أهل السنة والجماعة لا يأخذون معتقدهم إلا من الكتاب والسنة، والعقل وسيلة لفهم النقل
هذه
القاعدة من أهم القواعد في مذهب أهل السنة والجماعة ، بل هي الحد الفاصل
بين أهل البدع وبين أهل الحق ، فأهل السنة والجماعة ليس لهم أصول غير
الكتاب والسنة يسوقون منها معتقدهم ، بل هم مقتصرون عليهما ، وفيهما
هدايةٌ وكفاية لمن أراد الحق والهدى ؛ ولذلك عصم الله تعالى أهل السنة
والجماعة من الزيغ والضلال ، فتراهم على اعتقادهم ثابتين لا يتزعزعون عنه
على مر العصور . فاعتقادهم الآن هو نفسه اعتقاد الصحابة – رضي الله عنهم - ؛ لأنهم اعتمدوا على ثوابت لا تتغير }ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافًا كثيرًا{ ، وذلك أنه من تمسك بالكتاب والسنة فإنه لا يضل أبدًا كيف وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((تركـــت فيكم مــا إن تمسكتــم بـه لـن تضلــوا بعــدي كتـاب الله وسنتي)) ، وقـــال جابرٌ – رضي الله عنه - : قال - صلى الله عليه وسلم - : ((إن أحسن الحديث كلام الله تعــالى وخــير الــهدي هدي محمدٍ – صلى الله عليه وسلم - وشر الأمور محدثاتها وكل محدثةٍ بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار)) ، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ((أيها
الناس إنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيــب ، وإني تاركٌ فيكــم
ثقلين أولهما كتاب الله تعــالى فيه الهـدى والنور من استمسك به وأخـذ به
كان على الهدى ومن تركه وأخطأه كــان عــلى الضلالـــة)) ، وقال ابن مسعودٍ - رضي الله عنه - : (إنا نقتدي ولا نبتدي ، ونتبع ولا نبتدع ، ولن نضل ما تمسكنا بالأثر) ، وقال - رضي الله عنه - : (اتبعــوا ولا تبتدعــوا فقــد كفيـتم) ، وقال محمد ابن سيرين : (كانوا - أي السلف - يرون أنهم على الطريق ما كانوا على الأثر) .
ولغيرهم
في ذلك المقام كلام كثير ، مما يدل على أن أهل السنة والجماعة ليس لهم من
الأصول ما يعتمدون عليه إلا الكتاب والسنة والإجماع ، فهما المعين الصافي
الذي لا شوب فيه ولا كدر .
وأهل
السنة والجماعة يجعلون النقل هو أصل العقل والعقل وسيلة مهمة لفهمه ، بل
هي من أهم الوسائل لفهمه ، ولذلك من ذهب عقله سقطت عنه التكاليف ، وهذا
بخلاف أهل البدع والضلال عموماً فإن لهم أصولاً غير الكتاب والسنة يأخذون
منها معتقداتهم ، بل بعضهم لا يألوا على الكتاب والسنة ولا يلتفت إليهما ،
بل هي عنده ظواهر لا تفيد إلا الظنون التي لا يصح أن يؤخذ منها المعتقد ،
فاعتمدوا في أخذ أصولهم على علم الكلام المذموم الذي أدخل على أهل الإسلام
الضلال والشبه والشكوك ، فاعتمدوا على قواعده التي تخالف المنقول وتناقض
المعقول ، فجاءوا بخليطٍ كفري وزندقةٍ فاحشةٍ وبلاءٍ مستطير على الأمة
الإسلامية لا زلنا نعايش آثاره إلى هذا اليوم ، ولا حول ولا قوة إلا بالله
، وبعضهم جعل العقل هو الحاكم على النقل ، فالعقل هو الأصل والنقل هو
الفرع ، فما وافق العقل من المنقول أخذوه وما خالفه ردوه واتهموه ،
فيشرعون ما شرعه العقل وإن لم يدل عليه دليل ، ويبطلون ما أبطله العقل وإن
كان عليه دليل من النقل ، بحجة أننا ما عرفنا صحة النقل إلا بالعقل فلولا
العقل لما عرفنا النقل ، فلو تعارض أمر عقلي ونص نقلي ، فيجب تقديم العقلي
على النقلي ؛ لأننا لو قدمنا النقل على العقل لصار هذا قدح في العقل الذي
عرفنا به صحة السمع فيكون قدحًا في السمع ، ولأن العقل متقدم على النقل
ومن شأن المتقدم أن يكون أفضل ممن بعده ، كذا قالوا ، وبئس ما قالوا .
بل
الحق هو العكس فإن تقديم النقل على العقل هو مقتضى العقل ، هذا إذا سلمنا
أصلاً تعارض العقل والنقل ، وإلا فالصواب الذي لا شك فيه أنه لا يمكن أن
يتعارض نصٌ صحيح وعقل صريح ، فالنصوص لا تأتي بما يعارض العقول بل تأتي
بما تحار فيه العقول .
وأما دعواهم أن كل ما كان متقدمًا فهو الأفضل فهي دعوىً باطلةٌ ، ويكفي في بطلانها ، أن أمة محمدٍ خير الأمم وهي آخرهم ، ومحمدٌ - صلى الله عليه وسلم
- أفضل الأنبياء والرسل وهو آخرهم ، بل صحابته خير ممن كان قبلهم إلا
الأنبياء والرسل ، وهذا إبليس تقدم في خلقه على آدم ولا شك ، ومع ذلك فآدم
أفضل منه بل لا وجه للمقارنة أصلاً . ويكفي في إبطال قاعدتهم فرع واحد .
والمقصود
أن أهل السنة والجماعة يعتمدون في أمور العقيدة والعمل على الكتاب والسنة
على فهم السلف الصالح ، وأما غيرهم من الطوائف فهم يعتمدون في إثبات
عقائدهم على العقول الفاسدة والقواعد الكفرية الباطلة ، التي عارضوا بها
الكتاب والسنة وأبطلوا ما جاء فيهما من الاعتقاد الصحيح بشبهاتٍ جاء بها
أبالسة البشر .
فالواجب هو الوقوف عند كتاب ربنا وسنة نبينا - صلى الله عليه وسلم
- على فهم سلفنا الصالح ، ولا بد من هذا القيد المهم ؛ لأن كلاً يدعي أنه
على منهج السلف وهو والله لا يمت إلى منهج السلف بصلة فكل يدعى وصلاً
بليلى ، قال الناظم :
واعضض على القرآن والسنن التي ثبتت عن المعصوم من عدناني
لا لن تضـل ولن تـزيغ بنصـه فهي الهدى والنور للإنسـان
والله تعالى أعلى وأعلم . .
نقلاً عن كتاب : القواعد المذاعة في مذهب أهل السنة والجماعة
للشيخ : وليد بن راشد السعيدان