأ في المقابل ترك الحبل على الغارب للأطفال يسرحون ويمرحون في
فضاءات الفيسبوك متى ما شاءوا ومع أي شخص أرادوا.
ومن الأخطاء الكبيرة التي يرتكبها بعض الآباء أن يوفروا
لأطفالهم الصغار هواتف ذكية مرتبطة بالإنترنت وفيها مختلف التطبيقات التي
تمكنهم من استخدامها مثل البالغين، لأنه كلما زادت فترة استخدام الطفل
لمواقع التواصل الاجتماعي، كلما زادت مخاطر تعرضه للاستغلال. ولذا، ينبغي
أن يتاح للأطفال الدخول إلى الفيسبوك فقط من خلال الكمبيوتر المنزلي وأن
يتم تحديد الاستخدام بمدة محددة. كما يفضل أن يتم استخدام بعض البرامج
الخاصة بمراقبة نشاط المستخدم على الشبكة، وما هي المواقع التي يتردد
عليها.
ومن الضروري توعية الأطفال حول الاستخدام الأمثل لمواقع
التواصل الاجتماعي والإنترنت، كأن لا يضيف أي شخص غريب، وألا يعطي الطفل
معلومات شخصية كرقم الهاتف والعنوان لأي شخص، والأخطر من ذلك إرسال الصور
الشخصية لأشخاص مجهولين وغير معروفين.
كما ينبغي على الآباء ربط حسابات أطفالهم في
الفيسبوك بحساباتهم الشخصية، بحيث يتمكن أحد الأبوين من قراءة ما يضعه
الطفل في صفحته ومع من يتفاعل وما هي التعليقات التي ترد إليه، وأن يوجهوا
الأطفال بضرورة تبليغهم عن أي إساءات قد ترد
إليهم من أي شخص مثل توجيه الإهانات أو التهديد أو استخدام ألفاظ نابية
وتحرش جنسي كإرسال صور مخلة ومقاطع خادشة، حتى يقوم الأب بالتواصل مع
إدارة الشبكة للتعامل مع الشخص المسيء، أو بفتح بلاغ لدى الجهات الأمنية
للتعامل مع هذه الانتهاكات بالطرق القانونية.
بقدر ما سهّلت التقنيات الحديثة التواصل البشري وفتحت آفاق التبادل المعرفي، بقدر ما تحمل هذه التقنيات في طياتها من تعقيدات مما يتطلب التعامل معها بوعي وحذر قدر
الإمكان. فإذا كان الكبار والبالغون وقعوا ضحايا الابتزاز والخداع
والاحتيال والتشهير والإساءة في هذه العوالم الافتراضية، فكيف نأمن على
الصغار -الأقل قدرة على التمييز بين الصواب والخطأ- خوض غمار هذه العوالم دون جرعات كافية من الوعي والمراقبة؟