قوله
تعالى : ( والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ) [ المائدة : 38 ] مثال صالح
لذلك فإن السارق فيه مطلق كاليد فبينت السنة القولية الأول منهما وقيدته
بالسارق الذي يسرق ربع دينار بقوله صلى الله عليه و سلم : " لا قطع إلا في
ربع دينار فصاعدا " [ أخرجه الشيخان ] . كما بينت الآخر بفعله صلى الله
عليه و سلم أو فعل أصحابه وإقراره فإنهم كانوا يقطعون يد السارق من عند
المفصل كما هو معروف في كتب لحديث وبينت السنة القولية اليد المذكورة في
آية التيمم : ( فامسحوا بوجوهكم وأيديكم ) [ النساء : 43 ، المائدة : 6 ]
بأنها الكف أيضا بقوله صلى الله عليه و سلم : " التيمم ضربة للوجه والكفين
" [ أخرجه أحمد والشيخان وغيرهم من حديث عمار بن ياسر رضي الله عنهما ]
وإليكم بعض الآيات الأخرى التي لم يمكن فهمها فهما صحيحا على مراد الله
تعالى إلا من طريق السنة :
1
- قوله تعالى : ( الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن
وهم مهتدون ) [ الأنعام : 82 ] فقد فهم أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم
قوله : ( بظلم ) على عمومه الذي يشمل كل ظلم ولو كان صغيرا ولذلك استشكلوا
الآية فقالوا : يا رسول الله أينا لم يلبس أيمانه بظلم ؟ فقال صلى الله
عليه و سلم : " ليس بذلك إنما هو الشرك ألا تسمعوا إلى قول لقمان
إن الشرك لظلم عظيم ) [ لقمان : 13 ] ؟ " [ أخرجه الشيخان وغيرهما ]
2
- قوله تعالى : ( وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من
الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا ) [ النساء : 101 ] فظاهر هذه الآية
يقتضي أن قصر الصلاة في السفر مشروط له الخوف ولذلك سأل بعض الصحابة رسول
الله صلى الله عليه و سلم فقالوا : ما بالنا نقصر وقد أمنا ؟ قال : " صدقة
تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته " [ رواه مسلم ]
3
- قوله تعالى : ( حرمت عليكم الميتة والدم . . ) [ المائدة : 3 ] فبينت
السنة القولية أن ميتة الجراد والسمك والكبد والطحال من الدم حلال فقال
صلى الله عليه و سلم : " أحلت لنا ميتتان ودمان : الجراد والحوت ( أي
السمك بجميع أنواعه ) والكبد والطحال " [ أخرجه البيهقي وغيره مرفوعا
وموقوفا وإسناد الموقوف صحيح وهو في حكم المرفوع لأنه لا يقال من قبل
الرأي ]
4
- قوله تعالى : ( قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن
يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به
) [ الأنعام : 145 ] . ثم جاءت السنة فحرمت أشياء لم تذكر في هذه الآية
كقوله صلى الله عليه و سلم : " كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير
حرام " . وفي الباب أحاديث أخرى في النهي عن ذلك . كقوله صلى الله عليه و
سلم يوم خيبر : " إن الله ورسوله ينهيانكم عن الحمر الإنسية فإنها رجس " [
أخرجه الشيخان ]
5
- قوله تعالى : ( قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق
) [ الأعراف : 32 ] فبينت السنة أيضا أن من الزينة ما هو محرم فقد ثبت عن
النبي صلى الله عليه و سلم أنه خرج يوما على أصحابه وفي إحدى يديه حرير
وفي الأخرى ذهب فقال : " هذان حرام على ذكور أمتي حل لإناثهم " [ أخرجه
الحاكم وصححه ]
والأحاديث
في معناه كثيرة معروفة في " الصحيحين " وغيرهما . إلى غير ذلك من الأمثلة
الكثيرة المعروفة لدى أهل العلم بالحديث والفقه . ومما تقدم يتبين لنا
أيها الإخوة أهمية السنة في التشريع الإسلامي فإننا إذا أعدنا النظر في
الأمثلة المذكورة فضلا عن غيرها مما لم نذكر نتيقن أنه لا سبيل إلى فهم
القرآن الكريم فهما إلا مقرونا بالسنة
ففي
المثال الأول فهم الصحابة ( الظلم ) المذكور في الآية على ظاهره ومع أنهم
كانوا رضي الله عنهم كما قال ابن مسعود : ( أفضل هذه الأمة أبرها قلوبا
وأعمقها علما وأقلها تكلفا ) فإنهم مع ذلك قد أخطئوا في ذلك الفهم فلولا
أن النبي صلى الله عليه و سلم ردهم عن خطئهم وأرشدهم إلى أن الصواب في (
الظلم ) المذكور إنما هو الشرك لاتبعناهم على خطئهم ولكن الله تبارك
وتعالى صاننا عن ذلك . بفضل إرشاده صلى الله عليه و سلم وسنته . وفي
المثال الثاني : لولا الحديث المذكور لبقينا شاكين على الأقل في قصر
الصلاة في السفر في حالة الأمن إن لم نذهب إلى اشتراط الخوف فيه كما هو
ظاهر الآية وكما تبادر ذلك لبعض الصحابة لولا أنهم رأوا رسول الله صلى
الله عليه و سلم يقصر ويقصرون معه وقد أمنوا . وفي المثال الثالث : لولا
الحديث أيضا لحرمنا طيبات أحلت لنا : الجراد والسمك والكبد والطحال . وفي
المثال الرابع : لولا الأحاديث التي ذكرنا فيه بعضها لاستحللنا ما حرم
الله علينا على لسان نبيه صلى الله عليه و سلم من السباع وذوي المخلب من
الطير . وكذلك المثال الخامس : لولا الأحاديث التي فيه لاستحللنا ما حرم
الله على لسان نبيه من الذهب والحرير ومن هنا قال بعض السلف : السنة تقضي
على الكتاب .