آراء المواطن العربي
شكراً للحاكم لتفضله ببناء الملاعب لنا. شكراً له على كل ما قدمه لنا، على رعايته للرياضة، للدراسة... للبلد.
مثل هذا المشهد يدور في صالة رياضية، حيث يتوالى
المشاركون والمشاركات من صغار ويافعين وشباب أمام عدسة التلفزيون المحلي
ليعبروا عن امتنانهم لوجوده، وسعادتهم القصوى لأنهم حظوا «بمصافحته».
المشهد طال ليسمح بمرور وجوه كثيرة باسمة تكرر العبارات الودية ذاتها. لم
لا؟ حقهم، إن كان هذا شعورهم. إنما بماذا يستفيد المشاهد من عبور العشرات
ليرددوا الكلام ذاته؟ ربما كان للتأكيد، لمن قد تساوره نفسه بالشك، بمدى
حب المواطن لصاحب نعمته. نعم، «صاحب نعمته»، هكذا قرر المواطنون الصالحون
حين يشكرون حاكمهم على ما قدمه للرياضة ولهم وللبلد وما بناه... وعلى كل
ما يفعله للوطن الحبيب.
نتفهم الشكر على الحضور والفرحة بالتواضع المتجلي
بمصافحة الجميع كما كل ما يدخل في إطار العلاقات الشخصية بين الحاكم
والمحكوم، ولكن أن يُشكر المسؤول عما بناه وما قدمه للرعايا، فهذا شأن آخر.
فالمفترض أن هذا واجبه، ودوره البديهي أي الحرص على
هناء مواطنيه، كما أن مصاريف ما يبنى في البلد آت من خزينة الدولة وليس من
جيب الحاكم (أو المسؤول).
التلفزيونات العربية المحلية تكرس هذه المــفاهيـــم في
نفوس المواطنين، أي مفـــاهيم دولة الفـــرد لا دولة المؤسسات، وتحاول
الإيحاء بحــرية المواطن في التعبير عن رأيه لاسيما، بل فقط، حين ينصب هذا
الرأي في خانة المديح للحاكم.
مقارنة بهذا فإن التلفزيونات الخاصة والعامة في العالم
المتحضر، حين تترك الكلمة للمواطن، وكثيراً ما تفعل، فهذا كي يشتكي في
العادة وليعبر عن تذمره من وضع ما. من الصعب مثلاً تخيل مواطن أوروبي على
الشاشة وهو يمدح كائناً من كان أو يشكر الرئيس على أي شيء، فكيف وهو يحمده
لأنه بنى الملاعب، أو مد السكك الحديد وزاد من عدد القطارات، أو أسس
الجيش... المواطن في الغرب يدلي برأيه على شاشة التلفزيون ليندد وليشير
إلى الاعوجاج، وإن حصلت معجزة وتنازل وشكر أحداً، فالمؤسسات والدولة وليس
الأشخاص. هو يعتبر أن واجب هؤلاء خدمة البلد ولا شكر على واجب.
المواطن العربي حين يترك له المجال ليعبر عن رأيه عبر
الشاشة الصغيرة، المحلية بخاصة، فذلك ليشكر ولي نعمة البلاد أو ليقول
كلاماً لا يقدم ولا يؤخر. فهو لم يعتد على أن يُطلب رأيه. وحين يُسأل
مثلاً سؤالاً من نوع ماذا تتوقع من الاجتماع الفلاني للقادة الفلانيين؟
نسمع جواباً من نوع: خير، إن شاء الله خير!